الدراسات الإعلامية

إدراك الجمهور لانتهاكات الخصوصية الرقمية عبر الإعلام الجديد

تعتبر إشكالية الحفاظ على الخصوصية من القضايا التي تحظى بنقاش واهتمام كبير في الآونة الأخيرة، لا سيما في ظل التطور التقني وكثافة استخدام الأفراد لمواقع التواصل الاجتماعي، وما يواجهونه عبر تلك المنصات من مخاطر؛ مثل الإساءة بقصد تشويه السمعة، أو الابتزاز المادي أو التسلية، وذلك إما باستغلال الصور الشخصية أو بإرسال الرسائل المسيئة، أو شراء البيانات الخاصة بالمستخدمين، أو التنصت والمراقبة وغيرها من أشكال انتهاك الحياة الشخصية، وهو ما يستوجب دراسة مدى معرفة الجمهور بحقه في الخصوصية الرقمية، وطرق حماية هذه الخصوصية.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث والدراسات الإعلامية دراسة بعنوان “إدراك الجمهور لانتهاكات الخصوصية الرقمية عبر الإعلام الجديد في ضوء نظرية تأثير الشخص الثالث” من إعداد الدكتورة سحر غريب مدرس الصحافة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد طُبقت الدراسة على عينة عمدية متاحة من الجمهور المصري العام المستخدم لوسائل الإعلام الجديد قوامها 433 شخصًا، وتم مراعاة تمثيل المتغيرات الديموجرافية المختلفة من حيث النوع والسن والمستوى التعليمي.

واستندت الدراسة إلى نظرية تأثير الشخص الثالث، والتي تعني أن الناس يميلون لتقدير تأثير وسائل الإعلام على اتجاهات وسلوك الآخرين أكثر من تأثيرها على ذاتهم، وهو ما قد ينتج عنه تأييد فرض رقابة على هذه الوسائل.

  • نتائج الدراسة

أظهرت نتائج الدراسة أن معدل تعرض الجمهور لوسائل الإعلام الجديد جاء “مرتفعًا” بنسبة 73.9%، ومتوسطًا بنسبة 22.4% ومنخفضًا بنسبة 3.7%، وكان الفيسبوك أكثر وسائل الإعلام الجديد التي يتعرض لها الجمهور تلاه الواتس آب ثم ماسنجر ويوتيوب وتطبيقات الهاتف المحمول، والمواقع الإلكترونية وتويتر.

ويعبر هذا المعدل المرتفع على مدى أهمية هذه الوسائل في حياتنا اليومية، فيما جاء ارتباط الجمهور نحو وسائل الإعلام الجديد إيجابيًّا بنسبة 44.6% ومحايدًا بنسبة 33.7، وسلبيًّا بنسبة 21.7%.

وبحسب النتائج أيضًا، يرى الجمهور أن “وسائل الإعلام الجديد وسيلة للتواصل مع الأهل والأصدقاء” بمتوسط حسابي 2.88، وفي المرتبة الثانية أنها “تعد مصدرًا للحصول على المعلومات والأخبار”، و”وسيلة لنشر الشائعات” بمتوسط حسابي 2.78 لكل منهما، ثم في المرتبة الثالثة “تتيح وسائل الإعلام الجديد حرية التعبير عن الرأي” بمتوسط حسابي 2.74، يليها “وسائل الإعلام قد تُعرّض بياناتي للسرقة” بمتوسط حسابي 2.61، ثم “تُقدّم وسائل الإعلام الجديد موضوعات مهمة ومفيدة بمتوسط حسابي 2.84، وفي المرتبة السادسة “تُقدّم وسائل الإعلام الجديد محتوى مخالفًا لعاداتنا وتقاليدنا بمتوسط حسابي 2.34، وأخيرًا “تُضيّع وسائل الإعلام الجديد الكثير من الوقت دون الاستفادة منه بمتوسط حسابي 2.31.

وأظهرت نتائج الدراسة أن غالبية المبحوثين يعرفون حقهم في الخصوصية على وسائل الإعلام الجديد، وجاءت تلك المعرفة “بدرجة متوسطة” بنسبة 52% و”بدرجة كبيرة” بنسبة 41.5%، فيما أجاب 6.5% من المبحوثين “لا أعرفها”، وتعد نسبة المعرفة الكبيرة أمرًا إيجابيًّا، والأهم أن يتم ترجمة ذلك في سلوكهم تجاه حماية خصوصيتهم هذه.

وفيما يتعلق بشعور الجمهور بالخصوصية الرقمية على وسائل الإعلام الجديد، رأى 77.1% من المبحوثين أنهم يشعرون بالخصوصية “إلى حد ما”، مقابل 12% “بدرجة كبيرة” و 10.9% “لا يشعرون بالخصوصية على الإطلاق”، وقد يرجع ذلك إلى السبب الخاص باتجاه الجمهور نحو هذه الوسائل، حيث كان “التواصل مع الأهل والأصدقاء هو أهم ما يقوم به الجمهور على هذه الوسائل، وبالتالي قد لا يشعر الجمهور بخطورة انتهاك خصوصيته الرقمية من جانب هؤلاء الأهل والأصدقاء.

أما عن رد فعل الجمهور إذا تعرّض لانتهاك خصوصيته الرقمية، فجاء بحسب النتائج كالتالي: “تحذير الأهل والأصدقاء من إمكانية تعرضهم لما تعرض له” بمتوسط حسابي 2.87، و”الاكتفاء بتغيير كلمة المرور الخاصة بي” بمتوسط حسابي 2.61، وإبلاغ مباحث الإنترنت بمتوسط حسابي 2.44، و”تقليل تفاعلي على هذه الوسائل” و”سأقوم بإغلاق حسابي وإنشاء حساب جديد بمتوسط حسابي 1.87 لكل منهما، في حين جاء “عدم التعامل مع هذه الوسائل مرة أخرى” في المرتبة الأخيرة بمتوسط حسابي 1.51، واللافت أن هذه أفعال تدل على عدم قدرة المبحوثين على الابتعاد عن هذه الوسائل، سواء بتقليل التفاعل عليها أو بإغلاقها نهائيًّا، حيث أصبح المبحوثون مرتبطين بها بشكل كبير.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن هناك تأييدًا كبيرًا من جانب الجمهور لفرض رقابة على وسائل الإعلام الجديد، وكان أهم أشكال هذه الرقابة هي “وضع معايير أخلاقية يلتزم بها المستخدمون” بمتوسط حسابي 2.89، وفي المرتبة الثانية “وجود رقابة من الأسرة على استخدامها بمتوسط حسابي 2.81، وفي المركز الثالث والأخير “فرض رقابة من خلال وضع تشريعات تعاقب المخالفين” بمتوسط حسابي 2.66.

وأكدت النتائج وجود فروق بين مستوى إدراك الجمهور لانتهاكات الخصوصية الرقمية له عبر وسائل الإعلام الجديد مقارنة بمستوى إدراكه لانتهاكات الخصوصية لـ”الأهل والأصدقاء الآخرين”، بالإضافة إلى وجود علاقة ارتباطية بين إدراك تأثير الشخص الثالث، وتأييد الجمهور لفرض رقابة على وسائل الإعلام الجديد.

  • توصيات الدراسة

قدّمت الدراسة عددًا من المقترحات تمثلت في ضرورة الاهتمام بمفهوم “التربية الإعلامية” فيما يخص وسائل الإعلام الجديد، وذلك من أجل تحقيق ثقافة ووعي أكثر من جانب الجمهور لمعرفة حقه في الخصوصية الرقمية وكيفية حماية بياناته على هذه الوسائل.

وأيضًا أهمية دراسة ما يتعلق بالخصوصية التجارية والسياسية للجمهور على وسائل الإعلام الجديد، حيث اكتفت الدراسة الحالية بدراسة الخصوصية الشخصية، ولكن من الضروري أيضًا دراسة الخصوصية التجارية، ومعرفة كيفية انتهاك الشركات والمؤسسات التجارية لبيانات الجمهور، والقيام بشرائها لتحقيق أهدافها، ومعرفة السلوك الشرائي للمستخدمين، ووضع خططها التسويقية وغيرها.

وأوصت الدراسة بوضع آليات مستقلة لحماية وتعزيز الخصوصية الرقمية، وضرورة تعريف الجمهور بحقوقه القانونية في حال تعرّض لانتهاك خصوصيته الرقمية.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن التعامل مع إشكالية انتهاك الخصوصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتطلب مقاربة متعددة الأبعاد؛ بُعد ثقافي يتعلق بتوعية الجمهور بحقوقه وطرق حمايتها، وبُعد تشريعي يتعلق بمواكبة القوانين لهذا النمط الجديد من الانتهاكات في الفضاء الرقمي، وبُعد تنفيذي يتمثّل في تعزيز جهود كل من الشركات المالكة لهذه المنصات والسلطات المعنية في تعقب منتهكي خصوصية المستخدمين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى