ترجمات

عقيدة ترامب في السياسة الخارجية واتفاق غزة

يمكن تعريف السياسة الخارجية بأنها الاستراتيجية التي تتبعها الحكومة للتعامل مع الدول الأخرى بهدف الحفاظ على مصالحها وتحقيق أهدافها، وعلى مدى تاريخها وبحكم طبيعة نظامها السياسي لعب رؤساء الولايات المتحدة دورًا بارزًا في صنع وتنفيذ السياسة الخارجية، وهو ما أدى إلى ظهور مصطلح “العقيدة الرئاسية-  Presidential doctrines” الذي يعبر عن النهج العام للسياسة الخارجية الأمريكية والمبادئ التي تصيغ استراتيجياتها وتوجه تحركاتها في النظام الدولي، فكان الرئيس الأمريكي الراحل جيمس مونرو عام 1823 صاحب أول عقيدة للسياسة الخارجية وبات منذ ذلك الحين لكل رئيس أمريكي بصمته في هذا المجال.

وفي هذا السياق، نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية مقالًا بعنوان “لماذا تبدو دبلوماسية دونالد ترامب ناجحة؟”، نستعرض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

بدا أن جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق سلام في غزة قد أتت بثمارها في الساعات الأخيرة من يوم 8 أكتوبر الجاري، حيث أشارت إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية إلى موافقتهما على المرحلة الأولى من الاتفاق.

وكان ترامب يدفع باتجاه السلام في غزة منذ التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل توليه منصبه في يناير الماضي ومع ذلك، فإن الأمر استغرق وقتًا، لذا قد تكون هناك دروس يمكن تعلمها مما بدا أنه جهد ناجح في أواخر سبتمبر الماضي وأوائل أكتوبر الحالي.

  • نهج ترامب الشخصي في السياسة الخارجية

ركز البيت الأبيض طوال العام الحالي على إنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة. ولتحقيق هذه الغاية، لعب دورًا رئيسيًا في وقف إطلاق النار في الفترة من يناير إلى مارس الماضيين. وعندما انهار وقف إطلاق النار، حاول المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إحياءه، وبالفعل نجحت إدارة ترامب في إطلاق سراح عيدان ألكسندر آخر رهينة أمريكي إسرائيلي على قيد الحياة في القطاع خلال مايو الماضي.

وفي يوليو الماضي، سعى ترامب مجددًا نحو السلام، وواصل مساعيه لإحياء جهود التوصل إلى اتفاق بشأن غزة في أواخر أغسطس وعلى مدى الشهر الماضي، ثم تكلل الأمر بالنجاح الشهر الحالي.

ولعل في هذا درسًا مستفادًا فالولايات المتحدة تجمع شركاءها وحلفاءها من خلال نهج ترامب الشخصي. فخلال فترة ولايته الرئاسية الأولى والأشهر العشرة الأولى من ولايته الثانية، طور الرئيس الأمريكي نهجًا مميزًا “عقيدة” في السياسة الخارجية. وهذه العقيدة ليست واضحة دائمًا، ولكنها تتميز بعناصر فريدة عديدة فمن أهم محاورها الرغبة في إنهاء الصراعات الخارجية، وتجنب توريط الولايات المتحدة في صراعات أخرى.

ويتمثل الجانب الثاني من تلك العقيدة هو النهج القائم على المعاملات في العلاقات الخارجية، الذي يعني عادةً، وإن كان بديهيًا، تقييم مدى وفاء الدول بالتزاماتها.

وكانت العملية التي أدت إلى اتفاق غزة رمزًا لهذا النهج الذي يتبعه ترامب، فقد سعى إلى جمع عدة دول في الشرق الأوسط لتعزيز السلام. وشمل ذلك محادثات مع دول عربية وإسلامية، بما في ذلك حلفاء وشركاء مقربون للولايات المتحدة.

بعبارة أخرى، يمكن القول إنه من أهم سمات عقيدة ترامب في السياسة الخارجية التعامل من منظور العلاقات الشخصية مع القادة في الخارج؛ ففي الفترة التي سبقت اقتراح اتفاق السلام في غزة، الذي أُعلن عنه في 29 سبتمبر الماضي، التقى ترامب بقادة عرب ومسلمين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويبدو أن هذا اللقاء المباشر قد مهد الطريق للاتفاق الذي تم إعلانه في 8 أكتوبر الجاري.

  • إعادة صياغة استراتيجية الشرق الأوسط

لقد ساهمت عدة تكتيكات رئيسية في دفع الاتفاق قدمًا، إذ أعلن ترامب مرارًا عن تقدم قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق كامل. كما أبدى استعداده للتظاهر بالضغط على إسرائيل، مطالبًا بوقف القصف على غزة، على سبيل المثال. وقد نجح هذا التظاهر بالضغط على جميع الأطراف المعنية، لاقترانه بوعود رابحة لجميع الأطراف.

وثمة اعتقاد في البيت الأبيض بأن هذا الاتفاق يُمكن أن يُعيد صياغة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، بجانب أنه يُساعد إسرائيل على إنهاء صراع (حرب غزة) تزايد الاستياء منه عالميًا، فقد قال ترامب في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “إسرائيل لا تستطيع محاربة العالم”.

كما يُعتقد أن اتفاق غزة ستمهد الطريق أمام تقدم مستقبلي في مسار السلام في المنطقة، على غرار اتفاقيات إبراهيم التي أُبرمت بين إسرائيل والإمارات والبحرين خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب. وقد أشاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو باتفاق غزة ووصفه بـ”اللحظة التاريخية”.

  • نموذج غزة وتسوية نزاعات أخرى

ويبدو السؤال الآن كالتالي: هل ستُثمر هذه الخطوات الأولى في إنهاء حرب غزة عن عقيدة ناجحة في السياسة الخارجية؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يجب على جميع الأطراف في المقام الأول الالتزام بوقف إطلاق النار. وهناك أيضًا سؤال حول ما إذا كانت خطة السلام ستنتقل إلى مرحلتها الثانية، حيث لم يصل وقف إطلاق النار في يناير الماضي إلى المرحلة التالية من تسلسله المخطط له.

وختامًا، إذا أمكن إتمام كافة مراحل اتفاق غزة، فإنه سيظهر مصداقية واشنطن في الشرق الأوسط، كما سيحفز البيت الأبيض على تطبيق هذا النموذج لتحقيق النجاح في أوكرانيا وغيرها من النزاعات، لذلك يمكن القول إن اتفاق غزة أكبر اختبار حتى الآن لعقيدة ترامب في السياسة الخارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى