قراءات

استخدامات الطفل السعودي لشبكات التواصل الاجتماعي والإشباعات المتحققة منها

يحظى الإعلام الجديد بسمات تميزه عن الإعلام التقليدي تسهل له استقطاب الجماهير، وهو ما يتجسد في وسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت تغييرًا جذريًّا في مصادر الأخبار والترفيه وغيرهما لدى المتلقين، ولم يقتصر هذا الاستقطاب على الشباب بل امتد إلى الأطفال، الذين بات لديهم حيز يشغلونه في عالم التواصل الاجتماعي، ويعود ذلك إلى توفر الأجهزة الذكية وسهولة امتلاكها، بالإضافة إلى حب الاستكشاف والاطلاع وما تتسم به هذه المرحلة العمرية من خصائص تهيأهم لذلك.

وفي هذا الإطار، ركزت أطروحة ماجستير للباحثة مروى فهد مبارك البريك بعنوان استخدامات الطفل السعودي لشبكات التواصل الاجتماعي والإشباعات المتحققة منها.. دراسة مسحية على عينة من المدارس الابتدائية في الرياض، على استكشاف علاقة الطفل بالشبكات الاجتماعية وأسباب انجذاب الأطفال لها، وفهمطبيعة هذا الاستخدام وماهية الإشباعات المتحققة لديهم، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:

أهداف ومنهج الدراسة
تهدف الدراسة بشكل أساسي إلى التعرف على استخدامات الأطفال لشبكات التواصل الاجتماعي والإشباعات المتحققة، ويرتبط بذلك الهدف الرئيسي، مجموعة من الأهداف الفرعية تتمثل في التعرف على الخصائص الديموغرافية للأطفال مستخدمي الشبكات الاجتماعية، وأهم شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا لدى الأطفال، والكشف عن أساليب وأوقات استخدامهم لشبكات التواصل الاجتماعي، بجانب التعرف على دوافع تعرض الأطفال للشبكات الاجتماعية، وإشباعات استخدام الأطفال لهذه الشبكات.

بالإضافة إلى التعرف على طبيعة العلاقة بين متغير النوع من جهة، ومتغيرات الاستخدام والإشباع من جهة أخرى، وكذلك دلالة الفروق الإحصائية في دوافع التعرض النفعية والطقوسية لدى الأطفال عينة الدراسة.

وقد طبقت الدراسة على عينة عشوائية متعددة المراحل من طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية للمدارس الحكومية والأهلية بمدينة الرياض بالتعاون مع إدارة التعليم بالمدينة للفئة العمرية من 9 إلى 12 سنة وهم غالبًا طلاب وطالبات الصف الرابع إلى السادس الابتدائي، بحيث تكون مدرسة للبنات ومدرسة للبنين للحي الذي جرى اختياره عشوائيًّا في كل منطقة من مناطق الرياض وسط وشمال وشرق وجنوب وغرب بحسب تقسيم إدارة التربية والتعليم للمدارس في الرياض، وشملت الدراسة 20 طالبًا أو طالبة من كل مدرسة بإجمالي 200 طالب وطالبة من المدارس العشر.

واستخدمت الدراسة الاستبانة بالمقابلة الشخصية من خلال تجميع البيانات من المبحوثين، بمباشرتهم وجهًا لوجه من جانب القائم بإجراء المقابلة، وذلك من أجل تحقيق أهداف البحث والإجابة على تساؤلاته باعتبار عينة البحث في مرحلة عمرية صغيرة، ولضمان أن يكون جمع البيانات يتسم بالصدق.

نتائج الدراسة

أوضحت الدراسة أن جميع المبحوثين من الطلاب والطالبات الذين شملتهم الدراسة وبنسبة 100% يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، وكان أكثر الشبكات الاجتماعية التييفضلها الأطفال هي اليوتيوب بنسبة 85,5%، يليه سناب شات بنسبة 63,5%، ثم إنستجرام بنسبة 53%، وفي المرتبة الرابعة تويتر بنسبة 11%، وأخيرًا فيسبوك بنسبة 8,5%، بينما أعرب 19,5% من عينة الدراسة عن تفضيلهم شبكات أخرى في مقدمتها “واتساب”.

أما عن أساليب وأوقات استخدام الشبكات الاجتماعية لدى الأطفال، أظهرت الدراسة أن 45,5% من عينة الدراسة يقضون من ساعة إلى ساعتين في الشبكات الاجتماعية يوميًّا، بينما يقضي 23% من عينة الدراسة من 3 إلى 5 ساعات يوميًّا، فيما يقضي 18,5% أقل من ساعة يوميًّا في الشبكات الاجتماعية، ويقضي 13% أكثر من خمس ساعات يوميًّا.

وتشير النتائج إلى أن نسبة المبحوثين من ذوي الاستخدام الكثيف للشبكات الاجتماعية من ثلاث ساعات فأكثر تمثل 36% وهي نسبة كبيرة ومؤشر على أن المستويات المرتفعة لاستخدام الشبكات لم يعد مقصورًا على فئة الشباب وكبار السن، وإنما بدأت تشمل حتى فئة الأطفال.

كما أظهرت نتائج الدراسة أن الجوال أكثر الوسائل التييستخدمها الأطفال في متابعة الشبكات الاجتماعية، بنسبة 55%، يليه الحاسب اللوحي بنسبة 39%، ثم الكمبيوتر المحمول “لاب توب” بنسبة 5%، وأخيرًا الحاسب المكتبي بنسبة 1% فقط.

وكشفت الدراسة تعدد الفترات اليومية التي يستخدم فيها الأطفال شبكات التواصل الاجتماعي، فأغلب عينة الدراسة 63% قالوا إنه ليس هناك وقت محدد لاستخدام الشبكات، كما أفاد أغلب عينة الدراسة بأنهم يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي بمفردهم بنسبة بلغت 89,5%، بينما10,5% من عينة الدراسة يستخدمونها بمساعدة أشخاص آخرين مثل الأم  والأخ أو الأخت أو أحد الأقرباء.

وخلصت الدراسة أيضًا إلى أن ما تحققه الشبكات الاجتماعية للأطفال عينة الدراسة من إشباعات تتمثل في حصولهم على قدر من التسلية والترفيه في المرتبة الأولى، ثم شغل أوقات فراغهم في المرتبة الثانية.

في ذات الإطار، توصلت الدراسة إلى عدم وجود فروق ذات دلالة في معدل استخدام الأطفال عينة الدراسة للشبكات الاجتماعية تبعًا لاختلاف نوع المدرسة أو العمر أو المرحلة الدراسية أو المستوى الدراسي، فيما أثبتت أن الإناث أعلىفي معدل استخدام الشبكات الاجتماعية من الذكور.

كما وجدت الدراسة أن طلاب وطالبات المدارس الأهلية والحكومية عينة الدراسة لم تختلف بينهم الدوافع باختلاف نوع مدارسهم، وأن الفروق بين دوافع الأطفال النفعية والطقوسية للتعرض للشبكات تبعًا لمتغيرات العمر والمرحلة الدراسية والمستوى الدراسي لم تكن جوهرية.

في المقابل، أثبتت الدراسة أن طلاب المدارس الأهلية أعلىفي الإشباعات التي تحققت لهم من استخدام الشبكات الاجتماعية عن طلاب المدارس الحكومية، كما أن الإناث أعلى في الإشباعات المتحققة عن الذكور.

وخلصت أيضًا إلى أن المستوى الدراسي لا يؤثر على الإشباعات التي حققها استخدام الشبكات الاجتماعية لدىالأطفال عينة الدراسة، ويرجع ذلك إلى تقارب المستوى الدراسي إلى حد ما للأطفال عينة الدراسة.

توصيات الدراسة

وضعت الدراسة مجموعة من التوصيات استنادًا إلى النتائج التي توصلت إليها، وتمثلت تلك التوصيات فيما يلي:

التوسع في الدراسات المتعلقة بالطفل والشبكات الاجتماعية باستخدام أدوات بحثية متنوعة مثل تحليل المحتوى للشبكات الاجتماعية، واستخدام مناهج بحثية متنوعة.
دراسة متغيرات مختلفة لها علاقة بالطفل والشبكات الاجتماعية، مع التعمق في ذلك مثل دور الأسرة.
توجيه الاهتمام إلى الشبكات الاجتماعية ودورها في العملية التربوية التعليمية وتوظيفها بشكل جذاب لخدمة أهداف التربية والتعليم للأطفال في المملكة العربية السعودية.
تركيز الباحثين في التخصصات العلمية الأخرى أو المهتمين بالمشاريع التجارية الموجهة للطفل على الاهتمام والاستفادة من نتائج دراسات الطفل والشبكات الاجتماعية لخدمتهم في اختيار المكان المناسب لإعلاناتهم أو التسويق لمنتجاتهم أو اختيار مواضيع بحثية في مجالاتهم.
دراسة السبل المناسبة لتوعية المعلمين وأولياء الأمور في تطبيق أساليب التربية الإعلامية الصحيحة للإشراف على الأطفال في استخدامهم للشبكات الاجتماعية.
أهمية حرص أولياء الأمور على متابعة وتوجيه أبنائهم وبناتهم للاستخدام المفيد للشبكات، والبعد عن المخاطر التي قد يتعرضون لها بسبب الاستخدام المنفرد.

وتأسيسًا على ما سبق، تسلط تلك الدراسة الضوء على عنصرين في غاية الأهمية بالنسبة لاستخدامات الطفل لشبكات التواصل الاجتماعي،الأول يتعلق بتحديد المنصة الأكثر استخدامًا يوتيوب- ما يساعد في توفير مسار يمكن من خلاله تمرير رسائل تتعلق بالقيم والأخلاق وتربية النشء عبر محتوى يتلاءم مع طبيعة تلك المنصة سواء في صورة برامج أو حملات دعائية.

أما العنصر الثاني، فيتمثل في عدم وجود وقت محدد لاستخدام الأطفال لشبكات التواصل الاجتماعي، وهي مسألة تتطلب توعية مجتمعية واسعة يشارك فيها الآباء والمعلمون بهدف ترشيد استخدام الأبناء والطلاب لتلك الشبكات لتقليص الآثار السلبية التي تنعكس عليهم حال الإفراط في قضاء وقتهم في الحياة الافتراضية في ذلك الفضاء الرقمي الذي قد يفرض عليهم عزلة عن الواقع،وإهدارًا للوقت قد يترتب عليه تعثر في مسارهم الدراسي، هذا فضلًا عن أهمية تطوير نمط أسري جماعي لاستهلاك وسائل التواصل الاجتماعي يقومعلى التشارك بدلًا من الاستخدام المنفرد لكل عضو في الأسرة لتلك المنصات. فمما لا شك فيه أن ذلك التشارك يعد ضمانة للحفاظ على الأبناء، حيث يتيح للآباء الاطلاع على المحتوى الذي يتابعهأبناؤهم والتدخل لتصحيح المفاهيم المغلوطة من خلال النصح والتوجيه.

زر الذهاب إلى الأعلى