يعد الإعلام الجديد مساحة لإبراز المواهب وحافزًا للإبداع، ونظرًا لأن الأدب جزء مهم وحيوي من مكونات الإبداع، فإن العديد من أطياف المجتمع وتحديدًا الشباب توجهوا نحو إبراز هذا الجانب من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، لذلك انتشرت المدونات الشخصية بشكل كبير، كما كان لمواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وغيرها دور بارز في انتشار الأعمال الإبداعية.
ومن منطلق أن الشباب الجامعي يُشكل قطاعًا كبيرًا ومهمًا في المجتمع السعودي، ويُعتبر من أكثر الفئات استخدامًا للإعلام الجديد، يصبح من الأهمية بمكان التعرف على الدور الذي يؤديه الإعلام الجديد في نشر الثقافة الأدبية بين الشباب، وأثر ذلك على تطور مواهبهم الأدبية، ومدى اعتمادهم على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات.
وفي هذا الإطار، سعت دراسة نشرتها مجلة البحوث الإعلامية بعنوان “دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الثقافة الأدبية بين الشباب السعودي وعلاقته بالإبداع الأدبي لديهم-دراسة ميدانية” للدكتور فودة محمد فودة أستاذ الإعلام المشارك بكلية الآداب قسم الإعلام جامعة الملك فيصل إلى التعرف على تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الثقافة الأدبية عند الشباب، ورصد مساوئ الإعلام الجديد وأضراره على النشر الأدبي وكيفية تلافي مثل تلك الإشكالات من وجهة نظر الشباب، واستشراف مستقبل الإبداع الأدبي لدى الشباب في ظل تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة، فضلاً عن التعرف على أهم المصادر التي يعتمد عليها الشباب في متابعة الحياة الأدبية.
وتمحورت الدراسة حول الإجابة عن سؤال رئيسي مفاده: هل حقًا وضع الإعلام الجديد بصمات واضحة على الفكر والثقافة والأدب لدى الشباب الجامعي السعودي؟ واعتمدت على منهج المسح الوصفي لمسح عينة جمهور الشباب السعودي المستخدم لوسائل الإعلام كمصدر للحصول على المعلومات.
وللإجابة عن السؤال البحثي تم إعداد استبيان عبر الإنترنت باستخدام “Google Drive”، وبلغ عدد المشاركين فيه 288 شخصًا منقسمين بالتساوي بين الذكور والإناث. وكان 20.8% من أفراد العينة مقيمين في القرى مقابل 79.2% كانوا مقيمين في المدينة.
النتائج العامة للدراسة
خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الهامة التي تجيب في مجملها عن السؤال البحثي الرئيسي، تمثلت فيما يلي:
بالنسبة لمدى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، تشير النتائج إلى أن نسبة 95.8% من أفراد العينة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي دائمًا ونسبة 4.2% منهم يستخدمونها أحيانًا، وقد رأى 53.5% من أفراد العينة أن أكثر المواقع استخدامًا بين مواقع التواصل الاجتماعي هو موقع تويتر، يليه موقع إنستجرام (46.5%)، ثم سناب شات (28.5%)، وفيسبوك (18.1%)، ثم لينكدإن (8%)، يليه جوجل بلاس وواتساب (6.3%) لكل منهما، ثم تليجرام (4.6%) وأخيرًا تمبلر (3.8%).
وحول كثافة الاستخدام، توصلت النتائج إلى أن نسبة 72.2% من أفراد العينة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أربع ساعات في اليوم، ونسبة 15.97% منهم يستخدمونها من 3 إلى 4 ساعات، ونسبة 8.33% من ساعة إلى ساعتين و2.08% من ساعتين إلى 3 ساعات و1.4% أقل من ساعة.
أما عن أهم أسباب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فرأى 81.3% من أفراد العينة أن السبب الأهم هو المتعة، فيما اعتبر 80.9% أنه “التسلية”، مقابل 62.2% قالوا إنه “التواصل مع الأصدقاء”، ونسبة 56.6% من أفراد العينة يستخدمونها للحصول على المعلومات.
وحول مدى متابعة الأعمال الأدبية في مواقع التواصل الاجتماعي، قال 20.8% من أفراد العينة إنهم يتابعونها دائمًا، و54.2% يتابعونها أحيانًا، و25% نادرًا ما يتابعونها، كما أشارت الدراسة إلى أن نسبة 52.4% من أفراد العينة يرون أن أهم الأعمال الأدبية التي يفضلون متابعتها في مواقع التواصل الاجتماعي هي القصة، و47.2% يتابعون سماع الشعر، و45.1% منهم يقرؤون الشعر و22.2% يتابعون المقالات النقدية الأدبية.
كما تشير النتائج أيضًا إلى أن نسبة 80.2% من أفراد العينة يرون أن أهم مصادرهم للتزود بالثقافة الأدبية هي مواقع التواصل الاجتماعي وتأتي هذه النتيجة منسجمة ومتسقة مع النتيجة السابقة من حيث التعرض لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكدت الإفراط في استخدام هذه المواقع مما يرشحها بلا شك أن تكون المصدر الأول للمعرفة لدى الشباب الجامعي السعودي.
وذكر 48.6% من العينة أنهم يعتمدون على الكتب، و25.7% يلجؤون إلى الإذاعة، و21.9% يعتمدون على التلفزيون.
وفيما يتعلق بنشر الأعمال الأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي، قال 13.2% من أفراد العينة إنهم ينشرون أعمالًا أدبية على مواقع التواصل الاجتماعي دائمًا، بينما 27.4% أكدوا أنهم ينشرون أحيانا، فيما ذكر 59.4% أنهم نادرًا ما ينشرون أعمالًا أدبية على مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى، تؤكد النتائج على أن نسبة 15.6% من أفراد العينة يرون أن النشر في مواقع التواصل الاجتماعي يساهم في زيادة الإبداعات الأدبية بشكل كبير، و38.5% يرون أنها ساهمت ولكن ليس بالشكل الكبير، و45.7% يرون أن مواقع التواصل ليس لها أي تأثير على أعمالهم الأدبية.
وحول أهم سلبيات النشر الأدبي في مواقع التواصل الاجتماعي، رأى 41.7% من العينة أنها تتمثل في ظهور عدد من المشاهير ممن لا يستحقون ذلك، والانتحال والسرقات الأدبية، واعتبر 41% أنها خلقت لغة سوقية، وذكر 37.2% أن أهم السلبيات يتمثل في محاولة غير الموهوبين الادعاء الأدبي، واعتبر 36.1% أن كثيرا مما ينشر على أنه أدب “لا يمت للأدب بصلة”، وأشار 28.8% إلى شيوع الثقافة الهابطة.
وبالنسبة لمستقبل الإبداع الأدبي في ظل تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة، رأى 52.1% من أفراد العينة أن التطور التكنولوجي سوف يؤدي إلى زيادة الإبداع والمنتج الأدبي لدى الشباب كنتيجة لإمكانية النشر، بينما ذهب 40.3% إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ستفتح آفاقًا جديدة للشباب، و21.2% قالوا إنها ستمكن الشباب من عقد لقاءات مع كبار الأدباء مما سيثري الحياة الأدبية، وتوقع 18.1% استحداث أجناس أدبية لم تكن موجودة في السابق من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وخلصت الدراسة إلى أنه كلما زاد تعرض الشباب السعودي لمواقع التواصل الاجتماعي زاد تعرضهم للمضامين الأدبية وبالتالي فإن أحد أهم عناصر ترشيد استخدام الشباب السعودي لمواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يتم من خلال مساعدتهم في التعرض للمضامين الأدبية ونشر إبداعاتهم.
ووجدت الدراسة أن النوع لم يؤثر تأثيرًا ملحوظًا في التعرض للمضامين الأدبية، وكذلك أن البيئة لم تلعب دورًا أو تحدث تأثيرًا في طريقة استخدام لمواقع التواصل الاجتماعي، ويرجع هذا بلا شك إلى حالة الاندماج الواضحة بين القرية والمدينة ووصول كافة الخدمات الاتصالية للقرى ووجود تواصل حقيقي وافتراضي بين القرويين والمدنيين.
توصيات الدراسة
ومن واقع النتائج سالفة الذكر، قدمت الدراسة سلسلة من التوصيات جاءت على النحو التالي:
أولًا: ترشيد استخدام الأفراد والأسر لوسائل الإعلام وبالأخص الإعلام الجديد بما يحتويه من أنماط وأشكال على رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك نظرًا للاستخدام المفرط الذي أصبح يهدد كيان الأسرة والمجتمع ويفرض على أفرادها حالة من التواصل الافتراضي مع إهمال لأوجه التواصل الحقيقي.
ثانيًا: رفع مستوى الوعي والإدراك بين فئات الشباب وتحصينهم ضد الثقافات الوافدة والمضامين الهدامة من خلال تعزيز الشراكة المجتمعية والعمل المتناغم بين مؤسسات التربية (الأسرة والجامعة) والمؤسسات الدينية بما يؤدي إلى غرس القيم الفاضلة وتنمية الوازع الديني والضمير الوطني لدى أبناء المجتمع.
ثالثًا: محاولة تلافي كثير من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر الوعي عبر إيجاد مجموعات يديرها أدباء ولغويون، حتى تصبح مواقع التواصل الاجتماعي أدوات إيجابية في نشر وترويج الثقافة الأدبية لدى الشباب السعودي.
رابعًا: قيام الأدباء والقائمين على اللغة العربية ببذل جهود مضاعفة من أجل ربط الشباب بلغتهم وآدابها، مما سيشكل ربطًا بالهوية والانتماء القومي والوطني، حيث تمثل اللغة العربية وآدابها أهم مصادر الخصوصية للمجتمع العربي كله.
خامسًا: إصدار تشريعات تحمي الملكية الفكرية على مواقع التواصل الاجتماعي ووجود هيئة رقابية تشرف على ذلك، فمن أهم سلبيات النشر الأدبي في مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة الانتحال والسرقات الأدبية التي تجعل الشباب يحجم عن نشر أعماله على تلك المنصات.
سادسًا: تشجيع الشباب على نشر إبداعاتهم مما يساهم في صقلها وتجويدها من خلال عملية تقويم ونقد بناء لهذه الأعمال.
سابعًا: الاهتمام بالجانب التوعوي عبر قيام الأندية الأدبية والمؤسسات التعليمية المعنية بتدريس اللغة العربية وآدابها بعمل صفحات خاصة للنشر الأدبي تضم كبار الأدباء والمثقفين والشعراء من أجل تشجيع الشباب على نشر إبداعاتهم، وقيام كبار الشعراء بالتوجيه والإرشاد والتعليم مما سيكون كفيلًا بخلق جيل من الأدباء والمبدعين.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن دراسة الأبعاد الثقافية والأدبية ذات الصلة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، تعد مجالًا بحثيًا غير مطروق رغم أنه جدير بالمزيد من البحث والدراسة من خلال مسارات عدة تتعلق بتأثير تلك المنصات في ثقافة المستخدمين بما تتضمنه من محتوى متعدد الأنماط، وكذلك بمزايا استخدام كل منصة في إبراز المواهب الأدبية والثقافية. وتحليل تفاعلات جمهور مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مع المحتوى الثقافي والأدبي ومعرفة ترتيبه في قائمة اهتماماتهم.