الدراسات الإعلامية

قضايا وإشكاليات تحليل محتوى منصات التواصل الاجتماعي

يعد محتوى منصات التواصل الاجتماعي مادة خصبة للتحليل أفرزتها التطورات التكنولوجية التي غيرت من طبيعة العملية الاتصالية، وأتاحت للجمهور القدرة ليس فقط على التفاعل مع ما يقدم إليه من محتوى، بل أيضًا أن يصبح هو ذاته صانعًا للمحتوى بعدما كان متلقيًا فقط في ظل وسائل الإعلام التقليدية.

وهو ما يثير الكثير من التساؤلات البحثية التي تحتاج إلى إجابات، لعل أبرزها أسباب الاعتماد على مواقع التواصل كمصادر للمعلومات، وكيفية نشأة التريند ومدة بقائه، وماهية الطريقة المُثلى لتحليل المشاعر المتضمنة في تعليقات الجمهور، وهي مسألة ذات أهمية حيوية لا سيما خلال الأزمات.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة جامعة مصر للدراسات الإنسانية، في عددها الصادر في أغسطس 2023، دراسة بعنوان ” قضايا وإشكاليات تحليل محتوى منصات التواصل الاجتماعي: قراءة لمجالات البحث والمنهجية الموظفة وأدوات التحليل” من إعداد الدكتور هشام عطية، عميد كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، حيث هدفت إلى تحليل نماذج نوعية من مختلف الأدبيات البحثية العربية المتعلقة بتحليل محتوى وسائل التواصل، لرصد الإشكاليات التي تواجهها، ونستعرضها على النحو التالي:

  • إشكاليات الموضوعات

استعرضت الدراسة سلسة من الإشكاليات على صعيد الموضوعات المرتبطة بدراسات تحليل محتوى منصات التواصل الاجتماعي، حيث وجدت أن هناك ميلا متزايدا لإعادة إنتاج موضوعات وأفكار تمت معالجتها في الإعلام التقليدي، ولا يتم في هذه الدراسات مراعاة اختلاف بيئة المضمون ووسيلته وخصوصية طرحه، بل والطبيعة غير المؤسسية لتحريره والتفاعل معه في المنصات غالبًا.

وكذلك عدم الالتفات للأولويات البحثية أحيانًا، فلم تقدم عدة دراسات بعدًا وتحليلًا لكيفية استخدام الجمهور الأخبار وكيف تنمو المنصات كمصدر للمعلومات، ولم تقم بتتبع وتحليل نمط تدفق الأخبار الصحيحة والكاذبة ومعدلات مشاركتها ودلالته، وأيضا تأثير وباء تدفق المعلومات غير المحدود على إدراك الجمهور للواقع وأحداثه وسلوكه إزاء ذلك.

بالإضافة إلى غياب دراسات موسعة تضع المحتوى الفردي للمؤثرين في مقابل المحتوى الذي تقدمه قناة أو وسيلة كمؤسسة تجاه نفس الموضوعات، ليتم دراسة التفاعل واتجاهاته والأثر.

ويؤدي ذلك إلى قيام الباحث بوضع الظاهرة المدروسة داخل بنية تحليل أو تفسير قديم، غير لافت في بعض الأحيان إلى أن جوهر المحتوى الجديد في خصوصيته. ومن ثم يضفي عليه توظيفاً منهجياً تقليديًا أو لا يناسبه فتكون النتائج نمطية، ولا تتضمن قيمة نوعية مضافة لفهم المحتوى الجديد.

في ذات السياق، هناك اهتمام بمتابعة موضوعات ترتبط بأزمات، فمثلا فترة جائحة كورونا أفرزت تدفقا غير طبيعي عن دراسة الظاهرة على منصات التواصل والمواقع الطبية لمنظمة الصحة أو وزارة الصحة، وتجاهلت تدفق المحتوى الطوعي لدى الجمهور في الصفحات العادية.

من اللافت أيضًا، الميل في الدراسات المطروحة إلى دراسة مواقع رسمية وهو ما يوفر للباحث إطارا وبيئة تحليل محددة يمسك بسياقها ويسهل تفسير محتواها، لكنه أحيانا يترك قضية بحثية مهمة في مجال منصات التواصل من دون حل، وهو ما يمثل إحجامًا عن بذل جهد كبير في ارتياد فضاء شبه مجهول، يدفع البعض لاختيار مساحة تحليل مريحة جاهزة نسبيًا.

  • إشكالية توظيف أدوات التحليل

خلصت الدراسة إلى أن هناك تركيزاً مفرطاً على توظيف أداة تحليل المضمون، والتي هي أداة الوصف الكمي المنتظم للمحتوى الظاهر بما لا يتناسب مع ما يلي:

  • طبيعة المحتوى على منصات التواصل الذي لا يقدم خطابًا لغويًا أو محتوى فيديو ولا نصًا بشكله المؤسسي، وإنما تغلب عليه تعبيرات فردية ذات أساليب لغوية تتداخل فيها الفصحى والعامية.
  • هناك عدم انتباه واضح لدور التعليقات الموجهة القائدة بحكم طبيعة مضمونها أو لاسم شخصيتها أو دورها المجتمعي أو علاقتها بالمحتوى فيتم تجاهل دورها داخل النصوص، ويتم التعامل معها كغيرها من التعليقات، بمعنى أن تعليقات على بوست أو تغريدة أو فيديو قد يأتي تعليق منها يفرز تفاعلًا مكثفًا، فوزنه النسبي هنا في التحليل التقليدي يقف عند حالة أنه تعليق من بين تعليقات أخرى ولا ينتبه لدوره الضد أو المتمايز أو الموجه.
  • يوجد إحجام عن تحليل دلالة توظيف الأيقونات والوسوم المختلفة والتوقف عند مجرد إحصائها كما هي دون ربطها بمضمونها.
  • يوجد إهمال لتوظيف برامج التحليل التي أصبحت حالة حاضرة في البحوث الغربية فيما يخص تحليل التعليقات والمفردات الأكثر شيوعًا وتكرارًا، وأيضًا تحليل المشاعر المتضمنة بها ودلالة توظيفها في سياق ما دون غيره.
  • عدم بناء آلية موثقة منهجيًا لاختيار المحتوى، حيث تفرض غزارة المحتوى وطبيعة إنتاجه محددات وقيودًا خاصة مع عدم توظيف برامج تحليل لهذا الكم، مما يستدعي فهمًا أكبر وإشكالية مهمة في طريقة اختيار عينات ومفردات المحتوى الخاضع للتحليل.
  • إشكاليات وتحديات منهجية

أما على صعيد الإشكاليات المتعلقة بعملية التحليل، فبينما تغيب الدراسات الإعلامية المصرية التي توظف برامج تحليلية تتعامل مع غزارة المحتوى على منصات التواصل، يوجد عدد محدود من الدراسات العربية التي اجتهدت وطورت تطبيقات لتحليل محتوى وسائل التواصل باللغة العربية، وحددت إشكالية مهمة وحاسمة في مجال تطويع البرامج الغربية للغة العربية وأساليبها وتراكيبها.

كما يلاحظ أن عدة دراسات عربية تحجم عن إيجاد رابط تفاعلي يتم اختباره علميًا وإحصائيًا بين المحتوى المنشور على منصات التواصل وجمهوره، رغم أن قسمًا من فاعلية المحتوى على منصات التواصل هو فردي ويرتبط بطبيعة الجمهور، من حيث التعليق والرؤية وسياقه التفاعلي.

وبجانب ذلك، هناك غياب نسبي واضح لتحليل الهاشتاقات المكثفة وأيضًا التريندات المتداولة والجماهيرية الأعلى ظهورًا من منطلق فهم كيف تبدأ وكيف يتضخم بعضها، وسمات الجدل الداخلي وتوالده فيها، وكيف يتم توجيه نقاط الجدل الفرعي وبناء الموافقة / الاختلاف داخلها، ثم أيضًا كيف يقل ويخفت التفاعل معها وتختفي.

وختامًا، يمكن القول بأن تطوير الأدوات البحثية وتأهيل الباحثين لاستخدام تلك الأدوات والاستعانة بمناهج تلائم طبيعة الإعلام الجديد، تعد متطلبات أساسية من أجل الاستفادة من المحتوى الموجود على منصات التواصل الاجتماعي وإخضاعه للتحليل والخروج بنتائج ذات دلالة تساعد في فهم الجمهور وتوجهاته إزاء القضية محل الدراسة.

زر الذهاب إلى الأعلى