في خضم أزمات دولية متصاعدة وأجواء إقليمية ملتهبة تفرض تحديات على كافة الدول، ألقى سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -أيده الله-، إذ جاء هذا الخطاب متضمنًا مجموعة من الرسائل التي تخاطب الداخل والخارج، وتعكس سياسة المملكة وتوجهاتها التنموية في ظل رؤية السعودية 2030 كخطة تنموية شاملة تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة وتمكين المواطنين وتحديث المجتمع عبر أهداف اقتصادية واجتماعية وثقافية متعددة، كما أبرز الخطاب الملكي أيضًا مواقف السعودية إزاء مختلف القضايا الإقليمية ورؤيتها للمسارات الواجب اتباعها لتسوية تلك الأزمات وتحقيق الاستقرار على صعيد الشرق الأوسط والعالم بأسره.
ويمكن استعراض وقراءة أبرز مضامين الخطاب الملكي، على النحو التالي:
- السياسة الخارجية السعودية
شغلت السياسة الخارجية والقضايا الإقليمية حيزًا مهمًا في الخطاب الملكي، وذلك في ضوء التطورات المتلاحقة بفعل اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، كما جاء هذا الاهتمام انطلاقًا من الدور القيادي للمملكة في منطقة الشرق الأوسط ومكانتها وثقلها في النظام الدولي، حيث تسعى القيادة الرشيدة، حفظها الله، إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وقد أكد الخطاب على مضامين مهمة، تمثلت فيما يلي:
- التضامن والمساندة والدعم اللامتناهي للأشقاء وحشد الجهود العربية والإسلامية والدولية لردع الاحتلال الإسرائيلي: وتجسد ذلك في رفض وإدانة اعتداءات سلطة الاحتلال الإسرائيلية في المنطقة وآخرها العدوان الغاشم على دولة قطر الشقيقة، والدعوة لتحرك عربي وإسلامي ودولي لمواجهة هذا العدوان، واتخاذ إجراءات دولية لإيقاف سلطة الاحتلال وردعها عن ممارساتها الإجرامية في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، مع التأكيد أن المملكة ستكون مع قطر في كل ما تتخذه من إجراءات بلا حد، وتسخر كافة إمكانياتها لذلك.
- إسناد وتعزيز الحق الفلسطيني وتثبيت الأشقاء على أرضهم: حيث أدان الخطاب استمرار الاعتداءات الغاشمة على الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة والإمعان في ارتكاب جرائم التجويع والتهجير القسري، وشدد بعبارات واضحة على أن أرض غزة فلسطينية وحق أهلها ثابت لا ينتزعه عدوان ولا تلغيه تهديدات، وأن موقف المملكة الثابت هو حماية الحق والعمل الجاد لمنع انتهاكاته.
- حشد الدعم العالمي لحل الدولتين كمسار وحيد لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: أوضح الخطاب الملكي أن السعودية قامت بتفعيل مبادرة السلام العربية التي أطلقتها عام 2002 عبر منظور حل الدولتين، وقد أثمرت جهود المملكة المكثفة تزايد عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين، وتمكنت عبر المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين في نيويورك من تعزيز التوافق الدولي من أجل تنفيذ هذه المبادرة.
- جهود سعودية مكثفة لحلحلة الأزمات العربية: حيث اتخذت المملكة مواقفَ محورية ونفذت مبادرات متعددة لدعم سوريا، بدءًا من النجاح في رفع العقوبات الدولية عن دمشق، ومساندة جهود ضمان وحدة الأراضي السورية وإعادة بناء الاقتصاد السوري، كما تعمل على دعم كل ما من شأنه تحقيق الاستقرار في لبنان واليمن والسودان.
- المسيرة التنموية
رسم الخطاب الملكي صورة دقيقة حول تطور مسيرة التنمية في السعودية والتي حققت بفضل الله ثم الرؤية الرائدة 2030، نجاحات وإنجازات غير مسبوقة توثقها الأرقام والإحصاءات، ومن أبرز المضامين في هذا السياق ما يلي:
- تنويع مسارات الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط: للمرة الأولى في تاريخ المملكة حققت الأنشطة غير النفطية 56% من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ مستويات تتجاوز أربعة ونصف تريليون ريال سعودي، كما أضحت المملكة مركزًا عالميًا يستقطب مختلف النشاطات حيث اختارت 660 شركة عالمية المملكة مقرًا إقليميًا لها وهو أكثر مما كان مستهدفًا لعام 2030، ويؤكد هذا الإقبال وتخطي المستهدفات ثقة مجتمع الأعمال العالمي في الاقتصاد السعودي، وتوافر البيئة التنظيمية الملائمة الجاذبة للاستثمار.
- تعزيز مكانة المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي: فقد سلط الخطاب الملكي الضوء على الاتفاقيات التي تم عقدها في مجال الذكاء الاصطناعي لتكون المملكة خلال السنوات المقبلة مركزًا عالميًا في هذا القطاع الحيوي، إذ تعمل تلك التقنيات على تحويل المشهد الاقتصادي العالمي، وتفسح المجال أمام مسارات جديدة للإنتاجية والابتكار والتنافسية.
- :توطين الصناعات العسكرية
أشار الخطاب أيضًا إلى جهود توطين الصناعة العسكرية بالتعاون مع شركاء المملكة الاستراتيجيين حتى وصلت نسبة التوطين الآن إلى أكثر من 19% بعد أن كانت لا تتجاوز 2%.
- فلسفة التنمية وقوة المالية العامة: أكد الخطاب الملكي أن وجود مالية عامة قوية لا تعتمد على مصدر وحيد متذبذب للإيرادات ضرورة ومطلب أساسي للتنمية والتنويع الاقتصادي المستدام، ومن خلالها تنمو الفرص الوظيفية المتنوعة، مشيرًا إلى أن تحرك الدولة منذ انطلاق الرؤية لبناء هذا الأساس، أكسبها اقتصادًا صلبًا، وجعل منها وجهة للاستثمار. واستعرض الخطاب مؤشرات اقتصادية مهمة منها:
- وصول نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها.
- ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى أعلى معدلاتها.
- انخفاض نسبة محدودي الدخل.
كما نوه الخطاب إلى التكامل بين قدرة القطاعين العام والخاص على مواجهة التحديات والتأقلم السريع مع تغير الظروف، والدور البارز لجودة الأداء الحكومي في امتصاص الصدمات الاقتصادية، والمرونة في مراجعة مسار البرامج لتكون أكثر مناعة ضد أي تقلبات دون تعطيل متطلبات التنمية.
- المصلحة العامة والمواطن
أظهر الخطاب الملكي أولوية تحقيق المصلحة العامة والارتقاء بحياة المواطن، واعتبارهما بوصلة توجه كافة القرارات والسياسات، وفي سبيل ذلك أكد الخطاب الملكي الذي ألقاه سمو ولي العهد، على ما يلي:
- المصلحة العامة هي الهدف الأسمى للبرامج والمستهدفات.
- عدم التردد في إلغاء أو إجراء تعديل جذري لأي برامج أو مستهدفات لدواعي المصلحة العامة.
- مواصلة تقييم الأثرين الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام لضمان توجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية من أجل خدمة المواطن وزيادة دخله، ورفع مستوى الخدمات المقدمة، وتحسين جودة الحياة في المملكة.
- وضع سياسات تعيد التوازن للقطاع السكني بما يخفض كلفة العقار، ويشجع على الاستثمار في التطوير العقاري، ويتيح خيارات مناسبة ومتعددة للمواطنين والمستثمرين.
وختامًا، لقد حمل الخطاب الملكي أمام مجلس الشورى رسائل مهمة حول الأزمات الإقليمية وثوابت السياسة الخارجية السعودية ونهج المملكة تجاه تسوية تلك الأزمات وتحقيق الاستقرار، كما سلط الضوء على تطورات المسار التنموي في السعودية وأهدافه التي يأتي على رأسها رفعة الوطن وتحسين جودة الحياة للمواطن.