تحليل

قراءة في دلالات اجتماع قادة مؤتمر ميونيخ للأمن بالعُلا

في خطوة تعكس دور المملكة العربية السعودية كمنصة للحوار الدولي في مجالي الأمن والسياسة، شهدت مدينة العُلا انطلاق اجتماع قادة مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي يركز على الوضع الأمني ​​في الشرق الأوسط وتداعياته الجيوسياسية، حيث يجمع نخبة مختارة من حوالي 100 مشارك رفيع المستوى، مستهدفًا ربط القادة الأوروبيين والأمريكيين بنظرائهم في الشرق الأوسط وخارجه.

وعبر فعالياته التي تنعقد على مدى يومين، يتناول الاجتماع العديد من الملفات المهمة من أبرزها القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني، ومستقبل سوريا، وأمن البحر الأحمر والطاقة، وكذلك الحرب في أوكرانيا، وأمن الغذاء والمناخ، فضلًا عن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجالات الطاقة والتعاون الاقتصادي.

يمثل هذا الاجتماع ترجمة عملية لالتزام المملكة بدعم الأمن والسلم الدوليين، وتعزيز الحوار متعدد الأطراف، وبنظرة أشمل يمكن اعتباره حلقة جديدة ضمن الجهود السعودية المتواصلة خلال الأشهر والسنوات الأخيرة في قيادة مبادرات ووساطات دبلوماسية مختلفة بهدف حلحلة أزمات إقليمية ودولية وإعادة الاستقرار.

كما تنبع أهمية انعقاد الاجتماع في العُلا من أنه يعمق النقاش حول حلول السياسات الأمنية وبناء الثقة، في وقت يتسم فيه الوضع بمنطقة الشرق الأوسط بعدم الاستقرار ويتزايد فيه خطر التصعيد مع تداعيات بعيدة المدى على الأمن العالمي.

  • تطبيق عملي لدبلوماسية المؤتمرات في العلاقات الدولية

تمثل استضافة مدينة العُلا لاجتماع قادة مؤتمر ميونيخ للأمن تطبيقًا عمليًا لتبني المملكة لدبلوماسية المؤتمرات وهو ذلك النمط من الدبلوماسية الذي تستخدم فيه المؤتمرات أو القمم الدولية كوسيلة لإجراء مفاوضات دبلوماسية ومعالجة القضايا العالمية، حيث تجمع هذه المؤتمرات ممثلين من دول متعددة لمناقشة قضايا متنوعة والتفاوض بشأنها، بدءًا من السياسات الاقتصادية والبيئية وصولًا إلى قضايا السلام والأمن.

وتتخذ دبلوماسية المؤتمرات أشكالًا متعددة، بدءًا من القمم الدولية واسعة النطاق كاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أو المحدودة بإطار معين من الدول مثل مجموعة العشرين، وصولًا إلى مؤتمرات أكثر تخصصًا تتناول مواضيع محددة، كالقضايا الأمنية أو التجارية أو الثقافية. وتتيح هذه المؤتمرات فرصة لممثلي الدول والحكومات للالتقاء لتبادل وجهات النظر والأفكار والتفاوض من أجل التوصل إلى حلول للتحديات العالمية المُعقدة.

ورغم أن المؤتمرات قد لا تُسفر دائمًا عن نتائج ملموسة، فإنها تُمثل منتديات مهمة لبناء العلاقات، ودفع جداول الأعمال، ووضع أهداف مشتركة بين الدول المشاركة فيها. وقد استُخدمت دبلوماسية المؤتمرات لمعالجة مجموعة واسعة من القضايا العالمية، بما في ذلك تغير المناخ، ونزع السلاح النووي، والتجارة الدولية، وحقوق الإنسان. كما تم استخدامها كوسيلة لحل النزاعات، حيث كانت المؤتمرات بمثابة منصة لمحادثات السلام والمفاوضات.

  • الحوار والتعاون في نهج السياسة الخارجية السعودية

يُعزز اجتماع قادة مؤتمر ميونيخ للأمن في العُلا من مكانة السعودية كمنصة للحوار الدولي وكحاضنة لدبلوماسية المؤتمرات التي تعد أداة مهمة لإدارة الدبلوماسية الدولية ومواجهة التحديات العالمية، ووسيلة فعالة لتعزيز الحوار وبناء العلاقات وتحقيق الأهداف المشتركة بين الدول.

كما أنه يجسد سمة أساسية من سمات السياسة الخارجية السعودية وهي الاهتمام بتعزيز لغة الحوار وفتح قنوات اتصال متعددة لتبادل وجهات النظر مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في القضايا ذات الأولوية، من أجل تعزيز التوافق وحلحلة الخلافات، بجانب تبني نهج استباقي في مواجهة التحديات والتهديدات التي تقوض الأمن والاستقرار وتعطل مسيرة المجتمعات نحو التنمية والتطور.

ويبرز الاجتماع أيضًا انفتاح السعودية على جميع الفاعلين الدوليين، سواء كانوا دولًا أو منظمات، فضلًا عن أنه يوفر مجالًا لشرح رؤية السعودية وأهدافها، خاصة فيما يتعلق بالدبلوماسية والسياسة الخارجية أو نظرتها لكيفية تحقيق استقرار الأسواق العالمية.

  • رسائل سعودية إلى المجتمعين الإقليمي والدولي

شكل اجتماع قادة مؤتمر ميونيخ للأمن، منصة دولية مهمة وجهت من خلالها المملكة عددا من الرسائل إلى المجتمعين الإقليمي والدولي وهو ما يمكن استخلاصه من مضامين حديث وزير الخارجية سمو الأمير فيصل بن فرحان في الجلسة الافتتاحية، وذلك على النحو التالي:

  • التعاون المشترك والعمل الحكيم أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
  • وقوع منطقة الشرق الأوسط في صميم العديد من التحديات العالمية.
  • استعداد المملكة للانخراط بشكل بناء في معالجة القضايا المُلحة في المنطقة.
  • التأكيد على أن استمرار الحوار والتعاون يُمكن من معالجة أكثر القضايا تعقيدًا.
  • الإشارة إلى أن تحقيق التقدم يتم من خلال العمل الجماعي والمسؤولية المشتركة.

وتعكس تلك العناصر عددا من الركائز الأساسية للسياسة الخارجية السعودية تتمثل في العقلانية والاعتدال، والسعي إلى تعزيز الأمن والسلم الإقليمي والعالمي عبر اعتماد الحوار والتعاون مع الدول الفاعلة والمعنية بكل قضية أو أزمة من أجل تحقيق حالة من الوفاق يتم من خلالها ليس فقط تسوية الأزمة أو الخلاف بل إرساء أسس للاستقرار.

وختامًا، يمكن القول إن الرؤية الاستراتيجية الثاقبة للقيادة الرشيدة، حفظها الله، وتوجهات السياسة الخارجية السعودية وحركة دبلوماسيتها على مدى السنوات القليلة الماضية أدت لتعاظم مكانة وتأثير المملكة على الساحة الدولية، فباتت من أبرز المراكز للحركة الدبلوماسية النشطة على خريطة العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى