ترجمات

توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في الانتخابات التمهيدية لبلدية نيويورك

أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات القليلة الماضية تأثير كبير على تكوين الرأي العام، كما تُحدد خوارزميات تلك المنصات ما يراه المستخدمون حيث تُعطي الخوارزمية الأولوية لمحتوى الشخصيات المعروفة أو المحتوى الذي أعجب به أو علّق عليه العديد من المستخدمين الآخرين، وفي الوقت نفسه تُوقف عرض المحتوى تمامًا إذا تم تجاهله بشكل متكرر.

وقد يؤدي هذا الوضع إلى منظور أحادي الجانب، حيث تُعزز رؤية الفرد للعالم، وتتجاهل وجهات النظر الأخرى وهو ما يُطلق عليه الخبراء “فقاعة التصفية”.

ويتعاظم تأثير منصات التواصل الاجتماعي في أوقات الانتخابات لا سيما تأثيرها على الناخبين الشباب، إذ تُظهر بيانات استطلاع رأي حديثة من تقرير معهد رويترز للأخبار الرقمية أن 35% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يصفون منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وإنستغرام، بأنها مصدرهم الرئيسي للأخبار، ومع ذلك، لا يعني هذا أنها تُحدد نتائج الانتخابات، فاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يعد عاملًا واحدًا من بين عوامل عديدة. لذا يمكن القول بأن منصات التواصل الاجتماعي تؤثر على أسلوب الحملات الانتخابية، وليس نتائج الانتخابات.

  • حملة زهران ممداني في نيويورك

استطاع زهران ممداني المرشح لرئاسة بلدية نيويورك تحقيق انتصار في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين على حساب حاكم الولاية السابق أندرو كومو، وكان من اللافت أن المرشح المسلم المنتمي سياسيًا للتيار التقدمي وظف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واضح في حملته الانتخابية، فبحلول منتصف الشهر الجاري، سيطر اسم ممداني على وسائل التواصل الاجتماعي إلى درجة أن منشورًا فيروسيًا على منصة إكس حظي بأكثر من 17 مليون مشاهدة جاء فيه: “يمكنك فقط التغريد باسم زهران ممداني والحصول على ألف إعجاب على الفور”، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

طوال حملته الانتخابية، نجح ممداني في بناء قاعدة جماهيرية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مبتعدًا عن الأسلوب الديمقراطي للتواصل مباشرة مع المعارضين وتسليط الضوء على السياسات اليسارية.

واستمرت هذه الاستراتيجية في يوم الانتخابات التمهيدية، عندما أجاب عن أسئلة من المؤثرين في مدينة نيويورك وظهر في مقطع فيديو نشرته قناة “Pop Crave” المفضلة لدى الجيل “Z”، قبل أن يتوجه أخيرًا إلى حفل النصر الذي ضم ضيوفًا شبابًا ومشاهير من بينهم إيلا إيمهوف، ابنة زوج نائبة الرئيس السابق كامالا هاريس، ونائب رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية ديفيد هوج.

وكانت حملة ممداني، التي حققت فوزًا مفاجئًا على كومو، مدعومة بمقاطع فيديو رائجة وتعاون مع مبدعين من مختلف الأطياف السياسية، ويرى الاستراتيجيون الديمقراطيون والناخبون أن حضور ممداني الرقمي كان ذكيًا وأصيلًا، عبر رسالة لاقت صدى لدى شباب نيويورك والناخبين ذوي الأصول الإفريقية الذين سئموا من المنصات والشخصيات الضعيفة.

كما يستلهم حاليًا الديمقراطيون المتحمسون لخوض السباقات الانتخابية مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، العزيمة من تجربة ممداني، فكتاباته المتقنة على الإنترنت ميّزته عن منافسيه، بمن فيهم كومو، الذي استثمرت حملته الانتخابية 25 مليون دولار في الإعلانات التلفزيونية والرسائل البريدية، مع الحفاظ على حضور هادئ نسبيًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

في المقابل كان ممداني نشطًا على منصات التواصل الاجتماعي حتى قبل إعلان ترشحه أواخر العام الماضي، لكن المرحلة الأخيرة من سباق رئاسة البلدية شهدت ازديادًا هائلًا في شعبيته على الإنترنت. فقد بلغ معدل التفاعل على حسابه في إنستغرام خلال شهر يونيو ما يعادل 14 ضعف معدل تفاعل حساب كومو، ووفقًا لشركة “Sprout Social” لتحليلات منصات التواصل الاجتماعي، فقد تجاوزت المحادثات المتعلقة بممداني على وسائل التواصل الاجتماعي خلال نفس الفترة عدد الإشارات إلى كومو بمعدل أكثر من 30 إلى 1.

  • استراتيجية ظهور ممداني

أما عن استراتيجية ظهور ممداني، فيوضح ديبي ساسلاو وأنتوني ديميري، المؤسسان والمديران التنفيذيان لشركة “Melted Solids” التي تقف خلف العديد من مقاطع الفيديو المنتشرة لحملته أن أسلوب ممداني المعتمد على المشي والتحدث مباشرة إلى الكاميرا تم تأسيسه خلال حملته للترشح لعضوية الجمعية التشريعية لولاية نيويورك عام 2022، كما أن الجذور الإبداعية لفيديوهاته التفسيرية للقضايا تعود إلى حملته الإلكترونية “أصلحوا هيئة النقل” في نيويورك.

وكانت”Melted Solids”  قد قدمت عرضًا استراتيجيًا لممداني في أغسطس الماضي، مفاده “ابنِ منصة ضخمة، ثم استخدمها لسرد قصص سكان نيويورك العاديين”.

وعلى مدار الحملة، كان ممداني نفسه محورًا أساسيًا في توجيه المحتوى، فوالدته هي المخرجة الشهيرة ميرا ناير، وقبل دخوله عالم السياسة، كانت له تجربة في مجال موسيقى الراب حيث ظهرت فيديوهات قديمة له خلال الحملة.

ويشير مخرج فيديوهات الحملة دونالد بورنستين إلى أن الفريق استلهم أعماله من الأفلام الوثائقية والأفلام التي تُصوَّر في نيويورك. وكان المبدأ الأساسي هو دائمًا ربط المحتوى بمقترحات ممداني السياسية.

  • التعامل المباشر مع المؤثرين والخصوم

تعاونت حملة ممداني بشكل متكرر مع مؤثرين، ووصلت إلى ما هو أبعد من الجماهير التي تتابع عادة الانتخابات التمهيدية، وذلك من خلال الظهور في محتوى مع مبدعين لا ينشرون عادة عن السياسة.

ويقول جوردان أول، الخبير الاستراتيجي الرقمي في منظمة “موف أون” التقدمية: “في الأيام الأخيرة من الحملة، شعرتُ أن العديد من المبدعين والمؤثرين والشخصيات الإعلامية والترفيهية التي أعرفها في نيويورك قد التقطوا صورًا شخصية معه على حساباتهم”، مضيفا: “ما حققه كان نوعًا من الجاذبية السياسية، أراد الجميع أن يكونوا جزءًا منها”.

كما ظهر ممداني أيضًا في وسائل إعلام جديدة وبرامج بودكاست لم تؤيد ترشيحه. على سبيل المثال، بعد اختلافه مع المرشحين الديمقراطيين الآخرين في موقفه من الشرطة – قائلًا إنه سيتخلص من ميزانية العمل الإضافي لشرطة نيويورك ويتجنب تعيين المزيد من الضباط – ظهر ممداني في بودكاست حيث استضافه ضابطان سابقان في شرطة نيويورك اختلفا إلى حد كبير مع مقترحاته.

زر الذهاب إلى الأعلى