يُعد مُقدم البرامج التلفزيونية من الركائز الأساسية في المجال الإعلامي، وعنصرًا محوريًا مؤثرًا في نجاح أو فشل العمل، كونه يُمثل الواجهة المعبرة عن هوية القناة وتوجهاتها الفكرية، وعنصر الربط بين البرنامج والجمهور، والناقل للرسالة الإعلامية التي تُسهم في التثقيف والتوعية وتشكيل أو تغيير أو ترسيخ المعاني.
ويتطلب الظهور الفعّال لمقدم البرامج كثيرًا من المهارات المهنية والتواصلية، منها على سبيل المثال وليس الحصر مهارات لغوية وتوظيف جيد للغة الجسد وتعابير الوجه، وقدرة على تنظيم الوقت وإدارة الحوار، وصنع علاقة خاصة مع الضيف تمزج بين القرب والود الذي يُتيح أريحية للأخير في الحديث من جانب، وبين الجدية في العمل من جانب آخر، فضلًا عن الإلمام والإعداد الجيد للقضايا والموضوعات محل التناول.
وانطلاقًا مما سبق، ونظرًا لحرص مركز القرار للدراسات الإعلامية على التعرض لمختلف عناصر العملية الإعلامية، فقد أجرى المركز تحليلًا سيميولوجيًا لأداء مقدم البرامج في مجموعة (mbc) يوسف الغنامي، وذلك بناءً على رصد ومتابعة عدد من لقاءاته الإعلامية بلغ (25) لقاءً.
وقد أظهرت نتائج التحليل ما يلي:
- الشكل الظاهري
يتسم الظهور الإعلامي للأستاذ يُوسف الغنامي بالوقار، ومن مظاهر ذلك حرصه على ارتداء الزي الرسمي السعودي الذي يعكس اعتداده بالهوية الوطنية؛ وجلوسه بثبات في وضعية مستقيمة ترمز إلى الثقة والاطمئنان، وحفاظه على وجود ابتسامة خفيفة غير مبالغ فيها خاصة خلال تقديمه لضيف الحلقة مما يُكسب اللقاء نوعًا من الود والأريحية. وقد أسهمت تلك العناصر في غلبة الطابع الهادئ والمتزن على لقاءات الغنامي الذي يُجسد النموذج المهني الحافظ.
وبشكل عام، يُمكن القول إنه يوجد تناسق بين المظهر الرسمي الوقور وبين الطابع الهادئ الذي يتبعه الغنامي في لقاءاته، مما يُشير إلى تكامل الشكل والأداء، وغياب التناقض البصري أو السيميائي. ويُعد هذا التناسق غاية في الأهمية، كون الشكل الظاهري هو أول رمز بصري يُقرأ في الإعلام المرئي.
- النبرة والإيقاع الصوتي
يتميز الأداء الصوتي ليوسف الغنامي بالوضوح في مخارج الألفاظ، والقوة والثقة في التحدث، وقد ظهر حرصه على أن يكون البناء اللغوي لكلماته منضبطًا وسليمًا، وراعى التوازن في طول الجمل والاعتدال في سرعة الإلقاء، واستخدام وقفات بينية في مواضع مناسبة لا تُخل بالمعنى، مع تنظيم النفس، فضلًا عن عدم الإسهاب في طرح السؤال.
وأنعم الله تعالى على الغنامي بصوت رخيم، وظّفه بشكل جيد ليخدم أدائه الرصين والجاد، وساعده في ذلك قدرته على تنويع طبقات صوته من خلال تصعيد النبرة في المواضع المهمة لجذب الانتباه ومنع الرتابة والملل.
- الإيماءات وحركة الجسد
جاءت لغة الجسد ليوسف الغنامي منضبطة ومتوافقة مع طبيعة أدائه، إذ لجأ إلى استخدام حركة اليدين بشكل وظيفي محسوب يدعم المعنى المراد إيصاله، فلم يكن مبالغًا في الاعتماد عليها، وفي الوقت ذاته لم تكن ساكنة تمامًا حد الجمود.
وفيما يتعلق بتعابير الوجه، فقد حرص على أن تكون محايدة لتتوافق مع طبيعة لقاءاته، وتتمثل أهميتها في كونها تُكسب مقدم البرنامج مزيدًا من الموضوعية والانضباط المهني، فيُتيح للضيف المساحة الكافية للتعبير عن آرائه بحرية ودون تدخل مُوجه من جانب المقدم، ويترك للمشاهد أو المتلقي الحكم النهائي.
وعطفًا على ما سبق، فقد وازن أو كسر الغنامي هذا الحياد المهني باستخدام التفاعل الإنساني البسيط عبر إيماءات الرأس وتعابير محدودة للعين والحاجب أثناء حديث الضيف، وذلك للحفاظ على التواصل غير اللفظي معه، وتأكيد الاهتمام بحديثه.
- مهاراته التواصلية
وفيما يتعلق بالتواصل البصري، فقد ظهر حرص الغنامي على توزيع النظرات بين الكاميرات بسلاسة ودون التشويش على المشاهدين، وحرص كذلك على عدم إطالة النظر في الأسئلة المدونة، الأمر الذي يعكس إعداده وتحضيره الجيد واستعداده المعرفي المسبق للقاءات رغم اختلاف وتنوع المجالات التي تتطرق لها. وقد انعكس ذلك على حضوره الذهني الدائم خلال لقاءاته.
ويتميّز يوسف الغنامي بقدرته على إدارة اللقاء بشكل فعّال، سواء من خلال طرح الأسئلة بوضوح وبلغة منضبطة ومُعززة برصيد معتبر من المفردات العربية، أو ترك المساحة الكافية للضيف للإجابة عنها دون مقاطعة، أو تنظيم الوقت والتحكم في إيقاع البرنامج، أو حرصه على الإنصات الجيد.
وختامًا.. يُمكن القول إن الأستاذ يوسف الغنامي يُمثل نموذجًا سعوديًا متميزًا في مجال التقديم التلفزيوني، ويمتلك الأدوات الشكلية واللغوية والمهارات الاتصالية التي تُمكنه من أداء دوره الإعلامي بشكل فعّال ومؤثر.
وقد أظهرت نتائج التحليل السيميولوجي لظهوره الإعلامي قدرته على تقديم نفسه كإعلامي مُطلع ومثقف، ويتبنى الأسلوب المهني الجاد والمحافظ الذي يتلاءم مع طبيعة المجتمع السعودي من جانب، ويتوافق مع طبيعة الموضوعات الهادفة التي يتناولها في لقاءاته المختلفة من جانب آخر.
وإجمالًا، كشفت النتائج عن تمكُّن الأستاذ يوسف الغنامي، خصوصاً بعد نجاحه في إحداث تناسق بين المظهر الخارجي ولغته المستخدمة وأدائه الصوتي ومضمون برنامجه، مما شكّل وحدة دلالية متماسكة، جعل فيها الشكل مُعززًا ومكملًا للمضمون لا منفصلًا عنه.