أضحت تقنيات الاتصال الحديثة والآليات المتطورة في نقل المعلومات رافدًا أساسيًّا في بناء منظومة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية، حيث أسهمت في تسهيل إمكانية التواصل الإنساني والحضاري، من خلال شبكة الإنترنت التي أفضت لظهور ما يعرف بـ”المجتمع الافتراضي” بما له من وجود مؤثر على التفاعلات في المجتمع الواقعي.
وفي هذا الإطار، تعتبر الهوية من بين أهم القضايا التي يطرحها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، نظرًا لأن الهوية في المجتمع الافتراضي ليست موثوقة دائمًا، حيث يمكن تزييف اسم الحساب وتسجيل معلومات هوية كاذبة، وبالتالي فإن الملامح الاجتماعية قد تكون مضللة.
وفي ظل الاهتمام الملحوظ من قبل المجتمع السعودي باستخدام موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، ركزت دراسة للدكتور عبد الله عبد المحسن العساف الأستاذ بكلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان “اتجاهات الرأي العام السعودي نحو معالجة قضايا الهوية الوطنية السعودية عبر تويتر” على تحليل اتجاهات الرأي العام السعودي نحو معالجة تويتر لقضايا الهوية الوطنية السعودية، من أجل الخروج بمؤشرات حول اتجاهات الجمهور السعودي نحو وسائل الإعلام الجديد في تعاملها مع الموضوعات والقضايا ذات الصلة بالهوية الوطنية السعودية، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
مشكلة الدراسة وأهدافها ومنهجيتها
سعت الدراسة إلى تحقيق العديد من الأهداف التي توضح أبعاد المشكلة البحثية، ومن أبرزها التعرف على معدلات استخدام الجمهور السعودي لموقع تويتر، ورصد القضايا المهمة التي يتعرض لها الرأي العام السعودي عبر تويتر وبخاصة قضايا الهوية الوطنية، وكذلك تحديد اتجاهات الرأي العام السعودي نحو قضايا الهوية الوطنية، بجانب التعرف على اتجاهاته نحو معالجة موضوعات الهوية الوطنية عبر تويتر، وتحديد مدى تأثر الرأي العام السعودي بمعالجة موضوعات الهوية الوطنية عبر هذه المنصة.
واعتمدت الدراسة على “منهج المسح-Method Survey “، حيث أجريت على عينة قوامها 400 مفردة من الذكور والإناث من أفراد المجتمع السعودي المستخدمين لموقع التدوينات القصيرة “تويتر”، والمتنوعين في فئاتهم العمرية والتعليمية، وقد جاء تمثيل الذكور في العينة بنسبة 61% مقابل 39% للإناث.
كما استخدمت الدراسة مقياسًا مكونًا من 10 عبارات ما بين الإيجابية والسلبية لقياس اتجاهات الرأي العام السعودي نحو معالجة تويتر لقضايا الهوية الوطنية السعودية.
الرأي العام ومصداقية تويتر في تناول موضوعات تتعلق بالهوية الوطنية
وأظهرت الدراسة ترتيب المصادر الإعلامية التي يعتمد عليها المبحوثين في الحصول على المعلومات المتعلقة بقضايا الهوية الوطنية السعودية، إذ جاءت مواقع التواصل الاجتماعي في الصدارة بنسبة 38% ثم الصحف بنسبة 26,3%، تليها القنوات الفضائية بنسبة 22,5 %، ثم الاتصال الشخصي بنسبة 10%، وفي المرتبة الأخيرة الإذاعة بنسبة 3,3%.
وبالنسبة لإسهام مواقع التواصل الاجتماعي في تكوين الرأي العام السعودي تجاه قضايا الهوية الوطنية، احتل موقع تويتر المرتبة الأولى بنسبة 34,3%، ثم فيسبوك بنسبة 29,75%، ثم جوجل بلس بنسبة 28%، تلاه يوتيوب بنسبة 6 % وأخيرا “ماي سبيس” بنسبة 2%.
أما عن مدى متابعة أفراد العينة لقضايا الهوية الوطنية السعودية، فأظهرت الدراسة أن 59,8% يتابعون قضايا الهوية الوطنية بشكل دائم، بينما ذكر 3.38 % من العينة أنهم يتابعونها أحيانا، فيما قال 2% إنهم يتابعونها بشكل نادر.
وتعددت الأسباب التي تقف خلف اعتماد الجمهور على منصة تويتر في تكوين رأي عام حول قضايا الهوية الوطنية السعودية، إذ جاء انفرادها ببعض الحقائق والمعلومات التي لا تعرض في المصادر الأخرى بنسبة 26,3 %، وفي المرتبة الثانية موضوعيتها وتوازنها وعدم انحيازها بنسبة 23 %، يليها التغطية الفورية للأحداث بنسبة 18%، وتقديم تحليل وتفسير للحدث بنسبة 14%، ثم دقة المعلومات التي تقدمها بنسبة 11 %، ثم مستوى الصدق بها بنسبة 9%، وأخيرًا تنوع الآراء بنسبة 8 %.
أما عن رأي الجمهور السعودي عينة الدراسة بخصوص مصداقية تويتر في تناول موضوعات تتعلق بتكوين رأي عام تجاه الهوية الوطنية السعودية، جاء في المرتبة الأولى أن تويتر يعبر الآن عما تشهده الساحة بصدق وموضوعية عن قضايا الهوية الوطنية السعودية بمتوسط حسابي 2,8 وهو قادر على تكوين رأي عام إيجابي تجاه الهوية الوطنية، ثم في المرتبة الثانية “وجود خلط بين الرأي والخبر عند عرض الموضوعات المتعلقة بالهوية الوطنية السعودية” بمتوسط حسابي 2,7، ثم في المرتبة الثالثة “أرى أن تويتر أكثر وسيلة يمكن أن أعتمد عليها في تشكيل رأيي حول الهوية الوطنية السعودية” بمتوسط حسابي 2,6.
نتائج وخلاصات الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة أن الرأي العام السعودي يستخدم شبكة تويتر بكثافة لاستقاء المعلومات حول قضايا الهوية الوطنية سواء ما يتعلق منها بالاكتشافات الأثرية، أو الموقع الجغرافي أو الاعتماد على الكفاءات السعودية من خلال السعودة، أو ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، وقضايا الانتماء، مشيرة إلى أن الرأي العام السعودي يجد في التغريد عبر تويتر منصة إلكترونية فعّالة للتعبير عن آرائه بشأن القضايا المهمة في المملكة وعلى رأسها قضايا الهوية الوطنية.
كما تُشير نتائج الدراسة إلى أن تويتر كانت له تأثيرات معرفية، ووجدانية، وسلوكية ملموسة في الرأي العام السعودي، بما يؤكد أن المنصة أحدثت تغييرًا في واقع المجتمع السعودي، وأسهمت في مزيٍد من مشاركة الرأي العام السعودي في مناقشة القضايا المجتمعية المهمة ومن أبرزها قضايا الهوية الوطنية.
في الوقت ذاته، أثبتت الدراسة صدقية المقولات العلمية لنموذج “تشكيل الاتجاهات- Model Formation Attitude” بشأن حجم النقاش حول القضايا المهمة، ومستويات الثقة التي يوليها الرأي العام السعودي في تويتر.
لكن على الرغم من التأثيرات المعرفية والوجدانية لتويتر فإن الرأي العام السعودي كانت لديه اتجاهات سلبية نحو المنصة فيما يتعلق بوجود خلط بين الرأي والخبر حال عرضها للموضوعات المتعلقة بالهوية الوطنية السعودية، وكذلك غياب المسؤولية المهنية والأخلاقية لدى القائمين على تويتر عند التعرض للقضايا الخلافية التي ترتبط بقضايا الهوية الوطنية بالمملكة.
كما تؤكد نتائج الفروض العلمية للدراسة على وجود ارتباطات إيجابية بين اعتماد الرأي العام على تويتر واتجاهاته نحو معالجة المنصة لقضايا الهوية الوطنية السعودية مما يعكس مستويات الوعي المتزايدة لدى الرأي العام السعودي بالإشكاليات المرتبطة بعدم دقة المعلومات التي تتداولها منصات التواصل الاجتماعي حول القضايا المهمة في المملكة، كما تؤكد النتائج ذاتها صحة المقولات العلمية لنموذج تشكيل الاتجاهات، والتي تشير إلى أن خصائص الرأي العام تُعد المتغير الأبرز في تحديد تأثيرات الإعلام الاجتماعي أو البديل، ويتمثل ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تويتر.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن قضايا الهوية الوطنية وما تنطوي عليه من مكونات معقدة ترتبط بالعلاقة ما بين الفرد والمجتمع تُعد من القضايا المصيرية التي يحرص الرأي العام على التعبير العلني عن آرائه بشأنها، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية اتجاهًا متزايدًا من قبل الرأي العام في مختلف دول العالم للتعبير العلني عن آرائه في قضايا الهوية الوطنية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
لذلك من الأهمية بمكان التوسع في تلك النوعية من الدراسات سواء عبر تطبيقها على عينات أكبر حجمًا لضمان قدر أكبر من تمثيل المجتمع موضع الدراسة، أو عقد دراسات مقارنة بين منصات مختلفة وقياس أثرها على مسألة الهوية الوطنية من خلال استكشاف الأدوات التي تمكن تلك المنصات من التفاعل مع قضايا الهوية الوطنية.