أصبح قطاع الإعلام في العقود القليلة الماضية أحد القطاعات الاقتصادية الواعدة الجاذبة للاستثمارات والمحققة لعوائد ضخمة على مستوى العالم، إذ تشير تقديرات دولية إلى أن إيرادات سوق الإعلام في العام الحالي 2025 ستبلغ 39.89 مليار دولار، ومن المتوقع أن تحقق الإيرادات معدل نمو خلال الـ4 أعوام المقبلة (2029-2025) بنسبة 2.84%، مما ينتج عنه حجم سوق متوقع يبلغ 44.63 مليار دولار بحلول عام 2029.
وفي المملكة العربية السعودية، من المتوقع أن تصل الإيرادات في سوق الإعلام إلى 4.79 مليار دولار خلال العام الحالي. وأن يتم توليد 39.88% من إجمالي الإيرادات في سوق الإعلام بحلول عام 2029 من خلال الإعلام الرقمي، إذ يتطور المشهد الإعلامي بسرعة حيث تكتسب المنصات الرقمية قوة دفع، مما يعكس التحول نحو استهلاك محتوى أكثر تنوعًا بين الجمهور الأصغر سنًا، وفقا لموقع “statista” المتخصص في الإحصاءات العالمية.
ويعد الاستثمار في قطاع الإعلام بالسعودية أحد المسارات الرئيسية لتنفيذ رؤية المملكة 2030 التي تهدف لتنويع الاقتصاد ودعم وتشجيع الابتكارات، إذ من المتوقع أن يقترب حجم إيرادات القطاع من 11 مليار دولار بحلول عام 2030، ويعكس نمو هذا القطاع مجموعة من الحقائق تتمثل في القراءة الواعية من جانب الدولة للمشهد الإعلامي وتطوراته، والفهم العميق للجمهور بمختلف شرائحه وتفضيلاته، وحجم الإنفاق على تجهيز البنية الأساسية الإعلامية على أحدث مستوى، فضلًا عن الاهتمام بتدريب وتأهيل الكوادر الإعلامية من أجل إعلام رائد على المستوى الإقليمي ومنافس على الصعيد الدولي، بجانب أن هذا النمو يظهر العلاقة الوثيقة بين سوق الإعلام والإعلان.
- المشهد الإعلامي وتطوراته
يرتبط مستقبل وسائل الإعلام إلى حد كبير بالذكاء الاصطناعي والخوارزميات لما لهما من دور رئيسي في جذب المستهلك وتشكيل نظام بيئي إعلامي قابل للتوجيه والتسوق لدرجة يصف بها بعض المتخصصين المرحلة الراهنة بـ “العصر الخوارزمي لوسائل الإعلام”.
وقد انتقل الذكاء الاصطناعي في غضون فترة وجيزة من التأثير المحتمل إلى التأثير الفعلي، وتطور من مجرد اتجاه ناشئ إلى قوة تحويلية، حيث غرس نفسه في الحياة اليومية وأحدث ثورة في تخطيط وإنشاء المحتوى الإعلامي وعملية التفاعل مع المستهلك.
كما أصبحت الاهتمامات المتخصصة والمعجبون أصولًا لا تقدر بثمن لوسائل الإعلام التي تتطلع إلى التميز، ويرجح مراقبون أن تكون رواية القصص الأداة الأساسية للتنقل في المساحة الإعلامية التي تقودها الخوارزميات بشكل متزايد، مما يخلق سرديات مؤثرة عبر التلفزيون والمنصات الرقمية. بالإضافة إلى ذلك ستعيد تجارة التجزئة تشكيل وسائل الإعلام، حيث تستمر وسائل الإعلام في النمو بمعدل ثنائي الرقم، مما يوفر للمعلنين إمكانية لا مثيل لها من الوصول إلى بيانات المتسوقين.
- الاستعداد المؤسسي والبيئة المواتية للاستثمار
تظهر التجربة التنموية في قطاع الإعلام بالمملكة، اهتمام صانع القرار السعودي بتهيئة البيئة المواتية للاستثمار والمحفزة لنمو هذا القطاع الحيوي في مسيرة النهضة التي تشهدها السعودية في شتى المجالات، عبر الاستعداد على صعيد البنية التشريعية والمؤسسية، من خلال توفير بيئة تنظيمية ملائمة للأعمال تضمن حماية المستهلك وتنافسية السوق، بجانب توفير حوافز تعزز من جاذبية الاستثمار في القطاع، حيث تقدم الهيئة الملكية لمدينة الرياض ووزارة الاستثمار حوافز لتشجيع الجهات الفاعلة في قطاع الإعلام على نقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة، بما يشمل الإعفاء من ضريبة الدخل على الشركات لمدة 30 عامًا، كما تم إطلاق برنامج Ignite”” بقيمة1.1 مليار دولار لتعزيز إنشاء المحتوى الرقمي في المملكة.
بالإضافة إلى تسريع وتيرة تطوير البنية التحتية الإعلامية بمعايير عالمية، مع حرص على اختبار التقنيات الإعلامية المستحدثة.
- تأهيل الكوادر الإعلامية من أجل إعلام رائد ومنافس
ترتكز العملية التنموية في المملكة بالأساس إلى العنصر البشري المؤهل وذلك انطلاقًا من قناعة راسخة لدى القيادة الرشيدة، حفظها الله، بأهمية إطلاق العنان للقدرات الوطنية من أجل الإبداع والابتكار والمنافسة العالمية، لذلك تعمل الدولة على بناء تلك القدرات وتجهيزها لسوق العمل وللتوافق مع متطلبات العصر، ويتم ذلك من خلال المزج بين التأهيل الأكاديمي والتجربة العملية التدريبية، فعلى الصعيد الأكاديمي تزخر المملكة بكليات للإعلام توفر مجموعة متنوعة من البرامج الدراسية المتخصصة التي تغطي مختلف أنماط الإعلام وفنون الاتصال، كما تقدم أكاديمية الإعلام السعودية وأكاديمية وكالة الأنباء السعودية للتدريب الإخباري، وأكاديمية هيئة الإذاعة والتلفزيون للتدريب، مسارات تعليمية شاملة تتضمن جوانب نظرية وعملية وبرامج متخصصة تم إعدادها بالشراكة مع كبريات الجامعات العالمية.
- طفرة مرتقبة في الإعلان والتسويق
قطاعا الإعلام والتسويق على وشك أن يشهدا تطورًا كبيرًا في المملكة مع الأحداث العالمية الكبرى التي تستضيفها مثل إكسبو 2030 وكأس العالم لكرة القدم لعام 2035، جنبًا إلى جنب مع زيادة المشاريع العملاقة التي تقترب من الاكتمال، لذا فإن السنوات القادمة تعد بإشعال شرارة الابتكار والنمو داخل هذا القطاع.
فعلى سبيل المثال يقدم إكسبو 2030 للمملكة العربية السعودية منصة استراتيجية لعرض إمكاناتها العالمية وتقدمها، وتستعد الشركات للاستثمار بشكل كبير في استراتيجيات التسويق التي تركز على الأحداث، حيث تسعى العلامات التجارية المحلية والدولية إلى توجيه الأموال نحو الرعايات والأنشطة، ومن المتوقع أن يدفع التزام إكسبو بالاستدامة العلامات التجارية نحو ممارسات أكثر خضرة، مما يدفع الطلب على حلول التسويق الصديقة للبيئة.
من جهة أخرى، يعمل المشهد الثقافي والترفيهي المزدهر في السعودية على إحداث تحولات في استراتيجيات الإعلام والإعلان والتسويق، حيث تستثمر الشركات بشكل متزايد في التسويق التجريبي الذي يؤكد على الحملات الجذابة التي لا تنسى ويتردد صداها مع الجماهير.
ومن المرجح أن يشهد هذا الاتجاه إعادة تخصيص الميزانيات نحو استراتيجيات التسويق الرقمي القوية، والاستفادة من المنصات عبر الإنترنت لبيع التذاكر والترويج للأحداث وإشراك العملاء. وسيحتل تسويق المؤثرين أيضًا مركز الصدارة، حيث يمكن للشراكات مع الشخصيات المحلية أن تعزز بشكل فعال رسائل العلامة التجارية وتقوي الروابط مع المستهلكين.
وستعمل هذه الاستراتيجية على تعزيز الحملات الإعلانية والتسويقية القائمة على الأحداث، مما يسمح للعلامات التجارية بتضمين نفسها ضمن التقويم الثقافي الحيوي في المملكة ويتجلى ذلك في مبادرات مثل موسم الرياض وأسبوع الموضة في الرياض.
ومع كأس العالم لكرة القدم المقرر إقامتها في عام2035، أصبحت السعودية على استعداد لتصبح لاعبًا رئيسيًا في مجال التسويق الرياضي. وستسعى العلامات التجارية بشكل متزايد إلى تبني استراتيجيات الرعاية والإعلان المستهدفة التي تهدف إلى جذب الجماهير المحلية والعالمية.
وختامًا، يمكن القول إن الخطوات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية على مدى السنوات الأخيرة تجعل منها وجهة رئيسية للمستثمرين في قطاع الإعلام، لما توفره من بيئة تنظيمية مواتية وإمكانيات واعدة، وسوق كبيرة وجمهور نشط، ومنافذ إعلامية مؤثرة على الصعيد الإقليمي.