على الرغم من مساحة اليابسة السعودية الشاسعة، فإن إقليم المملكة يشير إلى كونها دولةً بحرية بامتياز، إذ تحتل المرتبةَ الأولى من حيث طول الساحل على البحر الأحمر، والثانية على الخليج العربي، ويبلغ طول الساحل السعودي على البحر الأحمر 2400 كم، تبدأ من خليج العقبة شمالاً، وحتى الحدود اليمنية جنوباً.
يفتح مشروع جسر الملك سلمان بين المملكة ومصر، ومشروع نيوم، ومشروع البحر الأحمر، آفاقاً لمستقبل التكامل الثلاثي بين المملكة ومصر والأردن
ويُعدّ البحر الأحمر والخليج العربي وخليج عدن، المدخلَ إلى المحيط الهندي الواقع بين قارتي آسيا وأفريقيا، إذ يرتبط البحر بالمحيط من خلال مضيق باب المندب وخليج عدن، ويفتح البحر الأحمر مجالاً واسعاً للتعاون بين السعودية ومصر والأردن بوجه خاص، بالإضافة إلى الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، فالبحر الأحمر يحدّه شمالاً شبه جزيرة سيناء المصرية، والعقبة الأردنية، وخليجا السويس والعقبة، حيث يفتح مشروع جسر الملك سلمان بين المملكة ومصر، ومشروع نيوم، ومشروع البحر الأحمر، آفاقاً واسعةً لمستقبل التكامل الثلاثي بين المملكة ومصر والأردن، فضلاً عن الربط بين قارتي آسيا وأفريقيا، وهذا ما يجعل من فكرة التكامل الإقليمي مرتكزاً للسياسة السعودية إزاء منطقة البحر الأحمر، التي تصاعدت أهميتها عالمياً، وظهر فيها العديد من اللاعبين الجدد.
وكانت للبحر الأحمر دوماً أهميةٌ رمزية وتاريخية لدى المملكة، لا سيما لكون مدينة جدة التي تمثل أهم الموانئ السعودية، وبوابة وصول حجاج بيت الله الحرام، على سواحله، وقد أولت المملكة اهتماماً مبكراً بأمن البحر الأحمر، ليس فقط من منطلق كونه جزءاً من الأمن الوطني للمملكة، ولكن أيضاً من منطلق أهمية تحقيق الأمن المشترك في البحر الأحمر، ففي عام 1956 عقدت المملكة ميثاقَ جدة، لإقامة نظام أمن مشترك في البحر الأحمر، وفي عام 1972 كان مؤتمر جدة للدول المحافظة على أمن البحر الأحمر، فضلاً عن اتفاقية جدة عام 1982 بين السعودية والسودان والصومال والأردن وفلسطين واليمن.
ويعد البحر الأحمر ممراً لنحو 3.3 ملايين برميل نفط يومياً، كما يشكل معبراً رئيسياً للتجارة الدولية، ولعلّ ذلك يفسّر التنافسَ المحموم بين القوى الدولية والإقليمية على النفوذ في البحر الأحمر، ويأتي البحر الأحمر كنظام إقليمي فرعي ضمن إقليم الشرق الأوسط المضطرب بالأزمات، ويشمل عدة دول عربية وأفريقية بالإضافة إلى إسرائيل، فاليمن والسعودية يشكلان الساحلَ الشرقي للبحر الأحمر، بينما يضمّ الساحلُ الغربي كلاً من مصر والسودان وإيريتريا وجيبوتي، ويمكن ضمّ الصومال أيضاً لهذا الطرف من الساحل، بينما تطلّ الأردن وإسرائيل على الساحل الشمال الشرقي من البحر الأحمر.
ارتبط تطوير السعودية لاستراتيجيتها في البحر الأحمر بالأحداث التي وقعت في المنطقة منذ 2011 وخاصة في مصر واليمن
يُعدّ البحر الأحمر بمثابة العمق الاستراتيجي لكلٍّ من مصر والسعودية، فهو يقع قربَ العديد من المناطق الاستراتيجية التي تمثل امتداداً للأمن القومي العربي عامة، والخليجي والمصري بشكل خاص، فهو نظام فرعي في إقليم الشرق الأوسط وقريب من حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي. ويمثل أمن البحر الأحمر مصلحةً استراتيجية للسعودية، ففي الوقت الذي باتت فيه إيران تهدّد بعرقلة مرور السفن من مضيق هرمز أو حتى التهديد بإغلاقه، فإن السفن السعودية لن تجد عرقلةً كبيرة لوصولها لبحر العرب ومنه للمحيط الهندي، حيث تعتمد المملكة بشكل كبير على البحر الأحمر لنقل النفط غرباً، والوصول إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس، وإلى المحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وهما من النقاط الاستراتيجية للتحكّم في الملاحة بالبحر الأحمر.
وارتبط تطوير السعودية لاستراتيجيتها في البحر الأحمر، بالأحداث التي وقعت في المنطقة منذ 2011، وخاصة في مصر واليمن، فقد فرضت التطوراتُ في اليمن جنوبَ البحر الأحمر، فتحَ مجال أمني عسكري للمملكة استلزم اللجوء للخيار العسكري وشنّ “عاصفة الحزم” في 25 مارس 2015، وأنتجت التحوّلات العميقة في العلاقات السعودية بكلٍّ من مصر واليمن، وانخراط قوى إقليمية مثل إيران وتركيا في المنطقة، استراتيجيةً سعودية جديدة للأمن القومي للمملكة في البحر الأحمر، والذي يمثّل الضلع الغربي لأمنها القومي.
وتتعدّد ملامح السياسة السعودية في البحر الأحمر، ويمكن الإشارة لأبرز تلك الملامح والمحدِّدات وفقاً لما يلي:
- تشكيل كيان إقليمي في البحر الأحمر:
أكدت المملكة على الحاجة لتشكيل كيان إقليمي لدول البحر الأحمر بهدف تعزيز التعاون السياسي والأمني والاقتصادي
تعدّ الدعوة السعودية إلى تشكيل كيان إقليمي للدول المشاطئة للبحر الأحمر، مسألةً حيوية في التفاعلات المفصلية الأخيرة في تلك المنطقة، حيث شكل اجتماع الرياض حول أمن البحر الأحمر، ملمحاً أساسياً في التعبير عن سياسة المملكة الإقليمية تجاه منطقة البحر الأحمر، وفي هذا الاجتماع أكدت المملكة على الحاجة لتشكيل كيان إقليمي لدول البحر الأحمر، بهدف تعزيز التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين الدول المشاطئة له.
وأكد البيان الختامي لاجتماع الرياض بين دول البحر الأحمر وخليج عدن، في ديسمبر 2019، على المبادرة بتأسيس كيانٍ لدول البحر الأحمر وخليج عدن العربية والأفريقية، يَضمّ السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن والصومال وغيرها من دول، لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي، وتحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، تقديراً لأهمية الممرّ المائي الهامّ للدول العربية والأفريقية المشاطئة، وللملاحة والتجارة الدولية، وفي إطار المسئولية التي تقع على عاتق هذه الدول لتوفير الأمن والأمان لهذا الممرّ، الذي كان ولا يزال ممراً للتواصل بين الحضارات والثقافات.
وقد تمّ بناءً على الاجتماعين الوزاريين لدول البحر الأحمر، في القاهرة والرياض على الترتيب، الاتفاقُ على أهمية إنشاء كيان يضم الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، بهدف التنسيق والتعاون بينها، ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمنية، كما تم توسيع النقاشات حول تأسيس هذا الكيان خلال اجتماع آخر في القاهرة، وشكل استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للوزراء المشاركين في اجتماع الرياض لبحث إنشاء كيانٍ للدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، انعكاساً لاهتمام القيادة السعودية بدعم هذا التحرّك الإقليمي على أعلى مستوى، وإدراكاً لأهمية التعاون بين دول البحر الأحمر في مواجهة التحديات والتهديدات التي تتعرّض لها الملاحة الدولية، وخصوصاً من جانب القوى الإقليمية كإيران وتركيا، تَعتبر الحكومةُ السعودية أن تأسيسَ هذا الكيان، سيعمل على تعزيز الأمن والتنمية الوطنية في هذه المنطقة، والاستقرار والاستثمار والتنمية المشتركة بين دوله.
لا شك أن فكرة إنشاء كيان إقليمي للبحر الأحمر، ما زالت تواجهها صعوبات عديدة، ولكن تبقى المبادرة عربياً بالتحرّك لتشكيل هذا الكيان قيمةً مضافة في حدّ ذاتها، ويتعلق جانبٌ من تلك الصعوبات بتباين مواقف القوى الكبرى والحرب التجارية بينها، وخاصة بين الصين والولايات المتحدة وروسيا، فضلاً عن الدول الإقليمية المتنافسة من خارج حوض البحر، والتباينات بين الدول الـ9 المتشاطئة (السعودية، مصر، الأردن، السودان، اليمن، جيبوتي، إريتريا، الصومال، إسرائيل)، فبالإضافة إلى إسرائيل التي لم تشارك – بطبيعة الحال – في أيٍّ من اجتماعات القاهرة والرياض حول البحر الأحمر، من الملاحظ أن كافة الاجتماعات التي عُقدت بين دول البحر الأحمر، لم تشمل كافة الدول المطلة عليه، وهو ما يدلّ على وجود خلافاتٍ بينها. وهناك إشكاليات نظرية عديدة يمكن مناقشتها، مثل مدى مساهمة كلّ دولة في ميزانيةِ وعمليةِ صنع وتنفيذ القرار في هذه المنظمة المقترحِ تشكيلُها، خاصةً أن دولةً مثل الأردن أو إسرائيل لا تمتلك سوى ساحل صغير على خليج العقبة، بينما تطلّ مصر والسعودية على أكبر مساحة من سواحل البحر الأحمر، فيما تتحكم دول أخرى في مدخله الجنوبي.
تنبغي الاستفادة من درس السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حينما اقترحت مصر والسعودية تأسيسَ منتدى البحر الأحمر، الذي يضمّ الدول المشاطئة للبحر، لكن تمّت عرقلة المشروع بسبب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك، وبسبب الانقسامات الدولية والإقليمية، والتساؤل حول مشاركة إسرائيل في مثل هذا المنتدى، وغيرها من أسباب.
كما تنبغي الاستفادة من تجربة أفول تجمّع صنعاء للتعاون، وهو التجمّع الذي ظهر في أكتوبر 2002، وضمّ اليمن وإثيوبيا والصومال وجيبوتي والسودان، وهو التجمّع الذي اعتبرته إريتريا مُوَجَّهاً ضدّها.
- حسم المسائل الحدودية في البحر الأحمر:
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية السعودية المصرية عام 2016 حسمت مسألة تبعية جزيرتي تيران وصنافير
قطعت المملكة شوطاً كبيراً في عملية ترسيم الحدود البحرية مع الدول المجاورة أو المقابلة لها على شواطئ البحر الأحمر، أي حدود المملكة الغربية، وفي هذا الصدد تمّ – على سبيل المثال – التوصّلُ إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية السعودية المصرية عام 2016، والتي حسمت مسألة تبعية جزيرتي تيران وصنافير، ودخول التعاون بين البلدين في هذه المنطقة مرحلةً غيرَ مسبوقة، ضمن مشاركة مصر في مشروع “نيوم” الذي أعلنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وقد عُقدت تلك الاتفاقية يوم 8 أبريل 2016 بين الحكومتين المصرية والسعودية، وذلك خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لمصر، وتتطلّب مثلُ هذه الاتفاقية أيضاً الانتقالَ إلى المستوى الثلاثي على سبيل المثال، لتحديد نقطة التقاء الحدود البحرية المشتركة المصرية الأردنية السعودية في خليج العقبة، والاتفاق عليها بين الدول الثلاث، ولعلّ ذلك يمثّل امتداداً أيضاً لاتفاقية الخرطوم عام 1974، التي تناولت تَقاسُمَ الثروات الطبيعية البحرية بين السعودية والسودان، وغيرها من اتفاقيات مع اليمن أيضاً.
- مواجهة التدخّلات الإقليمية والتهديدات في البحر الأحمر:
إن توصّل الاجتماعات الوزارية التي عقدت في القاهرة والرياض، إلى الاتفاق على تأسيس كيان إقليمي للدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، يُمثّل إدراكاً من المملكة وهذه البلدان، لأهمية تعزيز دور الدول المشاطئة، في إدارة شؤون حوض بحرهم المشترك، وبما يقطع الطريق على التدخلات الإقليمية وخاصة من جانب تركيا وإيران وإسرائيل وإثيوبيا.
إن التفاوت بين دول البحر الأحمر في مستوى الاستقرار والقوة العسكرية، يفرض على السعودية ومصر والأردن أعباءً إضافية، فبينما تشهد السعودية استقراراً أمنياً وسياسياً، وقدرةً عسكرية على تأمين الحدود البحرية على البحر الأحمر، ومثلها مصر والأردن، فإن بقية الدول إما تعاني من هشاشة أمنية وتدخّلات خارجية، أو تمرّ بأزمات.
تعدّ تركيا وإيران أبرز القوى الإقليمية المتصارعة على النفوذ في البحر الأحمر
وفي ضوء تقاسم العديد من الدول العربية المطلّة عليه، للمسئولية الجماعية عن حمايته، يعد البحر الأحمر واجهةً للأمن القومي العربي، وقاطرةَ تعاونٍ عربي مشترك في المجال الأمني، وخاصة بعد أن تعقّد المشهد الأمني في البحر الأحمر، في ضوء بروز فاعلين جدد مثل إيران وجماعة الحوثي المدعومة منها، فضلاً عن الأطماع التركية والإسرائيلية في إيجاد موطئ قدم في مياهه وجزره وموانئه.
إن حالة ضعف الحضور العربي والفراغ في البيئة الأمنية بمنطقة البحر الأحمر، شجّعت القوى الإقليمية على شغله، ولكنها أيضاً باتت محفزاً على زيادة التنسيق لتأكيد الحضور العربي، سيما المصري والسعودي، في تحقيق معادلة الأمن البحري، وزيادة نسبة المساهمة لتحمّل أعباء تأمين هذا الممرّ المائي الهام.
هناك أربع قوى إقليمية رئيسية تنشط في البحر الأحمر، ومن بينها السعودية صاحبةُ أطول ساحل على البحر، ومصر صاحبة السيادة على قناة السويس ومعظم ساحله الغربي، وإذا كان من الطبيعي أن تنشط التحركاتُ المصرية والسعودية في هذا الممرّ المائي الهام الذي تُطِلاّنِ عليه، فإنّ كلاً من تركيا وإيران تُعَدَّانِ أبرزَ القوى الإقليمية المتصارعة على النفوذ في البحر الأحمر، فتركيا دخلت من بوابة الصومال والسودان، في ضوء سعيها للحضور العسكري في البحر الأحمر من بوابة القواعد العسكرية أو ما تطلق عليه “مراكز التدريب العسكري”، فضلاً عن سعيها للحصول على قاعدةٍ في جيبوتي، أما إيران فتستغل علاقاتِها بالحوثيين في اليمن، لاستغلال حضورها البحري وإن كان محدوداً في البحر الأحمر، واستخدام هذا الحضور ورقةَ ضغطٍ في تفاعلاتها مع القوى الكبرى، والقاسم المشترك بين إيران وتركيا هو عسكرة التفاعلات في البحر الأحمر، والاهتمام بالحضور العسكري هناك، مما يؤثر على الأمن البحري.
وخلال السنوات وربما العقود الأخيرة، كان البحر الأحمر بيئةَ تفاعلٍ وتنافس، ومسرحاً للعديد من الصراعات والمُهدّدات مثل الصراع (العربي-الإسرائيلي)، و(الإيراني-الخليجي)، و(الإيراني-الإسرائيلي)، و(الإثيوبي-الإيرتري)، و(الإيرتري-اليمني)، بالإضافة إلى المشكلات والصراعات الداخلية في الصومال، والصراع على النفوذ الدولي والإقليمي في جيبوتي، والصراع في اليمن، وتهديدات القرصنة البحرية وتنظيم القاعدة والإرهاب البحري، والعمليات الحوثية والتهريب البحري، والهجرة والتجارة غير الشرعية، وتهريب البشر والمخدرات، والتدخّل الخارجي والصيد الجائر والألغام البحرية، والوجود العسكري الأجنبي، وأخيراً التنافس والصراع على الموانئ والقواعد البحرية اللوجيستية والعسكرية.
تعزيز الحضور السعودي في سواحله:
عززت السعودية والإمارات ومصر من الحضور الاقتصادي والعسكري في البحر الأحمر خلال السنوات الأخيرة، فبالإضافة للخطوات السعودية المتمثّلة في عدد من صفقاتِ السفن والقطع البحرية الحربية، والسعي لتطوير عددٍ من الموانئ داخل الدولة وخارجها، قامت مصر بخطوات مماثلة نحو تعزيز قدراتها البحرية وتدشينها للأسطول الجنوبي في البحر الأحمر، وسط تنسيقٍ عالي المستوى مع المملكة، وخاصة بعد ترسيم الحدود البحرية ودخول البلدين إلى مجالات أوسع من التعاون الاقتصادي، والاستفادة من ثروات البحر الأحمر، كما قدّمت الإمارات تعهداتٍ استثماريةً كبيرة في مشروعات قناة السويس وعددٍ من الموانئ في مصر، مثل ميناء العين السخنة، فضلاً عن سعي السعودية لإنشاء قواعد في جيبوتي وإريتريا.
لقد دعمت المملكة ميزانية مصر منذ ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مما ساعد الدولةَ المصرية على تحديث قدرات قواتها المسلحة وعلى رأسها القوات البحرية، وهو الاتجاه الذي دعمته المملكة، ويمكن القول إن وجود الأسطول البحري المصري الجنوبي في البحر الأحمر، قد يُمثّل نواةً في المستقبل القريب، لتحالفٍ عسكري مصري-سعودي، في مواجهةِ الأخطار الإيرانية بالبحر الأحمر، إلا أن ذلك يتطلب عملاً دبلوماسياً بين البلدين، يعيد تعريف التهديدات في البحر الأحمر ويحدّد التهديدات المشتركة، والأخطار الاستراتيجية التي تواجههما معاً، وكيفية التعامل معها، سواءً كان ذلك من الجانبين أو من جانبٍ واحد، خاصة أن كلاً من مصر والسعودية تنظران إلى الأمن القومي لكلّ بلد منهما على أنه جزء لا يتجزأ من الأمن القومي للبلد الآخر. وبالفعل تقدّم مصر التزاماً عسكرياً في حماية أمن البحر الأحمر، وخاصة تأمين قناة السويس، والمشاركة مع المملكة في تأمين مضيق باب المندب، فهناك التزام بديهي بين البلدين بوجود تكاملٍ استراتيجي أمني وعسكري للردع، أو المتوضع إزاء القوى الإقليمية الأخرى، سواء كانت مشاطئةً للبحر أو طامحةً للتوسّع في سواحله.
واستضافت المملكة في يناير الماضي التدريبَ العسكري البحري (الموج الأحمر-1) بالمياه الإقليمية السعودية في البحر الأحمر، وذلك بمشاركة مصر والأردن وجيبوتى والسودان واليمن، حيث أكدت السعودية أن هذا التدريب يمثل باكورةً للعمل البحري المشترك، لتعزيز الأمن البحري الإقليمي في منطقة البحر الأحمر، الذي يُعدُّ من أهمّ الممرات البحرية التي تغذي معظمَ أنحاء العالم اقتصادياً، وإضافةً ملموسة لتنمية قدرات ومهارات العناصر المشاركة، للعمل في مختلف المسارح البحرية، للتصدي لأي أعمال عدائية محتملة تؤثر على أمن المنطقة وسلامتها، وتشمل هذه المناورات تعزيزَ القوات الدفاعية وتأمين الملاحة البحرية، ودعم الأمن البحري للدول المطلة على البحر الأحمر، وحماية المياه الإقليمية، وتعزيز التعاون العسكري، وتبادل الخبرات القتالية بين البلدان المشاركة.
- المبادرة بمشروعات التنمية:
مبادرة السعودية بمشروع البحر الأحمر ومشروع نيوم، تمثل أحد أهم مرتكزات رؤية المملكة 2030
تنطلق المملكة في استراتيجيتها الاقتصادية نحو البحر الأحمر من مبدأ تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة، فقد بادرت بمشروع البحر الأحمر ومشروع نيوم، وهما يمثلان أهمّ مرتكزات رؤية المملكة 2030، وكلاهما مرتبط بجهود التنمية الوطنية السعودية، والتنمية المشتركة التكاملية بين المملكة ودول البحر الأحمر وخاصة مصر والأردن، ويمثل مشروع البحر الأحمر مشروعاً سياحياً وصناعياً بالأساس، بالاستفادة من شواطئ البحر الأحمر وجزره.
أما مشروع نيوم وهو في المحور الشمالي للحدود السعودية على البحر الأحمر، فهو عبارة عن مدينة استثمارية متكاملة، على مساحة 26 ألفاً و500 كيلومتر مربع، بين السعودية ومصر والأردن، وباستثمارات مبدئية تصل إلى 500 مليار دولار، بدعمٍ من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وتملك المدينة الجديدة امتداداً شاطئياً على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 480 كيلومتراً، وبجانب موقعها المهم الرابطِ بين أفريقيا وآسيا والقريب من أوروبا، يستطيع أكثرُ من 70% من سكان العالم الوصولَ إليها في غضون 8 ساعات أو أقل، إضافةً إلى 12 مدينة متنوعة و6 تجمّعات حضرية في الوديان والجبال، فضلاً عن ميناء ضخم، و3 مطارات صغيرة ومطار دولي كبير، ومنطقةٍ صناعية ضخمة.
كما أن دعم المملكة لإنشاء كيان إقليمي للبحر الأحمر، يمكن أن يكون إطاراً مناسباً يُرسي قواعدَ تعاونٍ اقتصادي إقليمي متناغم يحقّق المنفعة المشتركة.
أما في المحور الأوسط من الحدود السعودية على البحر الأحمر، فخلال السنوات الماضية، عززت اللجنة السعودية السودانية الدائمة لاستغلال الموارد التعدينية بالبحر الأحمر، دورَها انطلاقاً من الاتفاق السعودي الموقّع مع السودان في مايو 1974، بشأن الاستكشاف و الاستغلال المشترك لسرير البحر الأحمر وموارد التربة الباطنة، والذي يمثل اتفاقاً غير متكرر مع دولة أخرى مشاطئة للبحر.
وعليه، تتطلب البيئة الأمنية الراهنة في المنطقة، إيجاد تصوّر شامل جديد وعملي، لبناءِ استراتيجية تكاملية تحقّق مظلةً أمنية، للوصول إلى إنشاء كيان إقليمي يوفّر منظومةً سياسية واقتصادية وأمنية متماسكة وقادرة على التعامل مع القوى العظمى والإقليمية، تبعاً لتنوّع المخاطر والتهديدات، سواء كانت استهدافاً خارجياً أو إرهاباً أو قرصنة، بحيث يكون للدول المتشاطئة الدورُ الأول في تأمين حرية الملاحة بالبحر الأحمر، وتوجيه جهود التنمية المشتركة على سواحله، والعمل على بناء منظومة ردع استراتيجية مشتركة، تحقّق إمكانيةَ مواجهةِ التهديدات المستقبلية لتحقيق أمن البحر الأحمر.