أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة قوة تأثيرية فعّالة في تشكيل وتوجيه الرأي العام، إذ تُمثل منصاتها نوافذ إعلامية تُتيح نشر الأفكار والمعتقدات والآراء بكثير من الحرية ودون التقيد بالحدود الزمانية والمكانية.
وعلى الرغم من الفوائد الجمة لتلك المنصات ودورها في التثقيف والمعرفة، لكن مقدار الحرية التي تتسم به ساعد بشكل ملحوظ في انتشار الشائعات والمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، كما أسهم في الخلط بين الرأي والمعلومة وبين وجهة النظر والخبر، الأمر الذي أوجد العديد من التحديات والمخاطر التي يجب الحظر منها عند استخدام المنصات الاجتماعية، خاصة وأن هذه التحديات تجاوزت خطورتها التأثيرات الفردية لتصل إلى تهديد المجتمعات.
وتُعد المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر الدول تعرضًا للاستهداف المعلوماتي المضلل، وذلك نظرًا لتعدد ومحورية أدوارها الإقليمية والدولية، ومكانتها الرائدة خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا وعالميًا، فضلًا عما تشهده من استقرار داخلي ونهضة تنموية شاملة.
ومما لا شك فيه أن هذه العوامل مثّلت دوافع لدى العديد من الأطراف والجهات لاستهداف المملكة ومحاولة تشويه صورتها وزعزعة أمنها واستقرارها، وذلك عبر كثير من أدوات الحروب والاستهداف، ومنها حرب الكلمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا تقل ضراوة وخطورة عن الحروب التقليدية في آثارها التدميرية.
- الهاشتاقات المسمومة
تُمثل الهاشتاقات التحريضية سلاحًا رئيسيًا في أيدي الجهات أو الأفراد التي تُروج للحملات الخبيثة ضد المملكة؛ وقد سعت تلك الجهات مرارًا وتكرارًا إلى محاولة استهداف المملكة، وتشويه صورتها، وبث الفرقة بين شرائح المجتمع، حيث استغلت منصات التواصل الاجتماعي من أجل الترويج للأكاذيب وتبني سرديات تستهدف الهجوم على ولاة الأمر – حفظهم الله -، وامتد هذا الهجوم ليطول المواطنين الذين يُعبرون عن ثقتهم وولائهم للقيادة، معتمدين على كافة أساليب التضليل والخداع المعلوماتي دون مراعاة لأي وازع ديني أو وطني أو حتى أخلاقي، وظهر بشكل جليّ ضيقها من الثقة والمكانة الكبيرة اللتين يحظى بهما ولاة الأمر – أيدهم الله – عند الشعب المتوحد خلفهم، وكشفت تلك الجهات عن عدائها واستيائها من النجاحات والإنجازات التي تُحققها المملكة وحاولت التقليل منها أو التشكيك فيها، كما سعت كثيرًا إلى تشويه صورة السعودية أمام العالم بسبب مشاعر الحقد تجاه المكانة الرائدة التي تتبوأها على الصعيدين الإقليمي والعالمي، كما عملت جاهدة على تحريض المواطنين وبث الفرقة بين مكونات الشعب، ولكن دائمًا ما كانت تصطدم محاولاتها بالوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي.
ومن اللافت أن تلك الجهات المعادية تنشط مع كل نجاح أو إنجاز تحققه المملكة، كما يُلاحظ ارتفاع وتيرة حملاتها التحريضية الفاشلة كلما أظهرت مناسبة أو حدث ما مدى الارتباط القوي الذي يجمع الشعب السعودي بولاة أمره – حفظهم الله -، وبالتالي هناك علاقة طردية وربما شرطية بين النجاحات وإظهار الولاء للقيادة الرشيدة من جانب، وزيادة انتشار الحملات العدائية الممنهجة من جانب آخر.
- حملات المقاطعة
في ظل الفشل المتتالي لأعداء المملكة، لجأت تلك الجهات مؤخرًا إلى أسلوب جديد يستهدف الإضرار بالاقتصاد السعودي، حيث ظهر عدد من الهاشتاقات المروجة لمقاطعة المنتجات التي تحمل علامة تجارية سعودية.
واعتمدت حملات المقاطعة على مجموعة من الاستراتيجيات والتكتيكات الإقناعية التي ركّزت بشكل أساسي على الاستثارة العاطفية والانطلاق من منظور إنساني للتأثير على المواطنين وتحفيزهم على المقاطعة.
كما لجأت تلك الحملات إلى أسلوب التضخيم والتعميم، واستغلال الحوادث الفردية وتصويرها على أنها ظاهرة ونهج عام؛ وكذلك الخلط بين الرأي والمعلومة، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في الترويج لحملة مقاطعة المنتجات السعودية التي انطلقت من حسابات من خارج المملكة، وارتكزت على عرض وجهة نظر مُروجيها – وهو رأي نابع من أيديولوجيتهم المعادية للسعودية – وتقديمها في قالب خبري على أنها معلومات مؤكدة، رغم أنها محض افتراء وكذب وتدليس، وذلك بهدف تشويه صورة المملكة.
ومن خلال قراءة المشهد الرقمي العام، يُمكن تقسيم الحسابات المتفاعلة مع حملات المقاطعة إلى ما يلي:
أولًا: حسابات مُحرضة تسعى إلى تضليل الرأي العام وتوجيهه ضد المملكة، إذ لُوحظ أن كثيراً من الحسابات المتفاعلة مع تلك الحملات حديثة الانضمام إلى منصة إكس، فمنها على سبيل المثال وليس الحصر، حساب انضم في يونيو 2025م، ويمتلك 5 متابعين فقط، ونشر 27 منشوراً كلها مُخصصة للمطالبة بمقاطعة الراجحي، أي أنه حساب مُسخر لهذا الغرض.
وبشكل عام، تضم هذه الفئة كلاً من (حسابات من خارج المملكة بأجندة عدائية – حسابات وهمية – ذباب إلكتروني – كتائب إلكترونية).
ثانيًا: حسابات متأثرة عاطفيًا، وتمثّلت في بعض الحسابات التي تتفاعل بحسن نية نتيجة تعرضها لشحنة عاطفية، دون العلم بأنها تُساعد المغرضين بشكل غير مباشر في تحقيق أهدافهم الخبيثة.
ثالثًا: حسابات عقلانية تحكم على المواضيع من منظور أوسع وأعمق، وتستطيع الفرز والكشف عن النوايا الحقيقية لتلك الحملات، ومنها على سبيل المثال بعض الحسابات التي قد تُقر بوقوع خطأ فردي ما، ولكنها لا تلجأ إلى هدم المعبد، فتُطالب بتصحيح هذا الخطأ وعدم تكراره، وفي الوقت ذاته ترفض مقاطعة العلامة التجارية الوطنية التي تُوفر آلاف فرص العمل للسعوديين.
- المواجهة الفعّالة
في ظل ما توفره التكنولوجيا من أدوات تُساعد من يقف وراء هذه الحملات الخبيثة على التخفي، فإن مكافحة تلك الظاهرة تستلزم بالدرجة الأولى تثقيف وتوعية الجمهور بكيفية التعامل معها، والتدريب على اتباع المنهج النقدي والتفكير العقلاني تجاه ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي دون تهويل ومبالغة أو تهوين، وذلك من أجل التعرف على أهدافه ومقاصده الحقيقية.
وفي هذا الصدد، يبرز دور المغردين السعوديين، خصوصاً المؤثرين منهم الذين يُمثلون قادة رأي، ويمتلكون القدرة على قيادة الرأي العام ليُشكلوا سويًا حائط صد أمام محاولات النيل والاستهداف، وذلك من خلال كشف ومواجهة المخططات الخبيثة والحملات المغرضة والتصدي للشائعات والمعلومات المضللة، وتفكيكها وتفنيدها؛ ومن ثمّ المساهمة في الحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع.
وقد أثبتت التجارب السابقة وعي المغرد السعودي، الذي تصدى لكثير من محاولات التضليل والكذب والتدليس الممارس ضد المملكة، وأفشل مخططات المروجين لها.
وتأسيسًا على ما سبق.. يُمكن القول إن محاولات استهداف المملكة العربية السعودية ستستمر، بل وستزداد وتيرتها كلما حقّقت المملكة مزيدًا من النجاحات والإنجازات؛ ولذلك يجب التأكيد على أن المعركة الحقيقية هي معركة وعي بالأساس تتطلب اليقظة وتحصين المجتمع ضدها.