قراءات

تحسين محركات البحث ومنصات الإعلام الرقمي

أدت حاجة الصحافة للتكيف مع الإنترنت إلى سلسلة من التغييرات في العمل الصحفي تتصل بالأنماط الجديدة لنشر الأخبار عبر المنصات الرقمية، وبشكل أكثر تحديدًا نشر الأخبار عبر محركات البحث، حيث ساعد تطوير محركات البحث مثل جوجل وبينج المستخدمين على اختيار المحتوى الأكثر صلة لعمليات البحث التي يجرونها.

ولذلك أصبحت وسائل الإعلام الرقمية تعتمد بشكل متزايد على “تحسين محركات البحث – search engine optimization (SEO)” وهو عبارة عن مجموعة تقنيات تضمن للمحتوى أكبر فرص للظهور في أعلى تصنيفات محركات البحث، أي أنه وسيلة للوصول إلى أكبر عدد من القراء.

وفي ظل هذا الوضع تواجه الصحافة التقليدية عددًا من التحديات الرئيسية من بينها زيادة معدلات نشر الأخبار عبر الإنترنت وتطوير دور الصحفيين، واعتماد تقنيات تحسين محركات البحث.

دراسة استطلاعية لآراء الصحفيين والخبراء التقنيين والأكاديميين

وتؤكد الدراسات الأكاديمية التي بحثت العلاقة بين تحسين محركات البحث ووسائل الإعلام الإخبارية أنه لا يزال من الممكن عمل الكثير لتحسين إجادة الصحفي لتطبيق المعايير الخاصة بـ SEO، وذلك على الرغم من أنه بات من الشائع انضمام خبراء تحسين محركات البحث إلى غرف الأخبار في المنافذ الإعلامية.

وفي هذا الإطار، نشرت دورية “Media Education Research Journal” دراسة حول العلاقة بين تحسين محركات البحث ووسائل الإعلام الرقمية، من خلال إجراء 33 مقابلة شبه منظمة مع أفراد يمثلون ثلاثة قطاعات مهنية وهم: الصحفيون المحترفون ، ومستشارو تحسين محركات البحث، والأكاديميون، إذ تم تسجيل ردودهم في المقابلة إما عن طريق البريد الإلكتروني أو التسجيل الصوتي الرقمي ثم نسخها بعد ذلك، وفي مرحلة تالية تم تحليل النتائج يدويًّا، ثم تحديد العلاقات الدلالية بين الفئات والفئات الفرعية من خلال استخدام برنامج “NVivo” لتحليل بيانات البحث النوعي.

وقد تمثل الهدف العام من الدراسة في ثلاثة جوانب أساسية وهي كالتالي:

أولًا: استكشاف ما يفكر فيه كل من خبراء تحسين محركات البحث (SEO)  الذين توظفهم وسائل الإعلام الإخبارية والشركات الاستشارية والجامعات حول الدور الذي يلعبه تحسين محرك البحث كما هو مطبق على وسائل الإعلام الإلكترونية في تعزيز نجاح الصحافة الرقمية.

ثانيًا: تحديد ما إذا كان هناك إجماع بين هذه المجموعات من المهنيين حول العناصر المختلفة لتحسين محركات البحث التي يتم تطبيقها على وسائل الإعلام.

ثالثًا: تقديم توصيات من حيث الكفاءات والمهارات التي يجب أن تكون جزءًا من تدريب تحسين محركات البحث لطلاب الصحافة.

واعتمدت الدراسة على 5 فئات تحليل رئيسية وهي:

إجراءات إنتاج الأخبار: تشمل إجراءات تحسين محركات البحث التي يقوم بها الصحفي، والإجراءات التي تم تطويرها خصيصًا لتحسين محركات البحث، وتحليل اتجاهات البحث، وتحليلات الويب، وأخيرًا التدريب على تحسين محركات البحث.

أدوات تحسين محركات البحث: تنقسم إلى أدوات تحسين محركات البحث المجانية والمدفوعة، وأدوات جوجل الخاصة والمكونات الإضافية، و”أنظمة إدارة المحتوى- Content Management System (CMS)”.

التصورات حول تحسين محرّكات البحث: تشمل أهمية تحسين محركات البحث في غرفة الأخبار، ومدى وجود مقاومة للتغيير، وفهم أفضل وأسوأ ممارسات تحسين محركات البحث.

تقنيات تحسين محركات البحث: تضم كلا من تحسين محركات البحث على الصفحة، وتحسين محركات البحث خارج الصفحة، وتحسين محركات البحث الفني، وكذلك تحليل الموضوعات الشائعة وتطبيقها في وسائل الإعلام الإخبارية، وتحليل الموضوعات الشائعة والتفاعلات في الشبكات الاجتماعية وتطبيقاتها في وسائل الإعلام الإخبارية.

الآراء المتعلقة بتحسين محرّكات البحث: حيث تتضمن مجموعة من العناصر أبرزها البحث الصوتي، والتقنيات الجديدة لتحسين محركات البحث والتنظيم القانوني لعمل محركات البحث.

نتائج وتوصيات الدراسة

وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات وبعض التوصيات في مقدمتها إجماع ممثلي القطاعات المهنية الثلاثة – عينة الدراسة-  على الحاجة إلى تنفيذ استراتيجية لتعزيز تحسين محرك البحث، تشمل تحسين محركات البحث على الصفحة، وتحسين محركات البحث خارج الصفحة، وتحسين محركات البحث التقني، وذلك عبر التأكيد على أهمية مراعاة تقنيات تحديد المواقع في محرك البحث عند العمل مع محتوى الأخبار، وتعزيز الاتصال الداخلي بين إدارة أو مدير تحسين محركات البحث من جهة، والمحررين والصحفيين من جهة أخرى.

كما يسود اعتقاد بأن العلاقة بين تحسين محركات البحث والصحافة ستحظى بالمزيد من الاهتمام خلال السنوات القادمة، على الرغم من احتمالية ظهور تحديات جديدة رئيسية، بما في ذلك تحسين البحث الصوتي ونماذج الأعمال الجديدة والتنظيم المحتمل لعمل محركات البحث.

وأكدت الدراسة على أهمية تركيز عمل خبراء تحسين محركات البحث على تقديم المشورة للمحررين حول تحسين القصص الإخبارية لمحركات البحث، مع الإشارة إلى أن دراسات تحسين محركات البحث في التعليم الجامعي حاليًا توفر تدريبًا أساسيًا على تحسين محركات البحث للصحفيين،  لكنه تدريب غير كافٍ إذا أراد الطالب في المستقبل العمل كمتخصص في تحسين محركات البحث.

كما خلصت الدراسة إلى وجود ثمة إجماع  في صفوف المبحوثين على أن أدوات تحسين محركات البحث التي تقدمها جوجل ضرورية، وفي مقدمتها أداة “جوجل أناليتيكس- Google Analytics” وهي أداة مراقبة، مهمتها جمع البيانات من أي موقع إلكتروني. وأيضا “أدوات مشرفي المواقع- Google Search Console” وهي خدمة مجانية تقدمها شركة جوجل لمديري المواقع، توفر بيانات ونصائح لتحسين الموقع على محرك البحث جوجل.

في المقابل، لا يوجد إجماع  حول أي أدوات تحسين محركات البحث المدفوعة أكثر فائدة، نظرًا لأن استخدامها نادر في غرف الأخبار، لكن إجابات المبحوثين تشير بشكل عام إلى أن الأدوات المفضلة هي “SEMrush”  و” Alexa” و”LikeWeb”  و”Sistrix”.

وفي ظل استخدام الأدوات المجانية في التدريب الجامعي،  تبدو الحاجة لاكتساب طلاب الصحافة فهمًا أكبر لنظام إدارة المحتوى والمكونات الإضافية لتحديد المواقع، وعلى نحو خاص منصة “ورد بريس -WordPress ” التي تستخدمها المواقع الاخبارية والمكون الإضافي “Yoast SEO” لتحسين WordPress SEO في السوق.

وخلصت الدراسة أيضا إلى أن استخدام استراتيجيات تحديد المواقع في وسائل الإعلام بات أكثر شيوعًا، على الرغم من وجود أقلية من الصحفيين الذين لا يزالون يقاومون التغيير ويعتقدون بأن تحسين المحتوى الإخباري لمحركات البحث، لا يحسن رؤية قصصهم الإخبارية.

وأظهرت عينة الدراسة وجود اعتقاد بأن خبراء تحسين محركات البحث يجب أن يكونوا قادرين على التعرف على نيات البحث لدى المستخدم، وتطبيق ذلك على المحتوى الخاص بهم. وكذلك التأكيد على أهمية وجود خبراء تحسين محركات البحث في غرفة الأخبار.

بالإضافة إلى الحاجة لقيام الجامعات بتعزيز تدريس تحسين محركات البحث كموضوع في حد ذاته أو على الأقل كمحتوى استراتيجي لتدريب للمهنيين المستقبليين في مجال الصحافة.

وفي هذا الإطار، أوضحت الدراسة أن التدريب الخاص بتحسين محركات البحث للمحررين والصحفيين يجب أن يضمن اكتسابهم أساسيات تحسين محركات البحث على الصفحة، وبشكل أكثر تحديدًا يمكنهم من القيام بما يلي:

تحسين القصص الإخبارية لمحركات البحث.

التحليل والتعرف على اتجاهات البحث.

تحديد أفضل ممارسات تحسين محركات البحث.

مراعاة الأخلاقيات المتعلقة باستخدام استراتيجيات تحديد المواقع في محرك البحث.

أما تدريب الطلاب الذين يرغبون في العمل بالوظائف غير التحريرية (أي في قسم تحسين محركات البحث للمنصات الإخبارية الرقمية) فيركز على استراتيجيات أكثر تقدمًا تضمن قدرتهم على القيام بما يلي:

تحديد فرص النشر على أساس اتجاهات البحث، وهنا يحتاج الطلاب إلى تعلم كيفية استخدام “Google Trends”، وتحليل تفاعلات الوسائط الاجتماعية، واستخدام الأدوات المدفوعة مثل “NewsWhip” و”CrowdTangle”.

تنفيذ إجراءات تحسين محركات البحث التقنية التي تركز على تحسين عمليات البحث الصوتية والدلالية، وتحسين تجربة المستخدم.

استخدام أدوات تحسين محركات البحث وتحليلات الويب، بما في ذلك تلك التي طورتها جوجل كأدوات مدفوعة مثل “SEMrush” و”Ahrefs”.

تنفيذ إجراءات تحسين محركات البحث خارج الصفحة، خاصة أنهم يدرسون استراتيجيات لتحديد مواقع إنترنت يمكن شراؤها من أجل زيادة حركة المرور للموقع الإخباري.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن اعتماد المنافذ الإخبارية الرقمية استراتيجيات داخل غرف الأخبار الخاصة بهم لتحسين فرص المحتوى على محركات البحث بات ضرورة تحتمها طبيعة المنافسة على جذب القراء سواء للاحتفاظ بجمهور المنصة أو كسب قراء جدد.

كما أظهرت الدراسة وجود دور أكاديمي مهم يقع على عاتق الجامعات والمعاهد المعنية بإعداد الصحفيين من أجل مواكبة ذلك التطور المتسارع، عبر إعداد مناهج دراسية وبرامج  تدريبية تجمع بين المهارة التحريرية لدى الصحفي وفهم طبيعة تقنيات النشر في العصر الرقمي.

زر الذهاب إلى الأعلى