في قمة هي الأولى من نوعها في الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تستضيف قاعدة عسكرية في ولاية ألاسكا الأمريكية منتصف الشهر الجاري، اجتماعًا بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة سبل إنهاء الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022.
وستُمثل هذه أول زيارة لبوتين للولايات المتحدة منذ عام 2015، كما أنها تعد من الزيارات الخارجية القليلة للرئيس الروسي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة حيث باتت تحركاته الخارجية نادرة ومنحصرة في دوائر معينة بسبب مذكرة توقيف ضده صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
ونظرًا لكون الولايات المتحدة ليست عضوًا في نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية فإنها غير مُلزمة باعتقال بوتين. ومن الأمور الجديرة بالملاحظة في تلك القمة عقدها في ولاية كانت في السابق جزءًا من الإمبراطورية الروسية، حيث اشترتها الولايات المتحدة من روسيا مقابل 7.2 مليون دولار، وفي 18 أكتوبر عام 1867 تم رفع العلم الأمريكي في عاصمة ألاسكا، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
- أجواء محيطة بالقمة
تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية من الملفات الرئيسية على أجندة ترامب من قبل توليه مهام منصبه في يناير الماضي، إذ سبق ووعد بإنهاء تلك الحرب خلال 24 ساعة، إلا أن إدارته أمضت عدة أشهر ترسل إشارات ودية إلى موسكو بغية حلحلة الأزمة دون أن تلقى نتيجة، وهو ما دفع ترامب في منتصف الشهر الماضي لاتخاذ مواقف أكثر صرامة، حيث الموافقة على بيع أسلحة أمريكية لكييف- سيسدد حلف الناتو ثمنها- كما لوح بفرض عقوبات على شركاء روسيا التجاريين، ومنح مهلة لموسكو أواخر الشهر الماضي بشأن التوصل لاتفاق سلام مع كييف وقلصها من 50 يومًا إلى 10 أيام، ثم جاء الإعلان عن تلك القمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي والروسي بعد زيارة للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لموسكو عشية انتهاء تلك المهلة التقى خلالها بوتين.
وبحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، ثمة شكوك كبيرة حول ما يمكن تحقيقه فعليًا في القمة بين الرئيسين الأمريكي والروسي، لا سيما وأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم تتم دعوته للحضور، كما أن ترامب نفسه قلل من شأن التوقعات بشأن القمة، واصفًا إياها بأنها “اجتماع تمهيدي”، مما يوحي بأنه لا يتوقع التوصل إلى اتفاق ملموس.
في غضون ذلك، تشعر كييف وحلفاؤها بالقلق من أن يستغل بوتين الاجتماع لدفع ترامب نحو دعم صفقة تصب في مصلحة روسيا. وقد حذر زيلينسكي، الذي تربطه علاقة متوترة بترامب منذ سنوات في خطاب من أن بوتين يريد “خداع أمريكا”. كما صرح بأن بوتين سيصور اجتماعه مع ترامب على أنه “انتصار شخصي له، ثم سيواصل التصرف كما كان من قبل”، مشيرا إلى أنه لم ير أي مؤشرات على جدية الرئيس الروسي في السعي لتحقيق السلام، على حد تعبيره.
- حسابات موسكو
يستبعد الدكتور أندرياس أوملاند، المحلل في مركز استوكهولم لدراسات أوروبا الشرقية في المعهد السويدي للشؤون الدولية أن تُسفر المحادثات بين ترامب وبوتين عن أي نتائج سياسية ذات دلالة ودائمة.
واعتبر أوملاند في مقال تحليلي نشره بمجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، أنه طالما لم تكن هناك ضمانات أمنية موثوقة لأوكرانيا، فإن وقف إطلاق النار لن يُسهم إلا في تمكين كلا الجانبين من إعادة تجميع قواتهما العسكرية ومواردهما الاقتصادية، بالإضافة إلى إعداد إدارتيهما وشعبيهما للجولة التالية من التصعيد.
كما أشار إلى أن التوصل إلى هدنة مؤقتة قد يكون جزءا من استراتيجية موسكو إذا رأت أن فترة وقف إطلاق النار تخدم مصالحها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والجيو – استراتيجية الحالية، حيث يمكن للكرملين استخدام مسار التسوية وتوقف القصف لتقويض الوحدة والتصميم اللذين نما في أوروبا بشأن تقديم المساعدات لأوكرانيا، ولتعميق الخلاف القائم بالفعل بين الولايات المتحدة وشركائها الآخرين في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
ويوضح أيضًا أن وقف إطلاق النار المحدود من شأنه أن يتيح فرصة لإعادة تجميع القوات الروسية، وترسيخ السيطرة على الأراضي الأوكرانية التي ضمّتها، والتشكيك في سياسة العقوبات الغربية.
ولفت إلى ثمة خيار آخر قد يكون في مصلحة روسيا حاليًا وهو وقف إطلاق نار محدود للأسلحة بعيدة المدى، مع امتناع كلا الجانبين عن شن هجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار “الدرونز” خارج خط المواجهة. فعلى مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، هاجمت روسيا العديد من أهداف البنية التحتية الرئيسية الأوكرانية بدرجات متفاوتة من النجاح. وفي المقابل، نجحت أوكرانيا مرارًا وتكرارًا في الأشهر الأخيرة في شن هجمات طويلة المدى بطائرات “درونز” على أهداف عسكرية وصناعية وأخرى متعلقة بالبنية التحتية الروسية، كما تمكن الأوكرانيون من ضرب قواعد عسكرية ومستودعات وقود ومطارات ومصافي نفط وغيرها من المنشآت الدفاعية في عمق الأراضي الروسية.
- سلوك ترامب التفاوضي
يعتبر سلوك ترامب التفاوضي من بين الجوانب الأساسية التي ترسم مسار القمة ومخرجاتها المتوقعة، وهي مسألة تؤرق العديد من الدوائر السياسية الغربية وتثير مخاوف محللين من تكرار ما يصفونه بالخطأ التاريخي الذي حدث في اتفاقية ميونيخ عام 1938.
ويشير جون فورمان، الباحث المشارك لدى مؤسسة تشاتام هاوس البحثية إلى أنه يشعر “بقلق بالغ” إزاء احتمال تسرع ترامب في إبرام صفقة لتعزيز صورته كصانع سلام واستعداده الواضح لإبرام صفقة تتجاوز أوكرانيا على غرار ميونيخ، في إشارة إلى اتفاقية ميونيخ سيئة السمعة لعام 1938، والتي تضمنت سماح القوى الغربية لألمانيا النازية بضم إقليم السوديت من تشيكوسلوفاكيا، حيث اعتُبر ما فعله القادة المشاركون في الاتفاقية آنذاك مثل رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين، خيانة لتشيكوسلوفاكيا من أجل إرضاء الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر.
وبالعودة إلى الحالة الأوكرانية الراهنة، فإن ترامب كان غامضًا بشأن ما ينبغي أن ينطوي عليه اتفاق السلام بين أوكرانيا وروسيا تحديدًا، لكنه تحدث مؤخرًا عن إمكانية إبرام صفقة تتضمن “تبادل أراضٍ” بين أوكرانيا وروسيا، مشيرًا أيضًا إلى أنه “سيحاول استعادة بعض تلك الأراضي لأوكرانيا”.
وتسيطر القوات الروسية حاليًا ما يقرب من خُمس أراضي أوكرانيا، كما أن روسيا استعادت أيضًا تقريبًا جميع أراضي منطقة كورسك الروسية الحدودية التي سيطرت عليها أوكرانيا عقب توغل مفاجئ في الصيف الماضي، مما يجعل من غير الواضح ما الذي ستقدمه كييف في أي صفقة تشمل تبادلًا للأراضي، فضلا عن أن الرئيس الأوكراني رفض التنازل عن أراضٍ لروسيا كجزء من اتفاق سلام.
من جهته، يرى دانيال فريد، السفير الأمريكي السابق في بولندا وزميل المجلس الأطلسي حاليًا، أن الاجتماع قادر على الدفع باتفاقٍ لائقٍ بما يكفي، ولكن فقط إذا لم يُعط بوتين ما يريده، وهو بعض الأراضي الأوكرانية، مشيرا إلى أنه يمكن للاتفاق أن يعترف بالحدود القائمة بحكم الأمر الواقع، بل ويُعدّلها، لكن يجب أن يتجنب الاعتراف القانوني بضم روسيا للأراضي الأوكرانية.
ورأى فريد أن أي اتفاق يجب ألا يُقيّد قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، أو تسلم الأسلحة من حلفائها، أو طلب دخول قوات أجنبية إلى أراضيها، وأن أي قيود يريدها بوتين يجب أن تُفرض على روسيا بالتساوي، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لديها نفوذٌ حيث القدرة على الإضرار باقتصاد روسيا، والقدرة على الاستمرار في تسليح أوكرانيا.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين قد لا تحمل نتيجة حاسمة وسريعة بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا لكن المؤكد أنها ستكون نقطة مفصلية فيما يخص شكل الدعم الأمريكي لكييف خلال المرحلة المقبلة ورؤية واشنطن لملامح تسوية الأزمة الأوكرانية، ولسياسات حلف الناتو في شرق أوروبا.