تقارير

خطاب النصر الحائر بين إسرائيل وإيران

اتسمت الحرب بين إسرائيل وإيران بتسارع أحداثها وتطورها بشكل لافت سواء في تصاعد وتيرتها وتطورها أو نهايتها الفجائية بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين، قائلًا: “أوقفنا حربًا مدمرة للمنطقة”.

وقد صدر عن كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تصريحات تبنى خلالها كل طرف خطاب النصر في الحرب؛ ففي الوقت الذي أكد فيه نتنياهو أن إسرائيل حقّقت “انتصارًا تاريخيًا” على إيران، أعلن بزشكيان انتهاء الحرب مع إسرائيل بـ “نصر عظيم” للأمة الإيرانية.

معطيات النصر في الخطاب الرسمي الإسرائيلي والإيراني

في الوقت الذي استند فيه خطاب النصر الإسرائيلي على تحقيق أهداف تل أبيب من الحرب بالقضاء على برنامج إيران النووي وبرنامجها للصواريخ الباليستية، ارتكز خطاب النصر الإيراني على فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها واضطرارها لإنهاء الحرب بعدما تكبدت خسائر فادحة وانهارت هيبتها.

فبالنسبة لإسرائيل، سعى بنيامين نتنياهو إلى بلورة خطاب النصر بالتركيز على إحباط إسرائيل لمشروع إيران النووي والتهديد بالتحرك بنفس التصميم والحدة لإفشال أي محاولة لإعادة بنائه، مؤكدًا أن إسرائيل حقّقت أهدافها من الحرب، وأن إيران لن تحصل على سلاح نووي.

وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الضربة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية دمّرت منشأة “فوردو” النووية المحصنة تحت الأرض في إيران، مدعيًا أن تل أبيب وواشنطن قضتا على البرنامج النووي الإيراني. مشيرًا إلى أن إسرائيل وجهت ضربات ساحقة لإيران ودمّرت كذلك برنامجها للصواريخ البالستية وغالبية منصات إطلاقها.

وفي الإطار ذاته، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أن بلاده أعادت مشروع إيران النووي وبرنامجها الصاروخي أعوامًا إلى الوراء، مشددًا على أن الحملة ضد إيران لم تنته، ولكنها تدخل مرحلة جديدة بناءً على إنجازات المرحلة الحالية.

في المقابل، ارتكز خطاب النصر الإيراني على رواية مناقضة للسردية الإسرائيلية، حيث قال مسعود بزشكيان إنه بعد المقاومة البطولية لأمّتنا العظيمة التي تكتب التاريخ بعزيمتها، نشهد إرساء هدنة ونهاية هذه الحرب التي استمرت 12 يومًا، مضيفًا أن العدو الإرهابي هو الذي بدأ الحرب، غير أن نهايتها كتبت بإرادة شعبنا، والعالم رأى عظمة بلادنا، وأوضح أن العدو المعتدي اضطر إلى إنهاء العدوان، بعد أن تكبّد عقابًا شديدًا وتاريخيًا.

وأضاف: “لقد فشل العدو في تحقيق أهدافه المتمثلة في تدمير المنشآت، وتصفية المعرفة النووية، وإثارة الفوضى الداخلية”. مؤكدًا انهيار وهم الكيان الذي لا يُقهر وسقوط هيبته، وأن ذلك يُعد بمثابة رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن كلفة المغامرة ضد إيران كبيرة وثقيلة.

من جانبه، أكد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على تحقيق نصر جعل العدو يندم ويقبل بالهزيمة ويوقف عدوانه من طرف واحد. كما أكد الحرس الثوري الإيراني على أنّه لقّن إسرائيل “درساً”.

 

عوامل عزّزت تناقض الخطابات

بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، سارع كل طرف إلى إظهار نفسه كمنتصر للحرب، وقد ساهم في ذلك مجموعة من العوامل تُرجح أن هذا الاتفاق جاء بناءً على ضغط شخصي من الرئيس ترامب، حيث تُوضح تطورات الأحداث أنه غير مقتنع بالدخول في حرب مباشرة وشاملة مع إيران وفق المعطيات الحالية، فهو لا يُفضل اللجوء إلى الحلول العسكرية، بل يضعها في مرتبة متأخرة في قائمة أولوياته.

هذا الطرح يُعزز احتمالية أن الرئيس ترامب ربما اضطر لاتخاذ قرار الضربة الأمريكية على منشأة “فوردو” كنوع من الضغط المتزايد على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط أو بسقف شروط منخفض، وبذلك يُحقق الهدف الإسرائيلي الأمريكي بتحجيم قدرات إيران النووية بأقل الخسائر العسكرية. لكن التصميم الإيراني على مواصلة الحرب وقصف إسرائيل، وعدم رضوخها للضغوط والتهديدات الأمريكية دفع ترامب إلى توجيه جهوده لوقف الحرب والعودة مجددًا إلى المسار التفاوضي ولكن وفق محددات أمريكية جديدة، مع إمكانية تقديم بعض الحوافز لتشجيع الطرفين على المضي قدمًا والالتزام بوقف الحرب، حيث قال ترامب: “مستقبل إسرائيل وإيران لا حدود له ومليء بالوعود العظيمة”.

وفي سبيل تحقيق ذلك، خرج إعلان وقف إطلاق النار مقتضبًا غامضًا لا يتضمن أي تفاصيل، وقد يكون هذا الأسلوب متعمدًا لإفساح المجال أمام طرفي الصراع (إسرائيل وإيران) وكذلك الولايات المتحدة لتبني خطابات النصر للذات والهزيمة للآخر، وبما يسمح للجميع بحفظ ماء الوجه، أولًا أمام شعبهم وثانيًا أمام العالم.

ومن الدلائل الواضحة على ذلك، التضارب الذي وصل حد التناقض في التصريحات المتعلقة بالمنشآت النووية الإيرانية، ففي الوقت الذي ادعت فيه كل من تل أبيب وواشنطن تدميرها، ووصف ترامب الهجمات الأمريكية بأنها نجاح عسكري باهر، وتأكيده أنّها دمّرت بشكل تام وكامل ثلاث منشآت نووية في إيران، خلص تقرير استخباراتي أولي أمريكي سرّي إلى أن الضربات الأمريكية على إيران أعادت برنامج طهران النووي بضعة أشهر فقط إلى الوراء، ولم تدمّره، كما أنها لم تدمّر بالكامل أجهزة الطرد أو مخزون اليورانيوم المخصّب، وأضح التقرير أن تلك الضربات أغلقت مداخل بعض المنشآت دون تدمير المباني المقامة تحت الأرض. إلا أن هذا التقييم وصفته المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت بأنه خاطئ تمامًا.

من جانبه، كان رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الجنرال دان كين أكثر تحفّظاً، حيث قال إنّ التقييمات الأولية تشير إلى أنّ المواقع الثلاثة تعرضت لأضرار وتدمير شديدين، دون تحديد حجم الضرر الذي أصابها.

أما الحكومة الإيرانية فأعلنت أنها اتخذت الإجراءات اللازمة لضمان استمرار برنامجها النووي، كما قال مستشار للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إن بلاده لا تزال تحتفظ بمخزونها من اليورانيوم المخصّب وإن اللعبة لم تنته.

 

تعارض الأهداف الأمريكية الإسرائيلية

على الرغم من تأكيدات الرئيس الأمريكي بأنه كان على علم بعزم إسرائيل مهاجمة إيران، إلا أن مسار الحرب أوضح تردد ترامب في المشاركة المباشرة فيها، مما يُشير إلى أن ترامب ونتنياهو لم يكونا متفقين في الهدف.

وجاءت الانتقادات اللاذعة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كل من إسرائيل وإيران بسبب خرق اتفاق وقف إطلاق النار، لتُبرز من جديد عودة خلافاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الواجهة.

ففي الوقت الذي يلجأ فيه نتنياهو إلى المغامرة والتسرع في دخول صراعات عسكرية على أكثر من جبهة مدفوعًا بمجدٍ شخصي وبمخاوف تتعلق بالمحاسبة القضائية داخل إسرائيل، يسعى ترامب إلى تعزيز صورته كصانع للسلام، وهو ما يصطدم مع أهداف نتنياهو.

وفي هذا الصدد، قال موقع “ذا هيل” الأمريكي إن غضب ترامب العلني يُشير إلى أنه لا يخشى مواجهة نتنياهو عندما يتعلق الأمر بحماية جهوده لتقديم نفسه كصانع سلام، وأنه ليس مُلزمًا بأهداف نتنياهو في الحرب. وأضاف الموقع أن ترامب تراجع عن تهديداته السابقة بأن الولايات المتحدة قد تدعم تغيير النظام في إيران، وطرح إمكانية التجارة مع طهران ورؤية نفطها في الأسواق.

 

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الطريقة الغامضة والفجائية والمقتضبة التي أعلن بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران ربما كانت متعمدة، وأنها فتحت المجال أمام حكومتي البلدين لتبني كل منهما خطاب النصر ومن ثمّ حفظ ماء الوجه لجميع الأطراف أمام شعبيهما والعالم وتقديم المبررات لقبول وقف الحرب.

وقد ساعد في تبني كل أطراف الصراع لخطابات النصر ما اتسمت به المعلومات المتاحة حاليًا من تضارب وتناقض، مع صعوبة في التحقق من مصداقيتها – حتى الآن -.

وبالتالي، لم تكن خطابات النصر عسكرية بقدر ما كنت إعلامية شّكل “المسكوت عنه” فيها أهم عوامل نجاحها، ومن ثّم يمكن اعتبارها خطابات اللاهزيمة أكثر من كونها خطابات نصر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى