استعراض دراسات

تأثير التدوين الصوتي “البودكاست” على الإنتاج الإذاعي

يعد التدوين الصوتي “البودكاست” من التقنيات التي ساهمت في تطور وتنامي أشكال الإنتاج المسموع من خلال الحرية المطلقة لصانع المحتوى في إنتاج ومشاركة التسجيلات والملفات الصوتية عبر تطبيقات الإنترنت المجانية، ونظرًا لأن محتوى البودكاست يغلب عليه الاهتمام بالموضوعات ذات الجوانب التعليمية والاجتماعية والإنسانية، فقد لقي الرواج والانتشار بين عدد كبير من المتابعين على اختلاف ثقافاتهم ومستوياتهم التعليمية، فقد وصل عدد مستمعي البودكاست إلى 464.7 مليون مستمع على مستوى العالم العام الماضي، ومن المتوقع أن يكون هناك حوالي 504.9 مليون مستمع بودكاست في جميع أنحاء العالم بحلول نهاية العام الحالي؛ وفقا لمنصة “Demandsage” للبيانات.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة المصرية لبحوث الإعلام في عددها الصادر في ديسمبر 2023، دراسة بعنوان “تقييم الخبراء والممارسين لتأثير التدوين الصوتي “البودكاست” على الإنتاج الإذاعي التقليدي” من إعداد الدكتورة مروة محمود المدرس بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، حيث طبقت الدراسة على عينة عمدية قوامها 21 مفردة من الخبراء في مجال صناعة محتوى البودكاست والخبراء الأكاديميين في مجال دراسة الإعلام والممارسين للعمل الإعلامي في المحطات الإذاعية والتلفزيونية وراديو الإنترنت، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • النتائج العامة للدراسة

أجمع الخبراء على أن التدوين الصوتي “البودكاست” يتمتع بكثير من المزايا التي يمكن أن تجذب المستخدمين، خاصة الشباب الذين نشأوا وتربوا في كنف بيئة الإنترنت، ومن هذه المزايا:

  • أنها ملفات صوتية قابلة للتحميل والاستماع إليها دون التقيد بزمان أو مكان على عكس الإنتاج الإذاعي التقليدي، كما يمكن إيقاف الملفات عند الرغبة واستئناف الاستماع إليها لاحقًا، بالإضافة إلى إمكانية تقديم وتأخير أي جزء من المحتوى حسب متطلبات جمهور المستخدمين.
  • تسهم بشكل فعال في مجال التعليم الذاتي خاصة تعلم اللغات الأجنبية، من خلال تكرار الاستماع لنطق الكلمات مما يثري المهارات اللغوية لدى المبتدئين، بالإضافة إلى التنوع في المضامين الإخبارية والأدبية والاجتماعية والتثقيفية التي يمكن الاستماع إليها أكثر من مرة.

في المقابل، أشار عدد من الخبراء إلى أن بعض العيوب بمحتوى التدوين الصوتي “البودكاست”، ومنها أن ملفات البودكاست أغلبها ينتجها هواة، وبالتالي لا تحاكي جودة الإنتاج الإذاعي التقليدي من حيث الثقة بالمضمون المقدم. وكذلك عدم وجود معايير ضابطة مهنية وأكواد أخلاقية تحكم المضمون المقدم.

كما أوضح الخبراء أن الحقبة الجديدة من الثورة الصناعية أضافت تحديات للعمل الإذاعي، أبرزها:

  • تغير عادات الاستماع: يفضل الكثير من المستمعين استخدم تطبيقات البودكاست للاستماع إلى المحتوى المفضل لديهم في أي وقت وأي مكان عند الطلب.
  • تفضيل المحتوى المتخصص: يفضل الكثير من المستمعين الحصول على محتوى متخصص يلبي اهتماماتهم واحتياجاتهم، وهو ما قد لا يجدونه بشكل كبير في برامج الإذاعة التقليدية.
  • الإمكانيات المادية: تطوير جودة المحتوى والصوت والتفاعل مع المستمعين يتطلب من المحطات الإذاعية التقليدية استثمارات كبيرة لتحديث التجهيزات واستخدام التكنولوجيا.
  • الاختلاف في نظم التسويق والإعلانات: يتميز البودكاست بنظام إعلانات مختلف عن الإذاعة التقليدية، حيث يتم تضمين الإعلانات في المحتوى نفسه بشكل طبيعي، وهذا يؤدي إلى جذب المزيد من الإعلانات والشركات المهتمة بالإعلان.
  • زيادة التنافس: أصبح هناك عدد كبير من برامج البودكاست المتخصصة في مختلف المجالات، مما يزيد من التنافس على جذب المستمعين.

كما أجمع الخبراء على أن تطبيق الاندماج يحتاج إلى سياسات قادرة على مساعدة الإعلام التقليدي للحفاظ على مكانته ووظيفته، فالاندماج ليس مجرد تحول تكنولوجي، ولكنه يتطلب التكامل بين جميع أطراف صناعة الإعلام، ولا بُد من تحقيق الموازنة بين التطوير وعناصر تقنيات الإنتاج الإعلامي.

وفيما يتعلق بالدور المطلوب من القائمين بالاتصال والممارسين للعمل الإذاعي لمواجهة التغير في متطلبات الجمهور المستخدم لمحتوى “البودكاست” أجمع الخبراء على ما يلي:

 

  • تطوير المحتوى: بحيث يكون المحتوى متجددًا ومتطورًا باستمرار لتلبية احتياجات الجمهور والاتجاه نحو زيادة المساحة الزمنية للبرامج ذات المدة القصيرة التي تتسم بسرعة الإيقاع، ويمكن استخدام التحليلات والأبحاث لفهم ما يرغب فيه الجمهور، وتخصيص فريق إعداد تكون مهمته جمع المعلومات والبيانات التي تخص الموضوعات والقضايا ذات الصلة مباشرة باهتمامات الجمهور ومتطلباته ” الموضوعات التي تتصدر الترند” وانتقاد ما هو مناسب منها.
  • تحسين جودة المحتوى: أن يكون المحتوى عالي الجودة، ومتميزًا لجذب الجمهور ومع زيادة التركيز على البرامج التي تعتمد على أسلوب السرد من خلال فترات بث مفتوحة على الهواء، وزيادة مساحة برامج التوك شو التي تستضيف الجمهور بالاستوديوهات للتسجيل معهم لإضفاء الحيوية على المضمون المقدم، مع الاهتمام بتعدد مصادر المعلومات واستضافة شخصيات ذات صلة قوية بالمواضيع المطروحة.
  • تفعيل استخدام منصات التواصل الاجتماعي: للتفاعل مع الجمهور وإشراكهم في المحتوى والحصول على ردود أفعالهم، كما يمكن استخدام هذه المنصات للإشارة إلى حسابات بودكاست أو برامج إذاعية عند تحقيق الاندماج الإعلامي.
  • التعاون المشترك: يمكن التعاون بين فريق الإذاعة وفريق البودكاست إطلاق محتوى مشترك، وهو ما سيساعد على تحقيق التفاعل بين المستخدمين من خلال مزج مزايا النوعين.
  • استحداث طرق جديدة لقياس نسب المشاركة والانخراط بالمحتوى، وذلك باستغلال التكنولوجيا الحديثة بما تتيحه من تطبيقات وبرامج تساعد في ذلك.

من جهة أخرى، اختلفت آراء الخبراء والممارسين حول تأثير محتوى التدوين الصوتي “البودكاست” ممثلًا للإعلام الرقمي على الإنتاج الإذاعي التقليدي ممثلًا للإعلام التقليدي، وأشارت بعض الآراء إلى أن الإعلام الرقمي أفرز قواعد جديدة في طرق إنتاج وتوزيع واستهلاك المحتوى الإعلامي، وهو ما كان له أثره السلبي على الإنتاج الإذاعي التقليدي، بينما اختلف الفريق الآخر مع هذا الرأي.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة سلسلة من التوصيات تمثلت فيما يلي:

  • الاطلاع على تجارب أجنبية لمؤسسات إعلامية سواء صحفية أو تلفزيونية أو إذاعية حققت مفهوم الاندماج الإعلامي بين الإنتاج التقليدي والرقمي من أجل عرضها على مسؤولي المحطات الإذاعية تمهيدًا لإنتاج مضمون مخصص لتطبيقات الاستماع عند الطلب “البودكاست”.
  • التعاون بين المحطات الإذاعية والشركات والكيانات الاقتصادية الرقمية للاعتماد على الأدوات التي تتيحها التكنولوجيا في إنتاج مضمون إذاعي قابل للنشر والتوزيع عبر المنصات الرقمية، بحيث يتم إنتاج مضمون صوتي يتسم بالمرونة والقدرة على مواكبة الاتجاهات الحديثة في فنون الإنتاج الإعلامي بما يضمن حقوق الجمهور، ويضمن جودة الخدمات التي تقدم له، وأن يقترن ذلك بالتدريب المستمر للقائمين بالاتصال.
  • تخصيص موقع إلكتروني رسمي لكل محطة إذاعية، وتطبيق يعمل من خلال الحاسب اللوحي أو الهواتف الذكية، وإلزام المحطات الإذاعية للقيام برفع جميع الإنتاج الإذاعي عليهما من أجل أرشفة الإنتاج الإذاعي رقميًا وإتاحة إمكانية الرجوع إليه في أي توقيت يناسب الجمهور.
  • إتاحة التواصل أثناء البث بين المستمع والقائم بالاتصال بشكل أكثر فاعلية وعلى نطاق أوسع في جميع المحطات الإذاعية والاستفادة من التحول الرقمي في تحقيق التزامن بين الجمهور والقائم بالاتصال بما يتناسب مع طبيعة برامج كل محطة إذاعية.
  • إجراء المزيد من الدراسات التي تتناول مضمون البودكاست المسموع والمرئي، ودراسة مدى فاعلية صناع محتوى البودكاست كأداة تعليمية فعالة، وبالرغم أيضًا من الأعداد الضخمة لملفات البودكاست على المنصات الرقمية فإن دراسته كمضمون يؤثر على صناعة واستهلاك الإعلام يحتاج إلى مزيد البحث والتدقيق.
  • إجراء المزيد من الدراسات الإعلامية التي تتناول التقارب والاندماج الإعلامي بين وسائل الإعلام خاصة مع تزايد الاعتماد على وسائل الإعلام الجديد، وزيادة معدل الإعلانات بها في مقابل تراجع اعتماد الجمهور.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تطوير مدخل خاص بالاندماج بين الإعلام التقليدي المتمثل في الإذاعات ونمط الإعلام الجديد الذي يعبر عنه البودكاست يتطلب التكامل بين جميع الأطراف المشاركة في صناعة واستهلاك هذا الإنتاج الإعلامي سواء كان مؤسسات تعمل في المجال أو الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى