تقارير

خدمات تحديد الموقع ومخاطر الخصوصية في العصر الرقمي

تملك وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرًا أكبر من أي وسيلة أخرى لتداول المعلومات، حيث يستخدم ملايين الأشخاص أشكالًا مختلفة من الشبكات الاجتماعية، سواء للتواصل مع الأشخاص أو مشاركة المعلومات الخاصة أو الترويج لأعمالهم التجارية أو استخدامها كمنصة للتعبير عن الرأي.

وعلى الرغم من أننا نستمتع بجميع المزايا التي توفِّرها هذه الوسيلة، فإن هناك دائمًا قلقًا واحدًا يكمن في الخلفية وهو خصوصية وأمن معلوماتنا، وينطبق هذا بشكل خاص في حالة مشاركة محتوى الوسائط المتعددة الشخصي، مثل مقاطع الفيديو أو الصور التي تميل إلى الانتشار السريع تقريبًا داخل مواقع الشبكات الاجتماعية.

وفي حين قد يبدو من الطبيعي مشاركة بعض إنجازاتك الشخصية وخبرتك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن التناول المفرط للبيانات والمعلومات عبر الإنترنت قد يعرض سلامتك للخطر.

تطبيقات تتبُّع الموقع الجغرافي.. بين محاصرة كورونا واختراق الخصوصية

في السنوات الأخيرة، ظهرت وسيلة بديلة يمكن من خلالها للأشخاص مراقبة أماكن وجود الآخرين أو ما يفعلونه، حيث أصبح تتبُّع الاتصال من خلال خدمات الموقع النشط منتشرًا بشكل متزايد، خاصة خلال هذه الأوقات غير المسبوقة عندما يتم استخدام التكنولوجيا لتتبُّع عدوى فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، إذ تحث الحكومات الأشخاص على تنزيل تطبيقات تتبع الاتصال للمساعدة في مكافحة الجائحة، ويُتوقع من المستخدمين إدخال بعض المعلومات الشخصية المتعلقة بحالتهم الصحية وتحديثات للأعراض المحتمَلَة لفيروس كورونا، إلا أن تلك التطبيقات أثارت مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمان حيث ينظر كثير من الأشخاص إليها بعدم ثقة.

ويقول كريس هازلتون، مدير تسويق المنتجات في شركة Lookout المتخصصة في أمن الهواتف الجوالة إن “هناك تطبيقات تتبع نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس- GPS)”، مضيفًا أنهم «يستفيدون من نظام (جي بي إس- GPS) وشبكة “الواي فاي-Wi-Fi”، ممَّا يمنحك معلومات جيدة عن مكان وجود الشخص، وفي حين يمكن أن يكون ذلك مفيدًا حقًّا، لكنه أيضًا يعدُّ اختراقًا كبيرًا للخصوصية».

وقد أصبحت مشاركة الموقع مع الأصدقاء عبر الهواتف الذكية ممارسةً شائعةً في الآونة الأخيرة. وفي حين أن الكثيرين قد يقولون إن هذا غير ضروري، يرى البعض الآخر أنه من الطبيعي معرفة مكان أصدقائك وماذا يفعلون دون الحاجة إلى إخبارك شخصيًّا.

الرغبة في الشعور بالأمان دافع رئيسي لمشاركة الموقع مع الآخرين

وفي هذا الإطار، أجرت شركة “ADT” لأنظمة الأمن الإلكتروني دراسة على أكثر من 1000 أمريكي يفعِّلون خدمات تحديد الموقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ورصدت الدراسة عدد الأشخاص الذين حافظوا على خدمات الموقع الخاصة بهم نَشِطَةً، والذين شاركوا أماكن وجودهم مع الآخرين، سواء كانوا من أُسَرِهِم أو أصدقائهم وما قد يفعلونه بالمعلومات التي يتلقَّوْنها.

وأظهرت نتائج المسح أن 35% من الأمريكيين أكدوا تشغيل مواقع هواتفهم، إمَّا دائمًا أو غالبًا، و40% يقومون بتمكين خدمات مواقعهم في بعض الأحيان فقط، بينما ذكر 22% أنهم نادرًا ما يشغِّلون خدمات مواقعهم في هواتفهم الذكية، في حين قال 4% إنهم يوقفونها في جميع الأوقات. كما أبلغت 41% من النساء عن شعورهن بالأمان بعد مشاركة موقعهن، مقابل 26% من الرجال.

وأظهرت النتائج أيضًا أن 57% من الأمريكيين الذين لديهم حسابات على “إنستغرام -Instagram” شاركوا موقعهم من خلال التطبيق، في حين أن 43% من مستخدمي “فيسبوك-Facebook “، و39% من مستخدمي “سناب شات- Snapchat” فعلوا الشيء نفسه.

وذكرت أنجيلا سكين، التي تقود فريق الدراسة أن السبب الأكثر شيوعًا لقيام غالبية الأشخاص بمشاركة موقعهم هو الرغبة في الشعور بالأمان، موضحة أنه من خلال خيارات وسائل التواصل الاجتماعي “التحديد الجغرافي – geotagging” و”الدخول- checking”، يمكن للمرء بسهولة مشاركة مواقعهم عبر “مواقع الشبكة الاجتماعية-social network sites”.

وفي هذا الإطار، اعتبر 60% من المشاركين في استطلاع “ADT” أنهم يشعرون بالأمان عندما يعرف شركاؤهم أو أزواجهم مكانهم من خلال الوصول إلى موقعهم، في حين شارك 40% بيانات موقعهم مع والديهم و42% مع أشقائهم.

وعلى العكس من ذلك، قال 39% من الأمريكيين إنهم شعروا بعدم الأمان عندما كان الآخرون على علم بمكان وجودهم من خلال خدمات الموقع، وقال 35% نفس الشيء فيما يتعلق بمشاركة هذه المعلومات مع والديهم.

وسيلة للتعارف وإشباع رغبات الفضوليين.. وتهديد خطير للسلامة

أمَّا من حيث تواتُر استعمال خدمات تحديد الموقع، فلا يقوم معظم الأشخاص دائمًا بتفعيل خدمة تحديد الموقع حتى يعرف الآخرون مكان وجودهم. وقد أقرَّ 31% فقط من المشاركين في الاستطلاع بأنهم يتحققون من موقع شريكهم كل يوم، في حين قال 28% من الآباء و27% من الأشقاء نفس الشيء.

ورد 48% من الآباء قائلين إنهم يستخدمون خدمات الموقع بانتظام للتحقُّق من أماكن أطفالهم.

ورأت 62% من النساء أنهن أكثر احتمالًا من الرجال (58%) للتحقُّق من موقع الآخرين لضمان سلامتهم. من ناحية أخرى قال 40% من الرجال إنهم أكثر عرضة لاستخدام خدمات الموقع ببساطة بدافع الفضول لمعرفة ما إذا كان الشخص الآخر خارجًا بدونهم.

وفي بعض الحالات يمكن أن تؤدي مشاركة بيانات الموقع من خلال أي وسيط أيضًا إلى تخطِّي شخصٍ ما لحدوده، واعترف 17% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع بأنهم استخدموا عَمْدًا معلومات وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع شخصٍ ما في الأماكن العامة.

كما أقرَّ 25% من الرجال و20% من النساء أيضًا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو معلومات موقع الهاتف الذكي للتحقُّق من مكان وجود شريك سابق، بعد الانفصال عنهم.

من جهة أخرى، قد يشكِّل الإفراط في مشاركة المعلومات الخاصة عبر المجال العام تهديدًا خطيرًا للسلامة. فعندما يشارك المرء تفاصيل عطلة عبر الإنترنت، فإن ذلك لا يجعله هدفًا سهلًا إذا كان موجودًا في منطقة غير مأهولة فحسب، بل يمكن أن يكون أيضًا إشارة إلى اللصوص بأن منزله فارغ حاليًّا وربما يكون غير مُؤَمَّنٍ بالقدر الكافي.

وعلى الرغم من أن غالبية المشاركين في الاستطلاع شعروا بالارتياح لمشاركة مواقعهم، فإنهم اعترفوا أيضًا بأنهم يدركون أن ذلك يعرِّض منازلهم ومقتنياتهم الثمينة للخطر، فمن بين الأشخاص الذين تم اقتحام منازلهم أثناء وجودهم بالخارج، ذكر 41% أنهم شاركوا موقعهم قبل حدوث تلك الحوادث.

وأخيرًا.. يمكن القول بأن تفعيل خدمة تحديد الموقع عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعدُّ سلاحًا ذا حدَّيْن، فبينما قد يؤدي إلى شعورٍ بالأمان لدى البعض، إلا أنه في المقابل قد يُشعِر أفرادًا آخرين بأنهم مهددون عبر إمكانية الوصول المباشر إلى مواقعهم، ممَّا يضعهم في دائرة الخطر، كما قد يُوفِّر معلومات تسهل ارتكاب جرائم كالسرقة أو الاعتداء على ممتلكات أو ذوي الشخص الذي يخضع للرقابة عبر تفعيله تلك الخدمة.

زر الذهاب إلى الأعلى