سيطر على عناوين الأخبار حول الاجتماع الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الصيني شي جين بينغ توصل الرئيسين إلى هدنة تجارية، ولم تحظ المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي وهي مسألة أكثر أهمية بكثير بالاهتمام الكافي رغم أنها ستكون محور المنافسة عالية المخاطر التي تتكشف بين القوتين الأكبر في العالم.
ووفقًا لتقرير نشره المجلس الأطلنطي، دخل العالم في سباق التكنولوجيا الأكثر أهمية منذ فجر العصر النووي، ولكن هذه المرة الأسلحة هي الخوارزميات وليس الذرات، فبدلًا من سباق للحصول على سلاح خارق واحد، فإن هذا السباق لتحديد كيفية تفكير وعمل المجتمعات واتخاذها للقرارات، فالذكاء الاصطناعي لا يغير توزيع القوة حول العالم فحسب، بل يغير أيضًا طبيعة تلك القوة وكيفية ممارستها، وفيما يلي نستعرض أبرز ما تضمنه التقرير:
- سباق تمتد آثاره إلى أجيال
ترى الحكومة الصينية أن الذكاء الاصطناعي محرك أساسي لـ “القوة الوطنية الشاملة”. ولهذا السبب تُركز بشدة على التكامل السريع للذكاء الاصطناعي في المراقبة، والمنتجات والخدمات الاستهلاكية، والصناعة المتقدمة، والتحديث العسكري، وحتى الاكتشاف العلمي في إطار استراتيجية دولة موحدة.
وأحد الجوانب البارزة في نهج بكين هو إعطاء الأولوية للتطبيق، أو ما يُسمى “الذكاء الاصطناعي المُعزز”، وتتمتع الصين بميزة عن الولايات المتحدة من حيث توفير التوجيه والحوافز لدمج الذكاء الاصطناعي في جميع قطاعات الاقتصاد، وعندما يتعلق الأمر بتطوير الذكاء الاصطناعي ونشره، يجب أن يكون القطاع الخاص الصيني خاضعًا لإرادة الحزب الشيوعي. وتختلف دورة الابتكار الناتجة عن ذلك عن المفاهيم الغربية للعلاقات الأكثر ترابطًا بين صانعي السياسات والصناعة والأوساط الأكاديمية.
وعلى النقيض، تعتمد الولايات المتحدة بشكل أكبر على الديناميكية الفريدة لقطاعها الخاص، وثقافة البحث المفتوحة، والتحالفات الدولية. وتكافح الحكومة الأمريكية من أجل التنسيق بين أصحاب المصلحة من القطاع الخاص والجامعات على نطاق وطني. ولا تزال البلاد مقيدة بسبب ضعف الحماية القانونية للخصوصية والملكية الفكرية.
ويجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن الفشل في الحفاظ على القيادة في مجال الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون له عواقب تمتد لأجيال، حيث ستحدد نتيجة هذا السباق القيم التي تضع المعايير العالمية لكل شيء من التجارة الرقمية إلى الحروب.
ووفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، فإن سباق الذكاء الاصطناعي المتصاعد يستدعي مقارنات مع الحرب الباردة، والصدامات العلمية والتكنولوجية الكبيرة التي ميزتها، ومن المرجح أن يكون له القدر نفسه من الأهمية على الأقل.
- محددات الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي
لا شك أن من يفوز في هذا السباق سيعتمد على من يستطيع إنتاج أكثر الرقائق تقدمًا وأفضل النماذج وأقوى أجهزة الكمبيوتر وأرخص وأكثر أنواع الطاقة استدامة. والأهم من ذلك، أن سباق الذكاء الاصطناعي الناشئ يدور حول تحديد معايير العالم المستقبلية في مجالات مثل الحرية والخصوصية وحتى كرامة الإنسان.
لقد عكس تصميم الإنترنت – بروتوكولاته ومعاييره الأساسية – تحيزًا نحو الانفتاح والتنظيم الذاتي وحرية التعبير التي شكلت جيلين من عصر الإنترنت وتريليونات الدولارات في تكنولوجيا المستهلك. وتوفر هذه اللحظة في عصر الذكاء الاصطناعي الفرصة المحورية نفسها للتأثير.
وفي هذا الإطار، أطلق المجلس الأطلنطي لجنة “جيوتك” للذكاء الاصطناعي بوصفها مبادرة تركز على القدرة التنافسية الشاملة عبر ستة مجالات حاسمة: ابتكار الذكاء الاصطناعي، وسلاسل التوريد، ومصادر الطاقة، وتبني الحكومة والإشراف على المبادرة، وتنمية المواهب، والتحالفات الدولية.
- السباق الأكثر أهمية للبشرية منذ بداية العصر النووي
يعد سباق التكنولوجيا الحالي هو الأكثر أهمية للبشرية منذ بداية العصر النووي، بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث عقدوا مقارنة مباشرة بين سباق التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي ومشروع مانهاتن الذي أنتج أول سلاح نووي.
وصحيح أن سباق الذكاء الاصطناعي، شأنه شأن مشروع مانهاتن، سيُحسم إلى حد ما من خلال الاختراقات العلمية. كما يشترك كلاهما في إمكانية تحقيق خير عظيم وضرر كارثي. ومع ذلك، فإن هذا التشبيه مضلل أيضًا. لقد كان مشروع مانهاتن سباقًا سريًا ومركزيًا بقيادة الحكومة الأمريكية في وقت الحرب العالمية، أما الذكاء الاصطناعي فكان للحكومة الأمريكية دور مهم في تمكينه من خلال تطوير الأسس التقنية للتعلم العميق وغيره من التطورات. كما أن القطاع الخاص، وليس الحكومة، هو الذي استفاد وابتكر للوصول إلى قدرات اليوم.
للفوز في هذا السباق، تدرك الحكومات ضرورة التعاون بفاعلية مع شركات خاصة مثل أنثروبيك، وجوجل، وإنفيديا، ومايكروسوفت، وأوبن إيه آي في الولايات المتحدة، وعلي بابا، ودي جي آي، وهاي فلاير، وهواوي في الصين.
- من سيفوز في سباق الذكاء الاصطناعي؟
تكمن ميزة الولايات المتحدة الأمريكية في نظامها البيئي الديمقراطي الحر المبتكر، الذي يُعد في أفضل حالاته نقطة جذب لا مثيل لها للمواهب ورأس المال. ومع ذلك، فإن هذا النظام البيئي يمثل أيضًا نقطة ضعف، حيث لا تستطيع واشنطن السيطرة على الكيانات الرائدة في مجال التكنولوجيا أو الاستفادة منها لأي غرض أمني قومي رئيسي بالطريقة التي تتبعها بكين بشكل روتيني.
وصرح جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، الأسبوع الماضي، قائلاً: “ستفوز الصين في سباق الذكاء الاصطناعي”، مشيرًا إلى اللوائح التنظيمية الأكثر مرونة في بكين، ودعم الطاقة، والتدخل المباشر لمساعدة رواد تلك الصناعة.
ويخشى قادة الصناعة من أن تركز إدارة ترامب بشكل أكبر على تقييد ما يمكن للشركات الأمريكية بيعه للصين بدلاً من مساعدة شركاتها بنشاط على الفوز في السباق.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام الصيني يدمج طموحات الدولة والقطاع الخاص بطريقة حاسمة، إذ يحشد الحكومة ورأس المال الخاص وأحدث العلوم في سبيل قضية مشتركة يمليها الرئيس شي والحزب الشيوعي الصيني. ويوفق النظام عمدًا بين الأهداف الوطنية وحوافز الشركات.
في المقابل، تركز الشركات الأمريكية على كسب الأسواق والتنافس فيما بينها وتحقيق الأرباح، وقد تثبت فوضى السوق الحرة قوةً راسخة في توجيه رأس المال والمواهب والاهتمام نحو التقنيات المتطورة.
وأخيرًا، سيتطلب الفوز في سباق تبني الذكاء الاصطناعي تفكيرًا متكاملًا جديدًا يشمل تطوير التكنولوجيا واستخدامها وعواقبها، بدلاً من التركيز الضيق على كيفية إنتاج المزيد من الرقائق أو تشغيل نماذج أسرع.



