ترجمات

ماذا بعد الحرب التجارية؟

من السهل جدًا أن نضيع في خضمّ الفوضى اليومية لحرب التجارة العالمية، أيّ تعريفة تضاعفت؟ أيّ صفقة تمّ إبرامها ظاهريًا؟ لماذا لم تعد بعض شرائح أشباه الموصلات خاضعة لضوابط التصدير؟ هذه التقلبات والمنعطفات اليومية تُحرّك الأسواق وتُشكّل عناوين الأخبار. والأهم من ذلك، الاتجاهات الأساسية التي ستُحدّد الاقتصاد الدولي، ودور الولايات المتحدة فيه، على المدى الطويل، لكن السؤال الأهم هو ماذا بعد الحرب التجارية؟ وهو ما سعى مايكل فورمان رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي للإجابة عنه في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، نستعرضه على النحو التالي:

  • نظام التجارة العالمي

ينطلق المقال من فكرة مفادها أن نظام التجارة العالمي كما عرفناه قد انتهى، حيث توقفت منظمة التجارة العالمية فعليًا عن العمل، إذ فشلت في التفاوض أو مراقبة أو إنفاذ التزامات الأعضاء. كما يتم التخلي عن مبادئ أساسية مثل وضع “الدولة الأكثر رعاية” – الذي يُلزم أعضاء المنظمة بمعاملة بعضهم البعض على قدم المساواة إلا في حالة التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة-، حيث تهدد واشنطن أو تفرض تعريفات جمركية تتراوح بين %10 وأكثر من 50% على عشرات الدول.

وتعكس كل من استراتيجية “أمريكا أولاً” التجارية، واستراتيجيتي “التداول المزدوج” و”صنع في الصين 2025″ الصينيتين، تجاهلًا صارخًا لأي مظهر من مظاهر النظام القائم على القواعد، وتفضيلًا واضحًا لنظام قائم على القوة ليحل محله. وحتى لو تمكنت أجزاء من النظام القديم من البقاء، فإن الضرر قد وقع ولا رجعة فيه.

وعلى هذا فإن الخطوة الأولى نحو نظام اقتصادي دولي جديد هي الاعتراف بأن النظام التجاري العالمي كما عرفناه انتهى. فالعودة إلى الوضع الراهن مستحيلة في ظل التزام كل من الولايات المتحدة والصين بقواعدهما الخاصة، لكن زوال النظام التجاري العالمي القائم على القواعد لا يعني القبول بعالم قائم على تفضيل الذات كوضع طبيعي جديد.

  • التحدي المستقبلي

يكمن التحدي المستقبلي في وضع قواعد مشتركة بين الدول المتشابهة في التفكير، متى وأينما أمكن، وهذا أمر بالغ الأهمية للولايات المتحدة بقدر أهميته للاقتصادات الأخرى. فإذا ثبت أن النهج الأحادي الجانب والتجاري للولايات المتحدة والصين مُعد، وبدأت دول أخرى في التصرف بطريقة مماثلة، فقد نجد أنفسنا مجددًا في وضع يشبه إلى حد كبير فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، عندما كانت التجارة تُستخدم كسلاح بين الدول. ونعلم إلى أين يمكن أن يؤدي ذلك في النهاية.

وحتى في غياب هذا الصراع، قد يؤدي التوجه نحو تزايد الحمائية والدعم وفك التكامل إلى تباطؤ النمو العالمي، مما قد يؤثر سلبًا على الصادرات الأمريكية وعلى الشركات والعمال والمزارعين الأمريكيين الذين ينتجون هذه الصادرات والتي بلغ إجماليها في عام2024  حوالي 3.2 تريليون دولار.

وبهذا يكون قد تم الانتقال من عالم سعت فيه معظم الاقتصادات إلى تقليل مخاطر الاعتماد المفرط على الصين إلى أن تفكر هذه الاقتصادات الآن أيضًا في تقليل مخاطر الاعتماد على الولايات المتحدة.

ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة لا تزال سوقًا جاذبة للغاية واقتصادًا مرنًا، ولكن ينبغي توقع رؤية دول أخرى تسعى إلى توسيع نطاق التجارة مع شركاء آخرين لتنويع شراكاتها. وحتى الآن، لم نشهد سوى ردود فعل انتقامية ضئيلة نسبيًا على إجراءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية، لكن هذا الوضع قد يتغير مع بدء تأثير الرسوم، فللدول الأخرى أيضًا سياساتها الخاصة، وللتجارة دورها في إثارة ردود فعل سياسية محلية نظرًا لتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على فئات معينة من الناخبين. كما أن أحد الأمور التي باتت واضحة بشكل متزايد هو اعتماد الولايات المتحدة على الدول الأخرى، وخاصةً الصين، على سبيل المثال لا الحصر.

لقد أمضت الصين السنوات القليلة الماضية في اكتساب فهم متعمق لمواطن نفوذها على الاقتصادات الأخرى، وأظهرت من خلال القيود المفروضة على المغناطيس والمعادن الأساسية، مدى نفوذها بالضبط.

  • إلى أين نتجه؟

الحنين إلى الماضي ليس استراتيجية؛ وكذلك الأمل. فعالم بلا قواعد هو عالم ينطوي على مخاطر كبيرة، لذلك نحن بحاجة إلى التفكير في استراتيجية عملية قائمة على “التعددية المفتوحة” أي مجموعات من الدول ذات التفكير المماثل تتحد لوضع مجموعة من القواعد التي تعكس الحقائق الجديدة.

وستكون هذه “تحالفات طموحة” تتشارك الاهتمامات في مجالات محددة، وتجتمع لاعتماد معايير عالية في قضايا محددة. والأهم من ذلك، أن التحالفات ستكون مفتوحة، بحيث يمكن للدول الأخرى التي تتشارك الاهتمامات نفسها والمستعدة لتطبيق هذه المعايير الانضمام إليها.

بالنسبة لبعض البلدان، قد يتمثل ذلك في تحرير التجارة وفتح الأسواق وتكامل الاقتصادات. فقد انضمت بريطانيا إلى اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي يفكر في الانضمام أيضًا، لكن من غير المرجح أن تفعل الولايات المتحدة ذلك في أي وقت قريب.

بالنسبة لواشنطن، هناك قيمة في جمع البلدان لتبني وجهات نظر مشتركة حول التحكم في تصدير التقنيات الرئيسية، وتطوير سلاسل توريد آمنة، ووضع مبادئ لاستخدام السياسة الصناعية والدعم الحكومي، وتنسيق المنافسة مع الصين. قد تكون هناك فرصة جيدة لجمع البلدان معًا لوضع قواعد للذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى أو للاقتصاد الرقمي بشكل عام.

وأخيرًا، إن التطبيق واسع النطاق للذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى إلغاء عشرات الملايين من الوظائف، ولذلك بينما يجري تركيز الاهتمام حاليًا على التعريفات الجمركية، ينبغي على صانعي السياسات تكريس جهد مماثل على الأقل للتحضير لإعادة هيكلة القوى العاملة الأمريكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى