الدراسات الإعلامية

كيف يسهم الاندفاع لتَشَارُك الأخبار في نَشْر المعلومات المضلِّلة؟

الرغبة في الاطلاع على ما يخص جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، تُلزم الأشخاص بالضرورة، بتحري الدقة في المعلومات الصحية عند قراءة وتداول الأخبار، وهذا يعني أنهم معرَّضون للتضليل فيما يتعلق بالأمور الصحية عَبْر محتوى كاذب يتم الترويج من خلال الإنترنت.

وقدَّمت دراسة صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رؤية جديدة قد تساعد في تحجيم آثار تلك المشكلة، حيث أُجريت الدراسة على عينة تضم أكثر من 1700 بالغ أمريكي، باستخدام منصة “لوسيد– Lucid” لمسح وتحليل مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تطابق المشاركون من حيث التوزيع العمري والجنس والعرق.

وتم تقسيمهم إلى مجموعتين، في الأولى كان أداء المشاركين أسوأ بكثير في التمييز بين المحتوى الصواب والخطأ عند تحديد ما سيشاركونه على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنةً بالوقت الذي سئلوا فيه مباشرة عن دقة ذلك المحتوى، أمَّا المجموعة الثانية فقد عكست ارتباطا إدراكيًّا أكبر ومعرفة علمية أقوى، إذ تضاعَفَ ثلاث مرات تقريبًا مستوى تمييز الحقيقة في نيات المشاركة اللاحقة للأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي.

مسح لأكثر من 1700 أمريكي حول الأخبار الكاذبة عن كورونا

وتضمَّنت التجربة الأولى 853 مشاركًا في الفئة العمرية من 18 إلى 90 عامًا وقد بلغ متوسط أعمارهم 46 سنة، واستخدمت 15 عنوانًا إخباريًّا صحيحًا و15 عنوانًا إخباريًّا كاذبًا حول فيروس كورونا، من خلال منشورات على موقع “فيسبوك- Facebook“، مع عنوان وصورة وجملة أولية من القصة الخبرية.

وتم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين، سُئلتْ المجموعة الأولى عمَّا إذا كانت العناوين دقيقة، وسُئلت المجموعة الثانية عما إذا كانوا سيفكرون في مشاركة المنشورات على منصات مثل “فيسبوك-“Facebook، و”تويتر-Twitter“.

وحكمت المجموعة الأولى بشكل صحيح على دقة القصص في نحو ثلثي الوقت. أمَّا المشاركون في المجموعة الثانية فقد شاركوا نحو نصف القصص الحقيقية، وأقل بقليل من نصف القصص الزائفة، ممَّا يعني أن حكمهم حول القصص التي سيشاركونها كان عشوائيًّا تقريبًا فيما يتعلق بالدقة.

أمَّا عن التجربة الثانية فقد تضمنت 856 مشاركًا في الفئة العمرية من 18 إلى 86 عامًا، وقد بلغ متوسط أعمارهم 47 عامًا، وتم تقسيمهم أيضًا إلى مجموعتين، وعُرض عليهم نفس مجموعة العناوين الخاصة بالتجربة الأولى.

وقد نظرت المجموعة الأولى بسهولة في العناوين الرئيسية وقررت ما إذا كانوا سيشاركونها على وسائل التواصل الاجتماعي أم لا، ولكن طُلب من المجموعة الثانية من المشاركين تقييم عنوان غير ذي صلة بفيروس كورونا قبل اتخاذ قرارات بشأن مشاركة المجموعة الأكبر من العناوين المتعلقة بكورونا.

وأحدثت تلك الخطوة الإضافية -تقييم عنوان واحد غير ذي صلة بكورونا- فرقًا كبيرًا، إذ كانت درجة “التمييز” بالنسبة للمجموعة الثانية -الفجوة بين عدد القصص الدقيقة وغير الدقيقة التي شاركوها- أكبر بثلاث مرات تقريبًا عن المجموعة الأولى.

تأثير الانعكاس المعرفي والإثارة العاطفية في اتجاهات مشاركة الأخبار

وقام الباحثون بتقييم العوامل الإضافية التي قد تفسر الاتجاهات في ردود المشاركين. وأجروا “اختبار الانعكاس المعرفي– Cognitive Reflection Test CRT”  على جميع المشاركين لتقييم ميلهم لتحليل المعلومات بدلًا من الاعتماد على الغرائز الدفينة، وكذلك تقييم مقدار المعرفة العلمية التي يمتلكها المشاركون.

ووجد الباحثون أن المشاركين الذين سجَّلوا درجات أعلى في اختبار CRT، ولديهم المزيد من المعرفة العلمية، صنفوا العناوين بشكل أكثر دقةً وقاموا بمشاركة عناوين كاذبة أقل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتشير هذه النتائج إلى أن الطريقة التي يقيِّم بها الأشخاص القصص الإخبارية لا علاقة لها بآرائهم الحزبية مسبقًا بشأن الأخبار، بل إنها أكثر ارتباطًا بقدراتهم المعرفية الأوسع.

وكان ديفيد راند، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجوردون بينيكوك، وهو أستاذ مساعد في علم السلوك في جامعة ريجينا الكندية قد أجْرَيَا تجربة مماثلة حول أخبار ذات طابع سياسي وتوصَّلا إلى أن العادات المعرفية تؤثر أكثر من الآراء الحزبية على الطريقة التي يحكم بها الأشخاص على دقة القصص الإخبارية، وتؤدي إلى تَشارُك المعلومات الخاطئة.

وفي هذه الدراسة أراد الباحثون معرفة ما إذا كان القراء قد حلَّلوا قصص كورونا، والمعلومات الصحية، بشكل مختلف عن المعلومات السياسية، لكن النتائج كانت بشكل عام مشابهة لتجارب الأخبار السياسية.

ويقول جاكسون جي لو، أستاذ مساعد التطوير الوظيفي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “تشير نتائجنا إلى أن المخاطرة بين الحياة والموت فيما يتعلق بكورونا لا تجعل الأشخاص يأخذون الدقة في حساباتهم عندما يقررون ما يجب مشاركته.

وخلصت الدراسة إلى أن جزءًا من مشكلة الصحة، وهذا الوباء، هو أنه يسبِّب القلق الشديد، حيث إن الإثارة العاطفية تجعل الشخص أقل عرضة للتوقُّف والتفكير بعناية.

كما يرى الباحثون أن التفسير الرئيسي لذلك يعود ببساطة إلى بنية وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشجِّع على التصفُّح السريع لعناوين الأخبار، وترفع عناصر الأخبار المتناثرة، وتكافئ المستخدمين الذين ينشرون أخبارًا لافتة للنظر، من خلال منْحهم المزيد من المتابعين وإعادة التغريد، حتى لو تصادف أن هذه القصص غير صحيحة.

كما لفتت الدراسة إلى أن هناك شيئًا أكثر منهجية وأساسية في سياق وسائل التواصل الاجتماعي يصرف الناس عن الدقة، وهو الرغبة في الحصول على التعليقات الاجتماعية الفورية طوال الوقت، ففي كل مرة تنشر فيها شيئًا ما، ترى على الفور عدد الأشخاص الذين أعجبهم، وهذا يؤدي إلى تركيز الاهتمام على عدد الأشخاص الذين سيعجبون بذلك الخبر، وقطعًا هذا الأمر يختلف عن مدى صحة الشيء الذي يتم نشره.

غَلَبَة الميل لمشاركة الأخبار على التقييم الموضوعي لدقة المحتوى

وأخيرًا.. خلصت الدراسة إلى أن الأشخاص يشاركون ادعاءات كاذبة حول فيروس كورونا، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنهم ببساطة يفشلون في التفكير بشكلٍ كافٍ حول ما إذا كان المحتوى دقيقًا أم لا عند اتخاذ قرار بشأن ما يجب مشاركته.

وتوصلت الدراسة إلى أنه عندما يستهلك الأشخاص الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ميلهم إلى مشاركة هذه الأخبار مع الآخرين يتعارض مع قدرتهم على تقييم دقتها.

وفي هذا الإطار يقول ديفيد راند، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو أحد المشاركين في تأليف الورقة البحثية: “يبدو أن هناك انفصالًا بين أحكام الدقة وتقاسم النيات، فالأشخاص أكثر إدراكًا عندما تطلب منهم الحكم على الدقة، مقارنة بالوقت الذي تسألهم فيه ما إذا كانوا سيشاركون شيئًا ما أم لا.”

ورأى راند أن القليل من التفكير يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا، حيث إن المشاركين الذين كانوا أكثر عرضة للتفكير النقدي، أو الذين لديهم المزيد من المعرفة العلمية، أقل عرضة لتبادل المعلومات الخاطئة. وعندما سُئلوا مباشرة عن الدقة، كان أداء معظم المشاركين جيدًا بشكل معقول في تداول عناوين الأخبار الصحيحة عن العناوين الخاطئة.

وعلاوة على ذلك، تقدِّم الدراسة حلًّا للمشاركة المفرطة، فعندما طُلب من المشاركين تقييم دقة قصة واحدة غير كورونا، زادت جودة الأخبار التي شاركوها عن كورونا بشكل كبير.

وتشير الدراسة إلى أنه إذا دُفعت الأشخاص نحو الدقة في البداية، فمن المرجَّح أن يفكِّروا في مفهوم الدقة عندما يختارون ما يشاركونه فيما بعد. ومن ثم فإنهم يأخذون الدقة في الاعتبار أكثر عندما يتخذون قراراتهم بشأن المشاركة.

زر الذهاب إلى الأعلى