دراسات

الرسائل الخبيثة في فيلم “حياة الماعز”

أثار فيلم “The Goat Life” أو “حياة الماعز” حالة من الغضب الخليجي بشكل عام والسعودي على وجه الخصوص، انعكس صداها في تفاعلات المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي، بوصفه ينقل صورة مغايرة لحقيقة المجتمع السعودي.

وتدور أحداث العمل المأخوذ عن رواية هندية تحمل نفس الاسم ويدعي كاتبها أنها لقصة حقيقية، حول شاب هندي قدم إلى المملكة من أجل العمل، ولكنه تعرّض للخداع من رجل سعودي اصطحبه للعمل في رعي الأغنام بمكان في صحراء المملكة، وعامله بوحشية، قبل أن يتمكن العامل من الهرب نتيجة القسوة التي تعرض لها.

ونظرًا للجدل الذي صاحب هذا الفيلم، قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بمحاولة استكشاف الرسائل الصريحة والضمنية للعمل، وذلك من خلال إخضاع مجموعة من مشاهده المصورة وعباراته الواردة على لسان أبطاله للتحليل السيميولوجي.

وقد انتهت النتائج إلى ما يلي:

أولًا: المستوى التعييني

سعى صُنّاع العمل منذ بدايته وحتى نهايته ومرورًا بالأحداث، إلى ترسيخ بعض المعاني السلبية عن المملكة وشعبها؛ ونظرًا لطول مدة الفيلم الذي امتد إلى قرابة الثلاث ساعات، اعتمدت الدراسة على مجموعة من اللقطات الدالة، وتم تقسيمها إلى شقين:

الأول خاص بالدولة: إذ تعمد الفيلم تشويه صورة المملكة كدولة ومؤسسات بشكل يخالف الحقيقة والواقع، ومن الاستشهادات على ذلك:

  • إبراز صورة المملكة على أنها دولة صحراوية قاحلة.
  • تقديم مهنة رعي الأغنام بأسلوب بدائي.
  • تصدير صورة مضللة حول غياب دور مؤسسات الدولة، وقد ظهر ذلك على سبيل المثال في مشهد المطار ببداية الفيلم حينما لم يجد العامل الهندي صاحب العمل، واصطحبه شخص آخر بكل سهولة، وأيضًا تجاهل الأجهزة الأمنية لقسوة صاحب العمل “الكفيل” مع العمال الوافدين، والذي تضمنه مشهد مركز الشرطة في الجزء الأخير من الفيلم.

الثاني ويتعلق بالشعب: تعمد العمل أيضًا تصدير صورة سلبية عن السعوديين، تمثّلت في عدد من المظاهر، أبرزها القسوة وغِلظة القلب، وقد ظهرت كثيرًا سواء من صاحب العمل أو ضباط الشرطة، فضلًا عن المواطنين الذين تعاملوا مع العامل الهندي بلامبالاة واشمئزاز وتقزز عندما وصل إلى المدينة بعد معاناته في الصحراء.

كما تعمد صُنّاع العمل أيضًا على إظهار الوجوم والتجهم على وجوه أغلب السعوديين الذين تضمنهم العمل.

ثانيًا: المستوى التضميني

تضمن فيلم “حياة الماعز” مجموعة من أدوات التضليل التي سعت إلى تشويه صورة المملكة وشعبها، أبرزها ما يلي:

  • المبالغة والتهويل: اتبع صُنّاع العمل أسلوب المبالغة في أكثر من سياق، منها على سبيل المثال إبراز السياقات المكانية للأحداث بشكل يخالف الواقع تمامًا حتى في الفترة الزمنية التي ينقلها العمل وهي حقبة التسعينات التي كانت تشهد فيها البلاد نهضة عمرانية حديثة، حيث تعمد الفيلم تصدير صورة نمطية عن المملكة يغلب عليها الطابع الصحراوي، واعتماد أهلها على أنماط بدائية في رعي الأغنام.

ومن مظاهر المبالغة أيضًا، الاعتماد على التهويل في تصوير ظلم صاحب العمل “الكفيل” لشخصية “نجيب” العامل الهندي، لدرجة أن الكثير من مشاهد الضرب والتعنيف بحق الأخير جاءت غير منطقية وغير مُبررة، فظهرت مصطنعة لإبراز قسوة مزعومة للسعوديين.

  • التجاهل: وإمعانًا في إظهار السعوديين بشكل سلبي، همّش العمل الموقف الإنساني الإيجابي الذي قام به رجل سعودي عندما أنقذ نجيب من الصحراء وأوصله إلى المدينة، إذ استكمل المشهد بتركه في الشارع وحيدًا دون إسعافه أو توصيله إلى أقرب مركز شرطة لاتخاذ اللازم معه.

وفجأة ودون ذكر الكيفية، ظهر نجيب بين مجموعة من الهنود الذين قاموا بإسعافه والعناية به، مما يعكس رسالة أخرى للفيلم تتمثّل في أن الهندي لم ولن يجد الأمان والرحمة والإنسانية إلا بين أبناء وطنه.

وبذلك، يمكن القول إن صُنّاع العمل تعمدوا إبراز السعودي كإنسان قاس وشرير وعديم الرحمة، مع تهميش وتجاهل الجانب الخيِّر لديه.

  • الإساءة: وظهرت بشكل صريح ومباشر في بداية الفيلم، ووُجهت للعرب بشكل عام والسعوديين على وجه الخصوص، من خلال توصيفهم بصفات غير حميدة على عكس الواقع.
  • التعميم: وهذا الأسلوب هو جوهر الفيلم، إذ سعى صُنّاع العمل على تحويل حادثة فردية – إن صحت حقيقتها – إلى ظاهرة منتشرة في المجتمع الخليجي والسعودي تحديدًا، وتصدير صورة سلبية عن نظام العمل في المملكة، بادعاء انتشار الظلم والتنكيل بالعاملين الوافدين إلى السعودية، ومن الدلائل الواضحة والمبرهنة على ذلك ما جاء على لسان بطل الفيلم في آخر عبارة له والتي زعم فيها أن هذه ليست قصة نجيب – اسم البطل-، بل معاناة الآلاف ممن فقدوا حياتهم في الصحراء، في إشارة من صُنّاع العمل إلى أن الحالمين بالقدوم إلى المملكة من أجل كسب المال والحياة الكريمة واهمون، وأن ما ينتظرهم هو الظلم والعذاب والموت.

ثالثًا: المستوى الألسني (الرسالة اللسانية)

إلى جانب المستويين التعييني والتضميني، توجد أيضًا الرسالة اللغوية، والتي تستهدف ترسيخ المعنى وتوضيح رمزية الصور وتأكيدها، وبالتالي تتكامل اللغة مع الصورة في النسق البصري.

وفي هذا العمل، سوف نسلّط الضوء على مجموعة من العبارات الواردة على لسان أبطاله، وتكشف بعض الرسائل الضمنية الخبيثة التي سعى الفيلم إلى إيصالها للجمهور، ومن أبرزها:

  • حرص صُنّاع الفيلم على تقديم صاحب العمل “الكفيل” كرجل متدين يُواظب على ترديد الأذكار والأدعية رغم قسوته وظلمه، وذلك لتصوير تدين بعض السعوديين بأنه ظاهري ولا يمنعهم من الافتراء والتنكيل بالضعفاء. وبالتالي حاول الفيلم تصدير صورة سلبية عن المسلمين بشكل ضمني ومستتر.
  • استخدام أغلب السعوديين سواء من المواطنين أو ضباط الشرطة لنبرة صوت ولهجة حادة مع العاملين الهنود، لتتكامل هذه النبرة مع مشاهد القسوة والضرب طوال الفيلم وأيضًا مشهد اصطفاف الهنود في مركز الشرطة كالعبيد، ليعكس صورة مضللة عن وحشية مزعومة وتعامل غير إنساني يتعرض له العاملون على يد السعوديين.
  • تضمن العمل أيضًا بعض الألفاظ المسيئة للعرب والتي تحمل دلالة عنصرية ضدهم.
  • إضافة إلى ذلك، فقد حمل اسم الفيلم “حياة الماعز” دلالة رمزية تعكس صورة نمطية غير حقيقية عن المملكة كبلد صحراوي وبدائي، والتي سعى صُنّاع العمل إلى تصديرها للجمهور، هذا من جانب، ومن جانب آخر الإيحاء للحالمين بالقدوم إلى دول الخليج بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص بأنهم سيعيشون حياة غير آدمية.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن فيلم “حياة الماعز” حمل رسالتين محوريتين:

الأولى تمثّلت في الاعتماد على استثارة عاطفة الجمهور بهدف تضليله وتشويه صورة العرب والمسلمين والمجتمع الخليجي بشكل عام، والمملكة العربية السعودية والسعوديين على وجه الخصوص.

أما الثانية، فهي موجهة للحالمين بالقدوم إلى دول الخليج العربية من أجل العمل، وهدفها هدم الصورة الذهنية المتكونة لديهم حول الحياة المثالية، وترسيخ صورة بديلة عن حجم المعاناة التي تنتظرهم، وأن الواقع مخالف تمامًا عما يتصوره الكثيرون.

وعلى الرغم من الرسائل الخبيثة التي تضمنها الفيلم، فإن الواقع يُكذب كل ادعاءات ومزاعم صُنّاع العمل، خاصة في ظل احتضان المملكة العربية السعودية لملايين العاملين من مختلف الجنسيات، وما تشهد المملكة من نهضة تنموية شملت كافة المجالات بما فيها تحقيق جودة الحياة لكل من يوجد على الأراضي السعودية.

وقد تناسى صُنّاع العمل أن المملكة لها الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في تحقيق الرخاء المعيشي لمئات الملايين من الأشخاص، والذين ساهموا بدورهم في تحسين اقتصاد بلادهم، ولا يُنكر ذلك إلا كل حاقد؛ ولذلك فإن فيلم “حياة الماعز” يُعد أحد أساليب التعبير عن هذا الحقد تجاه المملكة.

وأخيرًا، إذا كانت المملكة بلدًا جاذبًا للجميع من أجل القدوم للعمل كإخوة وضيوف كرام، فإنها الآن أكثر جذبًا من أي وقت مضى بفضلٍ من الله تعالى، ثم ما تشهده من تغييرات وتحديثات متواصلة تجعلها بيئة مثالية للحياة.

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى