تقارير

دور القنوات التلفزيونية السعودية تجاه قضايا النزاهة ومكافحة الفساد

تعد وسائل الإعلام الجماهيرية المرآة التي تعكس تطلعات المجتمع والجمهور وتعكس رغباتهم واتجاهاتهم وتتطرق إلى مشكلاتهم وتعالجها، كما تساعد على خلق رأي عام ضد التجاوزات والفساد، وإحداث تحولات نوعية في وعي المواطنين بمشاكلهم وقضاياهم لا سيما من خلال القنوات التلفزيونية.

وتتحمل وسائل الإعلام مسؤولية مجتمعية في مكافحة الفساد بجميع أشكاله على اعتبار أنها تمثل السلطة الرابعة في المجتمع بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وبالتالي فهي تشكل سلطة شعبية تعبر عن ضمير المجتمع وتحافظ على مصالحه الوطنية.
ويعتبر الفساد من القضايا الشائكة والخطيرة في المجتمعات، حيث يمتد أثره إلى هدم الخطط التنموية وإهدار ثروات ومقدرات البلاد، ولعل الإعلام هو خط الدفاع الأول تجاه هذه القضايا، حيث تقع عليه مسؤولية كشف الفساد ومعالجته، بالإضافة إلى تعزيز مبدأ النزاهة والصدق، ويأتي ذلك تماشيًا مع رؤية المملكة 2030، حيث تؤدي وسائل الإعلام والتلفزيون فيها دورًا محوريًا ومهمًا في الكشف عن الفساد ومحاربته وحماية النزاهة وتعزيزها، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد مجتمعات تخلو تماما من الفساد، لكن كل ما يمكن فعله هو محاربته قدر الإمكان، وكشفه وعدم الصمت عن مظاهر الفساد الإداري والمالي التي تدمر المجتمعات وتهدر ثرواتها، ولهذا فإن الشباب والجمهور لديه تطلعات محددة واتجاهات عن دور القنوات التلفزيونية السعودية تجاه قضايا الفساد وحماية النزاهة وتعزيزها.
وقد سعت حكومة المملكة العربية السعودية إلى تبني سياسة واضحة لمواجهة الفساد، وعملت على بناء آليات واتخاذ إجراءات عديدة من شأنها الحد من هذه المشكلة، حيث سنت العديد من القوانين والتشريعات واللوائح التي تجرم وتحرم الفساد، وقامت بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” التي حرصت على توجيه الدعوة إلى وسائل الإعلام المحلية بمختلف اتجاهاتها إلى لعب دور كبير ومسؤول في الكشف عن الفساد، ودعم جهود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ولا ينحصر دور وسائل الإعلام على التصدي لظاهرة الفساد، وإنما يتسع إلى لعب دور في التوعية والوقاية والتحصين للمجتمع، وهو ما يزيد من أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام السعودية.
وفي هذا الإطار، سلطت دراسة نشرتها مجلة الدراسات الإعلامية بعنوان “دور القنوات التلفزيونية السعودية تجاه قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد” للدكتور وديع محمد العزعزي أستاذ الإعلام بجامعة أم القرى، والباحث الإعلامي الأستاذ متعب ناصر القثامي، الضوء على طبيعة الدور الذي تقوم به تلك القنوات (الخاصة والحكومية) تجاه قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
مشكلة وعينة الدراسة
تؤدي وسائل الإعلام ممثلة بالتلفزيون دورًا مهمًا في معالجة قضايا المجتمعات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتنموية والاجتماعية، حيث يعد الإعلام السلطة الرابعة التي تسلط الضوء على مكامن الخلل للحث على علاجها، وتأسيسًا على ذلك سعت الدراسة للكشف عن طبيعة الدور الذي تقوم به القنوات التلفزيونية السعودية تجاه قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ودرجة تناولها لموضوعات الفساد ومعالجتها لها، واتجاهات الشباب الجامعي حول ذلك من حيث مدى تناول القنوات للموضوعات بالدرجة الكافية، أو حصر الحديث بقضايا محددة دون أخرى، كما تبحث الدراسة مدى تأثير الدور الذي تقوم به القنوات التلفزيونية السعودية تجاه قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
وتحدد مجتمع الدراسة في الشباب الجامعي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وذلك بعينة بلغت 200 مفردة من الذكور والإناث من مختلف التخصصات ومؤهلي البكالوريوس والدراسات العليا، حيث كان إجمالي نسبة الذكور من التخصص النظري المؤهلين 45%، والتخصص العلمي 53%، والتخصص الطبي 2%، بينما كانت نسبة الإناث من التخصص النظري للمؤهلين 60% والتخصص العلمي 26% والطبي 14%.
واستندت إلى نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، حيث تم استنباط عنوان النظرية من علاقة الجمهور بوسائل الإعلام تأسيسًا على أن الجمهور يعتمد على المعلومات التي تنقلها وسائل الاتصال في المجتمع الحديث، وأن هذه الوسائل لا يمكن الاستغناء عنها، لذلك فإن درجة اعتماد الأفراد على المعلومات التي يستقونها من وسائل الاتصال تعتبر متغيرًا أساسيًا لفهم متى، ولماذا تُغيّر وسائل الإعلام والاتصال معتقدات ومشاعر وسلوك الأفراد.
وتقوم علاقات الاعتماد على وسائل الإعلام على ركيزتين أساسيتين، هما:
– الأهداف: لكي يحقق الأفراد والجماعات والمنظمات المختلفة أهدافهم الشخصية، فإن عليهم أن يعتمدوا على موارد يسيطر عليها أشخاص أو جماعات أو منظمات أخرى والعكس صحيح.
– المصادر: يسعى الأفراد والمنظمات نحو المصادر المختلفة التي تحقق أهدافهم.
نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج نستعرضها على النحو التالي:
بالنسبة لدرجة مشاهدة عينة الدراسة للقنوات التلفزيونية السعودية، أظهرت النتائج أن 58.5% من العينة جاءت درجة مشاهدتهم ضعيفة للقنوات التلفزيونية السعودية، بينما 36.5% بدرجة متوسطة و5% بدرجة كبيرة، وتدل هذه النتائج على وجود قصور واضح من القنوات التلفزيونية السعودية في أداء دورها المنوط بها من خلال مبدأ المسؤولية الاجتماعية، والحفاظ على مقدرات الوطن وثرواته، وذلك بالكشف عن الفساد وتعزيز النزاهة، فالقصور في درجة المشاهدة يعطي دلالة واضحة أن الجمهور لم يجد لديهم ما يشبع رغبته واحتياجاته تجاه المعالجة لقضايا الفساد والكشف عنها؛ لذا اتجه لطرق أخرى بديلة.
كما اتضح أن أكثر الأسباب التي تدفع عينة الدراسة إلى متابعة القنوات التلفزيونية السعودية التي تتناول قضايا تعزيز النزاهة بدرجة كبيرة هو (اكتساب المعرفة والمعلومات حول حجم الفساد) بنسبة بلغت 37.5% ثم في المرتبة الثانية (التعرف على جهود المملكة في مكافحة الفساد والقضاء عليه) بنسبة بلغت 37%، ثم (التعرف على الدور الذي تقوم به القنوات التلفزيونية السعودية تجاه قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد) بنسبة 22.5%، وفي المركز الرابع (التنفيس وتمضية الوقت والهروب من المشكلات) بنسبة 17.5%، وأخيرًا (التفاعل والتواصل مع القنوات التلفزيونية السعودية التي تتناول قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد) بنسبة 14.5%.
وقد تصدرت قضايا الفساد المالي القضايا التي تحرص عينة الدراسة على متابعتها بـ117 تكرارًا، حيث لوحظ أن الذكور هم النسبة الأكبر في تفضيلها بنسبة بلغت 36.2% ثم تلاها بالمرتبة الثانية قضايا الفساد الاجتماعي بـ113 تكرارًا، حيث لوحظ أن الإناث النسبة الأكبر في تفضيلها بنسبة بلغت 55.8%.
وبالنسبة للفرق في حجم التغطية لقضايا الفساد الإداري والمالي والاجتماعي، أظهرت نتائج الدراسة أن حجم التغطية لقضايا الفساد الإداري كان ضعيفًا بنسبة 43%، ومتوسطًا بنسبة 41.5% وكثيفًا بنسبة 15.5%، أما بخصوص قضايا الفساد المالي، فيتضح أن النسبة الأكبر كانت من نصيب حجم التغطية المتوسط، حيث بلغت 50.5%، ومن ثم الضعيف بنسبة بلغت 35.5% والكثيف بنسبة 14%. وفيما يتعلق بقضايا الفساد الاجتماعي فجاءت بحجم تغطية متوسط بنسبة 41% وكبير بنسبة 30% ثم ضعيف بنسبة 29%.
أما عن الشكل البرامجي الأنسب في تناول قضايا الفساد وتعزيز النزاهة من وجهة نظر عينة الدراسة فقد وقع مناصفة بين البرامج الحوارية، وكذلك الأفلام الوثائقية والتسجيلية بنسبة بلغت 42.5% لكل منهما. كما جاءت القناة التلفزيونية الحكومية الأكثر تفضيلاً من قبل عينة الدراسة، حيث بلغت نسبة من يفضلونها 52.5%، مقابل 47.5% للقنوات التلفزيونية الخاصة.
توصيات الدراسة
قدمت الدراسة عددًا من التوصيات من أبرزها ما يلي:
على القنوات التلفزيونية الاهتمام بشكل أكبر بتغطية قضايا الفساد الإداري والمالي وعدم التركيز على قضايا الفساد الاجتماعي فقط.
جذب الجمهور أكثر، وذلك من خلال إشراكه في عملية الإنتاج الإعلامي للبرامج المختلفة وجعله عنصرًا فعالاً، حيث يلاحظ عزوف الجمهور عن مشاهدة القنوات التلفزيونية السعودية.
الاستفادة من نتائج الدراسة من خلال توفير الأشكال البرامجية الأنسب في تناول قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
إجراء القنوات التلفزيونية السعودية دورات لمنسوبيها حول تطوير الأساليب الاستقصائية في عملهم الإعلامي.
الاهتمام بالبحوث والدراسات الميدانية ونتائجها حول طبيعة الدور الذي تقوم به القنوات التلفزيونية تجاه القضايا المجتمعية والوطنية المختلفة لا سيما قضايا تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية تلعب دورًا مهمًا في الكشف عن مظاهر الفساد ومحاربته، كما يقع على عاتقها جهدًا كبيرًا في تعزيز قيم النزاهة، وبالتالي يُعوّل عليها في دعم حملات المملكة ضد الفساد، وفي الوقاية من تلك الآفة من خلال تشكيل القيم داخل المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى