استعراض دراسات

مستقبل غرف الأخبار الرقمية في البيئة الإعلامية الجديدة

أصبح استخدام البيانات والتحليلات جزءًا لا يتجزأ من غرف الأخبار الرقمية، إذ توفر المقاييس في الوقت الحقيقي حول عدد القراء والمشاركة والتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي رؤى قيمة حول تفضيلات الجمهور وسلوكه، وتمكن أدوات مثل Google Analytics و Chartheat غرف الأخبار من تتبع الأداء وتكييف استراتيجيات المحتوى لزيادة الوصول والتأثير.

ولهذا يمثل التحول الرقمي لغرف الأخبار تحديات وفرصا على حد سواء. وقد أدى انتشار مصادر الأخبار على الإنترنت إلى زيادة حدة المنافسة، مما يجعل من الضروري لغرف الأخبار أن تميز نفسها من خلال الصحافة عالية الجودة وعروض القيمة الفريدة، كما يتطلب الاعتماد على الإعلانات الرقمية ونماذج الاشتراكات أساليب مبتكرة لتوليد الإيرادات، حيث أدخلت بعض المؤسسات الإخبارية برامج الاشتراكات المدفوعة وبرامج العضوية لتوليد الإيرادات من قرائها الأكثر ولاء. وفي المقابل، تثير البيئة الرقمية مخاوف أخلاقية تتعلق بالتضليل وخصوصية البيانات وتأثير التحيز الخوارزمي على استهلاك الأخبار.

وفي هذا الإطار، جاءت رسالة دكتوراه بعنوان “مستقبل غرف الأخبار الرقمية في البيئة الإعلامية الجديدة: دراسة استشرافية (2025-2030)”، التي أعدها الباحث حسام الدين مرزوقي بجامعة الجزائر3، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • نظرية البيئة الإعلامية

لا تعد وسائل الإعلام – وفقا لنظرية البيئة الإعلامية – مجرد أدوات لنقل المعلومات، بل هي جزء من النسيج الذي يشكل المجتمعات وينظم التفاعل البشري. وتعكس نتائج الدراسة هذه الفكرة بشكل واضح، حيث توضح كيف أن التطورات التكنولوجية في الصحافة الرقمية الذكاء الاصطناعي والميتافيرس والويب3 لا تؤثر فقط على ممارسات غرف الأخبار، بل تعيد تشكيل العلاقة بين الصحفيين والجمهور، وتعيد صياغة طرق استهلاك الأخبار.

ويشير دمج الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار إلى تغيير جوهري في هيكلية العمل الصحفي؛ فقد أصبح بإمكان الصحفيين استخدام الأدوات الذكية لتحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قصير، مما يفتح الباب لإنتاج قصص إخبارية أكثر تعقيدا وتخصصا. وهذا التطور يتماشى مع مفهوم نظرية البيئة الإعلامية بأن التقدم التقني يؤثر بشكل كبير على كيفية تفاعل الأفراد مع المعلومات.

من ناحية أخرى، تظهر النتائج أن الميتافيرس يقدم بعدًا جديدًا لسرد القصص، حيث يمكن للمستخدمين “العيش داخل الأحداث الافتراضية.

  • نظرية الابتكار المزعزع

تشكل الابتكارات التكنولوجية، وخاصة الذكاء الاصطناعي والميتافيرس، أمثلة واضحة على الابتكارات المزعزعة في مجال الإعلام. وتشير نظرية الابتكار المزعزع إلى أن التكنولوجيا لا تغير فقط العمليات، بل تحدث اضطرابًا في النماذج التقليدية وتستحدث طرقًا جديدة للعمل.

وتؤكد نتائج الدراسة أن اعتماد الذكاء الاصطناعي لتوليد المحتوى وتقديم الأخبار بطريقة مؤتمتة يفرض تحديات كبيرة على المؤسسات الإعلامية التقليدية، إذ يلزم هذا الابتكار غرف الأخبار التقليدية بالتكيف مع الأساليب الحديثة لجمع وتحليل الأخبار.

على صعيد آخر، يكشف الميتافيرس عن قدرة غرف الأخبار الرقمية على تقديم تجربة إخبارية غامرة وتفاعلية، إذ تتحدى الصحافة الغامرة الممارسات التقليدية للصحافة، حيث يمكن للجمهور الآن أن يعيش الأحداث بشكل افتراضي، مما يقدم له فهمًا أعمق للقضايا المطروحة. وهذا التحول في طبيعة التفاعل مع الأخبار يتطلب من المؤسسات الإعلامية تطوير مهارات جديدة واستخدام تقنيات مبتكرة للتواصل مع الجمهور.

  • نظرية الشبكات الفاعلة

توضح نتائج الدراسة أن غرف الأخبار الرقمية تعتمد على شبكة متكاملة من العوامل الفاعلة البشرية وغير البشرية، وتستند نظرية الشبكات الفاعلة إلى فكرة أن التكنولوجيا ليست مجرد أدوات يستخدمها الإنسان، بل هي جزء من الشبكة الفاعلة التي تشمل الصحفيين، والتقنيات، والجمهور، وكلها تساهم في تشكيل العملية الصحفية، ويشير استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار إلى أن التكنولوجيا أصبحت فاعلًا مؤثرًا في تحديد شكل المحتوى وتقديمه للجمهور.

إضافة إلى ذلك، يعكس اعتماد غرف الأخبار على الميتافيرس لتقديم تجارب غامرة تحولًا في كيفية تفسير الأخبار. وهنا، لا يقتصر دور الصحفي على إنتاج المحتوى، بل يمتد ليشمل التنسيق مع العوامل الفاعلة غير البشرية مثل الخوارزميات والأنظمة الافتراضية وتتطلب هذه البيئة التفاعلية الجديدة فهما عميقا للعلاقات بين الصحفيين والتقنيات والجمهور.

وتبيّن النتائج أن نجاح غرف الأخبار الرقمية يعتمد على قدرتها على تكوين علاقات متناغمة بين هذه العوامل الفاعلة المتعددة.

  • اتجاهات البحث المستقبلية

اقترحت الدراسة عدة مجالات للبحث المستقبلي جاءت على النحو التالي:

  • استكشاف التقنيات الناشئة: يجب أن تبحث الدراسات المستقبلية في إمكانيات التقنيات الناشئة الأخرى، كالحوسبة الكمومية والروبوتات المتقدمة في الصحافة الرقمية، إذ يمكن أن يوفر فهم آثارها رؤية أكثر شمولية للمشهد الرقمي.
  • الدراسات المقارنة: يمكن للبحوث المقارنة بين مختلف المناطق الجغرافية وأنواع المؤسسات الإخبارية أن تكشف عن الجوانب المختلفة التي تؤثر على توظيف التكنولوجيات الحديثة. ويمكن أن يساعد ذلك في تحديد أفضل الممارسات وتكييف الاستراتيجيات مع سياقات محددة.
  • وجهات نظر الجمهور: يمكن أن توفر الأبحاث التي تركز على وجهات نظر الجمهور وسلوكياته رؤى قيمة حول كيفية تفاعل المجموعات السكانية المختلفة مع غرف الأخبار الرقمية والعوامل التي تدفعهم إلى المشاركة والولاء.
  • الاعتبارات الأخلاقية: هناك حاجة إلى مزيد من التحقيق في الآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي والصحافة المؤتمتة لتطوير المبادئ التوجيهية والأطر التي تضمن الاستخدام المسؤول والشفاف للتكنولوجيا في غرف الأخبار.

وختامًا، يمكن القول بأن الذكاء الاصطناعي والأتمتة يعملان على إعادة تشكيل عمليات غرف الأخبار وإنتاج المحتوى؛ حيث يمكن للأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إنتاج قصص إخبارية من البيانات المنظمة، والتي تغطي مواضيع كالنتائج الرياضية والتقارير المالية، مما يتيح للصحفيين تغطية قصص أكثر تعقيدًا وتحقيقات استقصائية. كما تعزز معالجة اللغة الطبيعية دقة وكفاءة تنظيم المحتوى.

ومع ذلك، فإن دمج الذكاء الاصطناعي يثير اعتبارات أخلاقية، بما في ذلك إمكانية التحيز والحاجة إلى الشفافية في الصحافة القائمة على الذكاء الاصطناعي، حيث يجب على غرف الأخبار التأكد من أن المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يلتزم بالمعايير الصحفية وأن الخوارزميات مصممة لتعزيز الدقة والإنصاف.

زر الذهاب إلى الأعلى