تقارير

ما انعكاسات القمة الأمريكية الأوروبية على آفاق تسوية الأزمة الأوكرانية؟

بعد أيام من لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعًا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعدد من القادة الأوروبيين في البيت الأبيض، وجاء اللقاء الثنائي بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني أكثر وديةً من مواجهتهما المثيرة للجدل في المكتب البيضاوي في فبراير الماضي.

وأسفرت تلك القمة التي شارك فيها قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وفنلندا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، مارك روته، عن إعلان ترامب عن ترتيبات لعقد قمة بين بوتين وزيلينسكي- ستعقد خلال الأسبوعين المقبلين وفقًا للمستشار الألماني فريدريش ميرتس- ستكون الأولى منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير 2022، وكذلك استعداد واشنطن لتقديم ضمانات أمنية لكييف لطالما اعتُبرت ضرورية لضمان مستقبل أوكرانيا على المدى الطويل، رغم أنه لم يُفصّل شكل هذه الضمانات.

مما لا شك فيه أن حضور القادة الأوروبيين وإظهار وحدة موقفهم كان له تأثير كبير على الاجتماع، فبعد قمة ترامب وبوتين في ولاية ألاسكا الأمريكية، ساور هؤلاء القادة القلق من احتمالية تقبل واشنطن لمطالب موسكو في سبيل رغبة ترامب الجامحة لتسوية الحرب في أوكرانيا التي كان قد وعد بإنهائها خلال 24 ساعة من توليه مهام منصبه في ولايته الرئاسية الثانية.

وتُظهر تصريحات ترامب تبنيه لموقف يبعث على ارتياح نسبي في العواصم الأوروبية، كما أن مخرجات القمة في مجملها تحمل بعض المؤشرات على إحراز تقدم في تهيئة مسار التفاوض بشأن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

  • الضمانات الأمنية لكييف

لقد تم إحراز تقدم ملحوظ في جانب حاسم من مفاوضات إنهاء الحرب وهو ملف الضمانات الأمنية لكييف، إذ يشير زيلينسكي إلى أن كييف ستتلقى من حلفائها الغربيين الضمانات خلال 10 أيام.

وبحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فإن أوكرانيا عرضت على الولايات المتحدة شراء أسلحة أمريكية بقيمة 100 مليار دولار، بتمويل أوروبي، بالإضافة إلى صفقة لإنتاج طائرات بدون طيار بـ 50 مليار دولار.

كما أعلن الأمين العام لحلف “الناتو” مارك روته أن مجموعة من 30 دولة بينها اليابان وأستراليا تعمل على صياغة ضمانات أمنية لأوكرانيا. وأكد روته أيضًا أن عضوية كييف في الحلف ليست قيد البحث حاليًا، مشيرا إلى أن النقاش يتركز على تقديم ضمانات أمنية لكييف على غرار المادة الخامسة من معاهدة تأسيس الحلف، وفقا لمحطة “فرانس 24” الإخبارية.

وتكرس المادة الخامسة مبدأ الدفاع الجماعي، إذ يعتبر الهجوم على أي عضو من أعضاء الحلف هجوما على الجميع، ما يعني أن كييف قد تحصل على ضمانة بحجم العضوية نفسها من دون الانضمام رسميا، فهي مسألة يرفضها بوتين بشكل قاطع.

لكن على الأرجح لن يكون هذا كافيًا لأوكرانيا التي شهدت بالفعل نتيجة فشل أي ترتيب أمني. ففي مذكرة بودابست لعام 1994، تعهدت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا باحترام حدود أوكرانيا وسلامة أراضيها مقابل تخليها عن ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم. ولكن النتيجة كانت سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 دون أي عواقب، ثم اندلاع الحرب الشاملة في فبراير 2022، لذلك تتمسك كييف بأن يكون أي ضمان أمني مُستقبلي لها صارمًا وفعالًا.

في المقابل، صرح ترامب بأنه سيكون هناك شكل من أشكال الضمانات الأمنية لأوكرانيا ولكن ليس من خلال حلف الناتو، مشيرًا إلى أن أوروبا مستعدة لإرسال قوات إلى الأراضي الأوكرانية.

وكان الكرملين قد أكد مرارًا وتكرارًا رفضه لفكرة نشر قوات “حفظ سلام” أوروبية في أوكرانيا.

  • فكرة تبادل الأراضي

كان من اللافت وجود خريطة تظهر الأراضي الأوكرانية التي تطالب بها روسيا وسط محادثات يستضيفها البيت الأبيض بشأن نهاية محتملة للحرب الروسية الأوكرانية.

ففي الوقت الذي يسعى فيه الرئيس ترامب للمساعدة في التفاوض لإنهاء الحرب، تزايدت التساؤلات حول مصير الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها القوات الروسية. وقد صرح ترامب بأن أي اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا سيتضمن “تبادلًا للأراضي”، على الرغم من أنه ليس من الواضح تمامًا ما يعنيه ذلك.  كما أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن إعادة ترسيم الحدود غالبا ما تكون عنصرا حاسما في حل النزاعات.

ووفقا لبيانات حديثة من معهد دراسة الحرب ومشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد أمريكان إنتربرايز، تسيطر روسيا على حوالي 20% من أراضي أوكرانيا.

وبحسب شبكة “سي بي إس” الإخبارية الأمريكية، يُعتقد أن بوتين يريد من أوكرانيا التخلي عن إقليم دونباس كشرط للسلام، إذ يمثل الإقليم الواقع في شرق أوكرانيا ثروة زراعية مهمة إضافة إلى المعادن الموجودة فيه كالجير، والدولوميت، والكوارتز وغيرها، والمعادن النادرة مثل الليثيوم الذي يُعتبر مادة ضرورية لصناعة البطاريات، والغاز الصخري، ورواسب الغاز الطبيعي. كما تنتج محطات الطاقة في دونباس التي تعمل بالفحم 40% من كهرباء أوكرانيا.

وكان زيلينسكي قد أكد مررًا رفضه التنازل عن الأراضي الأوكرانية لروسيا بما في ذلك دونباس كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار، فضلًا عن أنه لا يملك من الناحية الدستورية صلاحية التنازل عن أي أرض أوكرانية.

ولهذا رأى بعض الخبراء إمكانية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، عبر تجميد خط المواجهة بشكل أساسي – الذي يمتد لمسافة 620 ميلًا تقريبًا من شمال شرقي أوكرانيا إلى ساحلها الجنوبي على البحر الأسود – دون أن تتنازل أوكرانيا رسميًا عن الأرض.

وتجدر الإشارة إلى أن التخلي عن هذه الأراضي -حال حدوثه- سيترك أوكرانيا عُرضة تمامًا لهجمات روسية مستقبلية ولن تتمتع البلاد عمليًا بأي حماية عسكرية على طول مناطق حدودها الشرقية. وهذا من شأنه أن يضع روسيا في موقع متميز للغاية في الخطط المستقبلية لإعادة تنظيم صفوفها وشن هجمات جديدة، وفقا لموقع “ذا كونفرزيشن” الأسترالي.

وختامًا، يمكن القول إن القمة الأمريكية الأوروبية تمكنت نوعًا ما من معالجة شواغل قادة أوروبا، وأظهرت استجابة أمريكية لطلب لطالما ألحت عليه كييف وهو “الضمانات الأمنية”، وفتحت المجال أمام أكبر اختراق دبلوماسي في الأزمة الأوكرانية عبر الإعلان عن ترتيبات لعقد لقاء يجمع بوتين وزيلينسكي، سيمثل نقطة مفصلية في مسار هذه الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى