استعراض دراسات

الحروب الرقمية

 

تعد الحرب الرقمية مجالًا ناشئًا تزداد أهميته وتأثيره على جميع جوانب السياسة المعاصرة والمجتمعات، وهو مرتبط بالتغيرات التكنولوجية المستمرة حول العالم، حيث يقصد بتلك الحرب أنها الطرق التي تحول بها التقنيات والوسائط الرقمية كيفية خوض الحروب، كما أنها مجال تتقاطع فيه بحوث الإعلام الرقمي مع دراسات تقنية الحروب والصناعات العسكرية الرقمية، وتتداخل فيه أيضًا بحوث العمليات العسكرية مع دراسات الفن والسياسة والعلاقات العامة والدراسات الاجتماعية والثقافية.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة بحوث الإعلام الرقمي في عددها الصادر في يونيو 2024، دراسة بعنوان “الحروب الرقمية” من إعداد الأستاذ الدكتور أمين سعيد عبد الغني، عميد كلية الإعلام جامعة السويس، والتي نستعرضها عبر المحاور التالية:

  • شكل الحرب الرقمية

أوضحت الدراسة أن الحروب في جميع أنحاء العالم الآن تُجرى على منصات وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بمشاركة الجيوش والمواطنين والدول عبر أساليب مستحدثة بشكل متزايد، مشيرة إلى التطورات الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري والمحاكاة والواقع المعزز. ونوهت الدراسة بأن الأسلحة في تلك الحروب الرقمية هي الأخبار التي يتم ترويجها، والهجمات الإلكترونية التي تشنها مجموعات من القراصنة “الهاكرز” عبر الإنترنت.

وبحسب الدراسة، يتقاطع مفهوم الحرب الرقمية مع مجموعة واسعة من المجالات العلمية والبحثية والتطبيقية ومن أبرز هذه المجالات:

  • وسائل الإعلام والصحافة: وتشمل الإعلام عن الحرب الرقمية، واستخدام الحكومات والجيوش والجنود والمدنيين لوسائل التواصل الاجتماعي، بجانب دور التقنيات مثل الهاتف الذكي والتطبيقات، والصور الرقمية والرسومات.
  • التقنيات العسكرية: يتعلق هذا الجانب بالتقنيات الرقمية والأنظمة والأسلحة مثل الطائرات من دون طيار “الدرونز”، والحرب الإلكترونية، والروبوتات والأنظمة الذاتية القاتلة وغيرها من التقنيات الناشئة التي توظف في المجال العسكري مثل تقنية النانو.
  • السياسة والعلاقات العامة: تتضمن القضايا الرئيسية حول الإرهاب والتقنيات الرقمية، والمراقبة والتدابير الوقائية، والأمن السيبراني والبنية التحتية الحيوية، والحروب الأهلية الرقمية والاحتجاجات.
  • الدراسات الاجتماعية والثقافية: حيث التمثيل الشعبي للحرب الرقمية في ألعاب الفيديو والخيال العلمي، ووسائل الاتصال/ الانفصال بين ممارسات الحرب الرقمية وغير الرقمية أو خارجها.
  • تحركات قوى دولية لمواجهة الحرب الرقمية

استعرضت الدراسة تحركات وإجراءات اتخذتها قوى كبرى في النظام الدولي على صعيد الاستعداد لمواجهة الحرب الرقمية، من أبرزها:

  • مبادرة الدفاع الابتكاري الأمريكية

أطلقت الولايات المتحدة في عام 2014 مبادرة الدفاع الابتكاري، حيث أولت أهمية للأمن السيبراني والسيطرة السيبرانية في ميادين الحروب حول العالم وخصوصًا في 3 مناطق هي الشرق الأوسط والمحيط الهادئ وفي محيط روسيا، وجاء ذلك في ضوء مجموعة من التحديات تمثلت في زيادة وتيرة تطوير التكنولوجيا التي تتحدى قدرة واشنطن على مواكبتها، وتزايد أهمية عوامل التمكين القتالية في الفضاء والفضاء الإلكتروني والطيف الكهرومغناطيسي، وكذلك قوة الشخص الواحد، حيث يمكن لفرد واحد إحداث تعطيل كبير ومعقد لأنظمة المعرفة والأدوات المتاحة على نطاق واسع على شبكة الإنترنت.

وقد سمحت تلك المبادرة بزيادة الإنفاق على عمليات البحث والتطوير بنسبة تصل إلى 2.8% من الناتج القومي الأمريكي الإجمالي، كما أتاحت للمؤسسات الخاصة المشاركة بتقديم الابتكارات الفاعلة في هذا المجال وعدم قصر الدراسات الأمنية السيبرانية على المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة.

  • الستار الحديدي الرقمي لروسيا

تعمل روسيا في مجال الحرب الرقمية على محورين: الأول دفاعي بإنشاء الستار الحديدي الرقمي، والآخر هجومي يسمح للروس بامتلاك ذراع رقمية طويلة لمهاجمة أهداف حول العالم.

ويتمثل الستار الحديدي في إقرار روسيا في نوفمبر 2019 قانون “الإنترنت السيادي” الذي نص على إنشاء شبكة إنترنت مستقلة خاصة بروسيا، وبذلك منحت موسكو نفسها القدرة على إقامة نوع من الستائر الحديدية الرقمية حول شبكتها.

أما عن خطة الهجوم الروسية، فتتعلق بحسب منظمة ” The Strategy Bridge” الأمريكية المتخصصة في الأمن المعلوماتي، بالرهان على التفوق المعلوماتي على العدو، والذي يُقضى بالدرجة الأولى بالتفوق النفسي والتقني، وقد حققت موسكو – بحسب محللين- نقلة نوعية في هذا المجال بعد حرب جورجيا عام 2008، حيث صارت تستخدم على نطاق واسع إمكاناتها في الاستخبارات الفضائية والحرب الإلكترونية.

  • طريق الحرير الرقمي في الصين:

يعتبر طريق الحرير الرقمي في الصين المكان الذي تلتقي فيه سياسات شتى، بدأت مع دخول سياسة صنع في الصين إلى مجال صناعات التكنولوجيا الفائقة بدعم حكومي وأهداف طموحة بما في ذلك الاستحواذ على 60% من سوق الاتصالات بالألياف البصرية في العالم.

وقد سعت الولايات المتحدة إلى تقييد طريق الحرير الرقمي وصعود الصين التكنولوجي من خلال تقديم شركات التكنولوجيا الصينية كخطر غير مقبول للأمن الدولي، بما في ذلك محاولات لإقناع الحلفاء بمنع الشركات الصينية من المساهمة في بنيتها التحتية الرقمية الحيوية.

  • مقترحات الدراسة

خلصت الدراسة إلى أن الخصائص الفريدة للفضاء الإلكتروني تتحدى الهياكل الوطنية الحالية، التي بنيت في الأصل لمواجهة التهديدات التقليدية، إذ يؤدي هذا الإدراك إلى قيام الدول بالبحث عن الهياكل والعمليات المناسبة التي يمكنها معالجة الخطر السيبراني الجديد على النحو الأمثل مع حماية الحقوق المدنية الأساسية.

واقترحت الدراسة القيام بما يلي:

أولًا: تنظيم أنشطة الأمن السيبراني من خلال تحليل حدود المرحلة الحالية وتحديد الحاجة في المرحلة القادمة.

ثانيًا: تطوير الهياكل الحكومية بإصدار التشريعات وتهيئة البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للتعامل مع التحديات الرقمية.

ثالثًا: تشكيل هيئة وطنية مركزية للفضاء الإلكتروني وهي كيان مدني واحد يتمتع بقدرات تشغيلية ملموسة يكون مسؤولاً عن الدفاع عن الفضاء الإلكتروني الوطني وقيادة جهود الأمن السيبراني الوطنية.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الحروب الرقمية باتت السمة المميزة للعصر الحالي، ومن أخطر أدواتها سلاح الشائعات لبث الفتن التي تستهدف المجتمعات، وشن الحرب النفسية، وإثارة الانقسامات الداخلية، وتفكيك الدول بالقضاء على مؤسساتها، وتمزيق وحدة نسيجها المجتمعي وأراضيها على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى