إنفوجرافيك

جولة ولي العهد تجسيد لدور المملكة القيادي

في ظل توقيت بالغ الأهمية على الصعيدين الإقليمي والدولي، يبدأ سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، الاثنين الموافق 20 يونيو 2022، جولة خارجية تشمل ثلاث دول هي مصر والأردن وتركيا، تعد الأولى لسموه خارج منطقة الخليج العربي منذ أكثر من عامين، وتحديدًا مع بدء جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.

وبحسب مراقبين، تبرز الأبعاد السياسية والاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والتنموية في كل محطة من محطات تلك الجولة المهمة للأمير محمد بن سلمان، والتي تأتي قُبيل أقل من شهر على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولى للمنطقة، حيث يشارك في “قمة جدة” التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، وتضم أيضًا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

  • السياق الإقليمي والدولي المحيط بجولة الأمير محمد بن سلمان

تأتي جولة سمو ولي العهد في إطار تحركات دبلوماسية مكثفة تشهدها المنطقة لمجابهة تداعيات أزمات دولية وإقليمية في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية العالمية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، وتعطل سلاسل توريد الحبوب، مما زاد من الضغوط التضخمية، وهدّد الأمن الغذائي العالمي، وسلّط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بقيادة المملكة في ضبط أسعار النفط عن طريق حجم الإنتاج المطروح في الأسواق العالمية. بالإضافة إلى تفاقم أزمة البرنامج النووي الإيراني، في ظل إمعان طهران في انتهاك التزاماتها تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية برفع معدلات تخصيب اليورانيوم، وعرقلة الرقابة على أنشطتها النووية، وتعثر محادثات فيينا مع القوى الكبرى الخاصة بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015. فضلًا عن جهود مكثفة على صعيد حلحلة بعض أزمات المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة اليمنية والسورية، وتعثّر تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، والمشاورات الصعبة أيضًا لتشكيل الحكومة في لبنان، بجانب تصاعد حدة التوترات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

  • التنسيق السياسي والشراكة التنموية مع مصر

يُمكن قراءة زيارة سمو ولي العهد إلى القاهرة من منظور الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والدور الريادي الإقليمي لكل من المملكة ومصر باعتبارهما درع وسيف الأمة العربية، وواحتين للاستقرار والأمن والتنمية، إذ يجمع بين البلدين توافق في الرؤى الاستراتيجية بشأن كيفية حل أزمات المنطقة سياسيًّا من منطلق الحفاظ على الدولة القومية ومؤسساتها، والتصدي للتدخلات الخارجية أيًّا كان مصدرها.

ومما لا شك فيه أن المباحثات التي سيجريها سمو ولي العهد، حفظه الله، ستنعكس بشكل واضح على تنسيق الموقف العربي خلال القمة العربية الأمريكية المصغرة المقرر انعقادها في جدة في 16 يوليو المقبل، والتي سترسم بحسب العديد من المراقبين ملامح أساسية للعلاقات العربية مع واشنطن خلال النصف الثاني من ولاية بايدن، وستكون مخرجاتها مؤثرة على المقاربة الأمريكية للتعامل مع تحديات تواجه الأمن الإقليمي في مقدمتها الطموحات النووية الإيرانية، ومسار تسوية الأزمة اليمنية، وإنهاء مرحلة الجمود في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

يبرز كذلك البُعد الخاص بتعزيز الشراكات التنموية بين السعودية ومصر على الزيارة، لا سيما وأن مسيرة التعاون التنموي سجلت خطوات كبرى، من أهمها مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية المشتركة، حيث جرى توقيع عقود ترسية مشروع الربط الكهربائي بين البلدين في أكتوبر 2021، الذي يسمح بتبادل ما يصل إلى 3 جيجاوات في أوقات الذروة، مما يوفر إمدادات الطاقة لأكثر من 20 مليون شخص باستخدام أحدث التقنيات وبأكبر قدر من الكفاءة.

بالإضافة إلى مشروع مدينة “نيوم” التنموي الواعد الذي يربط السعودية ومصر والأردن باستثمارات ضخمة، ويجسد رؤية الأمير محمد بن سلمان لتطوير الاقتصاد السعودي، وتقليل الاعتماد على النفط، ويعزز روابط وأواصر الأخوة بين شعوب الدول الثلاث.

من جهة أخرى، تعد السعودية من أبرز الداعمين للاقتصاد المصري في ظل الأزمة العالمية الراهنة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، فقد أودعت المملكة مؤخرًا خمسة مليارات دولار في البنك المركزي المصري، كما قدمت المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة ومقرها السعودية تمويلًا جديدًا للقاهرة لشراء واردات السلع. وبحسب الحكومة المصرية، فإن التعاون مع صندوق الثروة السيادي السعودي سيؤدي إلى استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار.

  • تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني مع الأردن

أما عن المحطة الثانية في جولة سمو ولي العهد، فستكون المملكة الأردنية الهاشمية، لتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين وسط ظروف حالكة يمر بها الإقليم.

فعلى صعيد التعاون الاقتصادي، يعتبر الأردن أحد أطراف مشروع نيوم السعودي العملاق، كما تعمل الرياض على دعم جهود التنمية في الأردن، ومن أحدث الخطوات على هذا المسار توقيع الصندوق السعودي الأردني للاستثمار مذكرة تفاهم مع صندوق الاستثمار الأردني لبحث فرصة الاستثمار في مشروع شبكة السكك الحديدية الوطنية الأردنية، إذ يتضمن مقترح المشروع إنشاء سكة حديد بطول 418 كيلومترًا، تربط ميناء حاويات العقبة بميناء الماضونة البري المزمع إنشاؤه جنوب عمّان، وذلك لنقل الحاويات والفوسفات والحبوب.

وقطعًا لن تغيب الملفات السياسية عن مباحثات سمو ولي العهد في عمّان ، لا سيما مع الدور الذي لعبته المملكة الأردنية خلال الأسابيع الأخيرة باستضافة مباحثات برعاية الأمم المتحدة بين وفد الحكومة الشرعية اليمنية وممثلين عن المتمردين الحوثيين، بهدف فك الحصار عن محافظة تعز التي تضم 5 ملايين نسمة.

كما يجمع بين قيادة البلدين توافق في الرؤى حول خطورة الطموحات الإيرانية في المنطقة، وما تُشكّله من تهديد أمني، ومن أبرز مؤشراتها التحذير الذي أطلقه الملك عبد الله الثاني من واشنطن مؤخرًا بأن أي فراغ ستتركه روسيا في جنوب سوريا ستملؤه إيران ووكلاؤها.

ويبرز كذلك التعاون في مكافحة الإرهاب والتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود بين البلدين في ظل المحاولات المتكررة لتهريب مواد مخدرة عبر الحدود الأردنية إلى داخل المملكة.

  • فرصة لتركيا لفتح صفحة جديدة وجذب الاستثمارات السعودية

تعيد زيارة سمو ولي العهد، حفظه الله، إلى تركيا ضبط بوصلة العلاقات السعودية التركية وفق معايير المصالح المشتركة، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون تشمل كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية مما يؤسس لمرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية، وهي تأتي بعد نحو شهرين من أول زيارة يجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة منذ عام 2017، والتي أكد خلالها بعبارات واضحة حرص بلاده على أمن واستقرار منطقة الخليج.

وتنظر أنقرة إلى زيارة سمو ولي العهد باعتبارها فرصة كبيرة وتتويجًا لمساع حثيثة بذلها المسؤولون الأتراك على مدى الشهور الماضية من أجل طي صفحة التوتر في العلاقة مع الرياض، والتطلع إلى مرحلة جديدة من التعاون تؤدي إلى إعادة جذب رؤوس الأموال السعودية باتجاه الأسواق التركية في ظل ما يعانيه الاقتصاد التركي من ركود وتضخم شديد. وقد أكد أردوغان في تصريحاته قبل أيام عزمه مناقشة رفع مستوى العلاقات التركية السعودية مع سمو ولي العهد.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن جولة سمو الأمير محمد بن سلمان التي تسبق قمة جدة، تجسد الريادة والقيادة الإقليمية للمملكة، حيث تقود الرياض عملية إعادة هندسة وترتيب العلاقات بين دول المنطقة بالشكل الذي يضمن تحقيق مصالح الشعوب، ويعزز من الأمن والاستقرار، ويدعم مسيرة التنمية المستدامة، ويضمن التصدي لمصادر التهديد والتغلب على التحديات الأمنية الناجمة عن طموحات توسعية وسلوك غير مسؤول من جانب بعض القوى الإقليمية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى