تقارير

ماذا بعد الصدام العسكري بين الهند وباكستان؟

في تصعيد عسكري بمنطقة جنوب آسيا، شنت الهند ضربات صاروخية ضد ما وصفته بـ “البنية التحتية للإرهاب” في باكستان والأجزاء الخاضعة للإدارة الباكستانية من إقليم كشمير، قائلة إن الضربات كانت ردًا على هجوم إرهابي وقع الشهر الماضي في مدينة باهالجام السياحية في الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من إقليم كشمير، أسفر عن مقتل 26 شخصًا معظمهم من الهنود، حيث ألقت نيودلهي باللوم فيه على الحكومة الباكستانية.

وبينما أصابت العملية العسكرية الهندية “عملية سيندور”، خمسة مواقع مختلفة على الأقل- لم يكن أي منها مواقع عسكرية-، ردت باكستان بنيران المدفعية قائلة إنها أسقطت عددًا من الطائرات المقاتلة الهندية.

ووسط مخاوف تصاعد التوترات المتزايدة بين الدولتين النوويتين إلى مستوى الحرب الشاملة، استطلع المجلس الأطلسي (مركز بحثي مقره واشنطن) آراء مجموعة من الخبراء حول تلك الأحداث حيث تمحور السؤال الرئيس إلى أين يتجه هذا الصدام بين القوتين المسلحتين نوويًا؟.

  • نمط متوقع للضربات

يرى سروجان بالكاريس، الباحث الزميل لشؤون الهند في المجلس الأطلسي أن  بيان وزارة الدفاع الهندية الذي أعقب الضربات مباشرة يؤكد عدم وجود نيات تصعيدية، مستبعدًا أن تلجأ الهند للتصعيد أو تعبئة فورية بالنظر إلى سجل المواجهات السابقة بين البلدين، والحملة الدبلوماسية المكثفة التي استمرت أسبوعين عقب هجوم باهالجام.

واعتبر بالكاريس أنه من الواجب على الولايات المتحدة أن تدفع باتجاه الحوار. ومن أهم وسائل ذلك الحوار إعادة التفاوض على معاهدة مياه نهر السند، الموقّعة عام 1960 والتي لا تأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية والتكنولوجية الحديثة، مشيرًا إلى أنه لم تُلبَّ طلبات الهند لإعادة التفاوض بشأنها في زمن السلم.

ولا تتضمن المعاهدة بندًا للانسحاب أو آلية لإعادة التفاوض، وبالتالي، يجب على الطرفين الاستعداد للحوار بشأنها، وفي تلك الحالة ستكون المياه مصدرًا للحوار بدلًا من التوتر.

  • احتمالات المزيد من التصعيد

بعد مداولات وتخطيط، هاجمت الهند عدة مواقع داخل باكستان وفي آزاد جامو وكشمير(منطقة ذاتية الحكم اسميًا تتبع الإدارة الباكستانية)، وبينما قالت إنها اختارت تجنب الأهداف العسكرية، يعد سلم التصعيد شديد الانحدار، وفقا لشوجا نواز وهو زميل متميز في مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي، الذي يرى أن الهجمات الجوية بعيدة المدى والهجمات بالطائرات بدون طيار “الدرونز” يمكن أن تؤدي بسهولة إلى استخدام أسلحة أثقل.

ويبدو أن الولايات المتحدة تفتقر إلى أدنى فكرة عن كيفية التعامل مع هذا الوضع، حيث لم تفلح اتصالات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بقادة البلدين في وقف التصعيد، ما يدفع لتساؤل مفاده هل حان الوقت للصين لتلعب دورًا إيجابيًا؟

وتجدر الإشارة إلى أنه لا تزال القنوات الدبلوماسية، بما في ذلك الاتصالات الخلفية، مفتوحة، وتُظهر السوابق التاريخية أن كلا الجانبين يمكنه تهدئة التصعيد بعد إجراءات محدودة.

  • دول الخليج العربي في وضع جيد للقيام بالوساطة

على عكس الأزمتين العسكريتين الأخيرتين بين الهند وباكستان في عامي 2016 و 2019، هناك احتمال كبير لاندلاع أعمال عدائية إضافية – ومخاطر تصعيد أكبر – تتجاوز مجرد ضربة أولية وضربة مضادة. وهذا ليس بالأمر الهين بالنظر إلى أن الهند وباكستان دولتان نوويتان.

ويرى مايكل كوجلمان، محلل شؤون جنوب آسيا في مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الوساطة الدولية تُعد أمرًا جوهريًا لضمان عدم وصول المواجهة الحالية إلى نقطة تتجلى فيها مخاطر التصعيد النووي.

ورغم وجود إجماع دولي قوي لصالح خفض التصعيد، فإن قلة من الدول تتمتع بالعلاقات الوثيقة والنفوذ اللازمين لتكون وسيطًا فعالًا في هذه الأزمة الخطيرة. فقد لعبت الولايات المتحدة دور الوسيط سابقًا، بما في ذلك خلال الأزمة الهندية الباكستانية عام 2019 في ظل الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن دول الخليج العربي – وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات- قد تكون في أفضل وضع للتدخل والوساطة فجميعها لديها علاقات عميقة مع كل من نيودلهي وإسلام آباد، كما أنها مورد رئيسي للوقود والمساعدات الأخرى لباكستان.

  • تفاقم معاناة سكان كشمير

أبرزت الغارات الجوية الهندية، التي شُنت وسط دعوة باكستان إلى إجراء تحقيق يستند إلى الأدلة في هجوم باهالجام هشاشة الديناميكيات المتقلبة للبيئة الأمنية في المنطقة. فقد كان الرد الهندي متوقعًا وتشكل بفعل الضغط الداخلي على حكومة ناريندرا مودي.

ويعد هذا التبادل الدوري للضربات والخطابات والانتقام ليس جديداً. ومع ذلك، فإن هذا التكرار يؤكد على فشل مخيب للآمال في التعلم من أخطاء الماضي. في أعقاب هجمات باهالجام مباشرة، عادت الحكومتان إلى السرديات الراسخة: أشارت الهند إلى سجل باكستان في إيواء الجماعات المتمردة، وقالت باكستان إن الهجوم كان عملية زائفة، وتعكس لعبة تبادل اللوم هذه شللًا استراتيجيًا أعمق، وعجزًا أو عدم رغبة في معالجة الأسباب الجذرية للصراع.

ويقع شعب كشمير في قلب هذه المواجهة. ففي الأيام الأخيرة، واجه الكشميريون مضايقات واعتداءات جسدية في أجزاء من كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، حيث تُسلط هذه الحوادث الضوء على كيف لا يزال الكشميريون العاديون يتحملون وطأة ردود الفعل العنيفة وسط تجدد التوترات بين الهند وباكستان.

من الناحية الاستراتيجية، لا تخدم حرب شاملة أيًا من الطرفين. فالعمل العسكري سيضر بتركيز باكستان على جذب الاستثمار الأجنبي. أما الهند، التي تُرسّخ مكانتها كقوة اقتصادية عالمية ناشئة، فلا تستطيع تحمّل عدم الاستقرار.

بعبارة أخرى، في ظل جوار نووي، تكون تكاليف التصعيد، سواءً كان عرضيًا أو متعمدًا، باهظة للغاية.

زر الذهاب إلى الأعلى