ملخص تنفيذي
تُمثل العلامة الوطنية للدول “Nation branding” أداة لتعزيز صورتها الذهنية وهويتها الوطنية وترسيخ مكانتها على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتعمل الدول على بناء وتعزيز علامتها الوطنية باستخدام كثير من الاستراتيجيات، ومنها استراتيجية “استضافة الأحداث البارزة Spotlight Hosting Events”، كونها تجذب انتباه الجمهور من مختلف دول العالم، وتحظى باهتمام كبير وتغطية واسعة من وسائل الإعلام الدولية.
وتسعى هذه الدراسة التي أجراها مركز القرار للدراسات الإعلامية إلى استكشاف كيفية توظيف المملكة العربية السعودية للفعاليات العالمية في تعزيز علامتها الوطنية، والتعرف على أبرز العناصر المكونة لها، وذلك بإجراء تحليل سيميولوجي للشعارات المعتمدة لعدد من الفعاليات التي تستضيفها أو تُنظمها المملكة والمتمثلة في (كأس العالم 2034 – دورة الألعاب الآسيوية 2034 – قمة مجموعة العشرين G20 – إكسبو 2030) وكذلك (مبادرة السعودية الخضراء) التي أطلقتها المملكة باعتبارها تتماهى مع التوجهات العالمية.
وقد انتهت الدراسة إلى ما يلي:
- وظّفت شعارات الفعاليات ذات الطابع العالمي التي تستضيفها المملكة والمبادرات التي تُطلقها في إبراز الإرث الثقافي السعودي وسمات الشعب الأصيلة.
- اهتمت تلك الشعارات بإظهار المقومات السياحية الفريدة التي تتميز بها المملكة.
- اشتمال كل شعار من الشعارات الخاصة بالفعاليات محل التحليل على عنصر بصري أو أكثر يعكس الهوية السعودية أو الإرث الثقافي للمملكة.
- تباينت أساليب التصميم وعناصر تكوين الهويات بشكل يتناسب مع الطبيعة الوظيفية لكل فعالية.
- تكاملت العناصر البصرية واللفظية في الشعارات.
- جاء اللون الأخضر الأكثر تمثيلًا في الشعارات سواء على مستوى العناصر البصرية أو اللفظية.
- تكرّر توظيف خريطة المملكة العربية السعودية كرسم أيقوني يحتضن الفعاليات.
- اتخذت الهويات البصرية من الطباع المتجذرة للشعب السعودي أساسًا تمثيليًا مُعبرًا عن الكرم في استقبال ضيوف المملكة.
- تضمنت الشعارات كثيرا من العناصر المُشكلة للعلامة الوطنية السعودية، أبرزها ما يلي:
- خريطة المملكة العربية السعودية.
- الهوية الثقافية والتراثية.
- اللون الأخضر.
- النهضة الاقتصادية.
- التطور العمراني.
- التنوع المناطقي في المملكة.
- السمات الشخصية للسعوديين.
- النماء والازدهار.
- رؤية المملكة 2030.
- استهداف التنمية والرخاء للبشرية جمعاء.
مقدمة
تُمثل العلامة الوطنية للدول “Nation branding” أداة لتعزيز صورتها الذهنية وهويتها الوطنية وترسيخ مكانتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتُعرف بأنها “الخطط الاستراتيجيـة والتنافسيـة الوطنية التي تستهدف تثبيت السمات والخصائص التي تتميز بها الدول سواءً في مناطقها أو مدنها أو أقاليمها، واستغلال مواردها وثرواتها الوطنيـة وثقافتها وتراثها وفنونها بل وحتى الصناعات التي تتميـز بها لبناء سمعة مميـزة وجاذبة ترتبط بذهن العموم، وتتنافس بها على الصعيد الدولي لتحقيق تطلعاتها التنموية”.
وتعمل الدول على بناء وتعزيز صورتها أو هويتها الذهنية وترسيخ علامتها الوطنية باستخدام كثير من الاستراتيجيات، ومنها استراتيجية “استضافة الأحداث البارزة Spotlight Hosting Events”، كونها تجذب انتباه الجمهور من مختلف دول العالم، وتحظى باهتمام كبير وتغطية واسعة من وسائل الإعلام الدولية.
وفي هذا الإطار، يبرز نجاح المملكة العربية السعودية في استضافة كثير من الفعاليات ذات الطابع العالمي، لما تمتلكه من بُنى تحتية وإمكانات لوجستية وقدرات تنظيمية ضخمة تُسهم بشكل كبير في إنجاح مختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والفنية والترفيهية وغيرها.
وبناءً على ما تقدم، تسعى هذه الدراسة التي أجراها مركز القرار للدراسات الإعلامية إلى استكشاف كيفية توظيف المملكة العربية السعودية للفعاليات العالمية في تعزيز علامتها الوطنية، والتعرف على أبرز العناصر المكونة لها، وذلك بإجراء تحليل سيميولوجي للشعارات المعتمدة لعدد من الفعاليات التي تستضيفها أو تُنظمها المملكة والمتمثلة في (كأس العالم 2034 – دورة الألعاب الآسيوية 2034 – قمة مجموعة العشرين G20 – إكسبو 2030) وكذلك (مبادرة السعودية الخضراء) التي أطلقتها المملكة باعتبارها تتماهى مع التوجهات العالمية.
وجاء اختيار الشعارات كونها تُمثل الهوية البصرية التي تُعد بمثابة رمز تعريفي للفاعليات، وتعكس طبيعتها الوظيفية وأهدافها، كما تُعتبر أول عناصر تعريف الجمهور بالحدث.
أولًا: المستوى الوصفي
- أطلق الاتحاد السعودي لكرة القدم في الأول من مارس 2024م الهوية البصرية لملف ترشح المملكة العربية السعودية لاستضافة منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034م، وذلك بعد أشهر من إعلان المملكة نيتها للترشح لاستضافة البطولة في أكتوبر 2023م، وذلك قبل أن يُعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” في 11 ديسمبر 2024م فوز السعودية بأحقية تنظيم النسخة الخامسة والعشرين من البطولة.
وجاء الشعار البصري للهوية من جزأين، في اليمين هوية الاتحاد السعودي لكرة القدم، وفي اليسار هوية استضافة المملكة لبطولة كأس العالم عام 2034م. وصاحب ذلك شعار لفظي تمثّل في عبارة “معًا ننمو”.
- كشفت اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية عن الشعار الرسمي للنسخة الـ 22 من دورة الألعاب الآسيوية “الرياض 2034” في الخامس من أكتوبر 2020، وذلك بعدما تقدمت المملكة بملف الاستضافة رسميًا للمجلس الأولمبي الآسيوي.
وتتكون الهوية من عناصر بصرية ممثلة للألعاب المشاركة في المنافسات الآسيوية، مصحوبة بتعبير رمزي مَثّل الشعار اللفظي للهوية والذي يحمل رسالة مفادها “إعادة تشكيل المستقبل”.
- تم تدشين شعار قمة مجموعة العشرين في ديسمبر 2019، واستضافت المملكة العربية السعودية الاجتماع الخامس عشر افتراضيًا يومي 21 و22 نوفمبر لعام 2020م، بسبب الإجراءات الاحترازية نتيجة انتشار فيروس (كوفيد-19).
وتتكون الهوية البصرية للقمة من تصميم مُمثل لقطعة من نسيج مُطرز بفن السدو التراثي إضافة لاسم المملكة العربية السعودية وعام رئاستها للاجتماعات، إضافةً إلى رمز “G20” لمجموعة العشرين؛ بجانب شعار لفظي مُكمل للإطار العام للهوية البصرية وتمثل في “فرصتنا لنُلهم العالم برؤيتنا”.
- أعلنت شركة إكسبو 2030 الرياض – إحدى الشركات التي أطلقها صندوق الاستثمارات العامة لإدارة وتشغيل إكسبو 2030 – عن شعار جديد في 7 يوليو 2025م ممثلًا للهوية البصرية لفعاليات إكسبو التي ستستضيفها الرياض 2030م.
وتتكون الهوية البصرية لشعار إكسبو 2030 من مزيج خطي مُحاكيًا لفن السدو التراثي في المملكة العربية السعودية؛ وصاحبها شعار لفظي تمثّل في عبارة “استشراف للغد”.
- أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد – حفظه الله – في 27 مارس 2021م مبادرة السعودية الخضراء، بهدف تحقيق طموحات المملكة في الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060م، وذلك من خلال تبني نموذج للاقتصاد الدائري للكربون وتحول المملكة نحو الاقتصاد الأخضر.
وتمثّلت الهوية البصرية لمبادرة السعودية الخضراء في رسم أيقوني يتخذ شكل خريطة المملكة العربية السعودية، ويتضمن مجموعة من الرسوم الخطية التي تعكس هدف المبادرة الرامي إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، ويتخلل تلك الخطوط رمز لنبتة خضراء تُترجم أهداف المبادرة المتعلقة بزيادة الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
ثانيًا: المستوى التعييني
- الرسالة الأيقونية: تضمنت البنية البصرية لهويات الفعاليات:
- رسومًا ونقوشًا مستوحاة من الثقافة السعودية، مثل فن “السدو” السعودي الذي أدرجته منظمة “اليونسكو” على قائمة التراث غير المادي للبشرية، والنوافذ الخشبية التقليدية أو ما تُعرف بـ “الرواشين الحجازية”، وفن “القط العسيري”، والعمارة “السلمانية”، وزخارف “الجص” التي تشتهر بها المنطقة الشرقية.
- خريطة المملكة العربية السعودية: حيث تم تطويع شعارات كل من كأس العالم 2034 ودورة الألعاب الآسيوية 2034 ومبادرة السعودية الخضراء لتُحاكي خريطة المملكة العربية السعودية.
- الرموز المُعبرة عن اختصاص الفعالية محل التناول، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تم استخدام رمز الكرة في شعار استضافة المملكة لمنافسات كأس العالم 2034، وصُممت بشكل يُوحي بالانطلاق للتدليل على الحماسة المتوقعة في المنافسة العالمية؛ كما استخدمت رسوم أيقونية للألعاب المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية.
وإجمالًا.. تعكس العناصر الأيقونية للشعارات الحرص على إبراز وتصدير الهوية والتراث الثقافي السعودي عبر مزجها بتفاصيل النشاط الوظيفي للفاعليات.
- الرسالة التشكيلية: تضمنت في نسقها التمثيلي وتحديدًا فيما يتعلق بعنصر الألوان التي تم توظيفها في الهوية ما يلي:
- الأصفر: جاء معبرًا في مستوى تمثيله الثاني على أحلام الشعب السعودي وطموحاته نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
- الأحمر: وظفته الهوية البصرية لكأس العالم للتعبير عن لون الشعاب المرجانية في البحر الأحمر.
- الخزامي: للتدليل على زهرة “الخزامي” البرية التي تزين صحاري المملكة في فصل الربيع.
- الأخضر: وُظّف في شعار استضافة كأس العالم 2034 ليعكس أودية وجبال المملكة العربية السعودية، كما تم توظيفه في شعار استضافة المملكة لقمة مجموعة العشرين لارتباطه بالهوية السعودية، ووُظّف في شعاري استضافة إكسبو ومبادرة السعودية الخضراء للتدليل على حالة النماء والرخاء والاستدامة التنموية التي تشهدها المملكة.
- البرتقالي: تم توظيفه للتدليل على سمات الكرم والود عند السعوديين.
- إضافة إلى ذلك، تم توظيف ألوان فن السدو (الأبيض والأحمر والأسود والأخضر والأصفر) كما هو الحال في شعار استضافة المملكة لقمة مجموعة العشرين، لتمثل تلك الألوان التنوع المناطقي في السعودية.
وبشكل عام، فقد تضمنت الرسالة التشكيلية عدة دلالات، منها إظهار التنوع الطبيعي والمناخي لمناطق المملكة، وتسليط الضوء على ما تتمتع به من عناصر جذب سياحي، وإبراز سمات الشعب السعودي المضياف بطبعه والمرحب بضيوفه، فضلًا عن تقديم المملكة بصورتها الجديدة التي تشهد خلالها نهضة تنموية في مختلف المجالات.
- الرسالة الألسنية:
تضمنت جميع الشعارات محل التحليل ما يلي:
رسالة ألسنية: مُعبرة عن الطبيعة المكانية والزمانية الخاصة بالأحداث، وتم إبرازها بخط عريض وكبير الحجم للتأكيد على الأهمية التي تُوليها المملكة لتلك الأحداث.
شعارات لفظية مصاحبة: وقد حملت كثيرًا من الدلالات، أبرزها ما يلي:
- الحماسة والتحفيز.
- الطموح بتنظيم نسخة استثنائية من الحدث.
- التضامن.
- الإلهام.
- التركيز على المشترك بين الشعوب.
- السمو فوق الفوارق والاختلافات.
- استهداف النماء والرخاء للشعوب.
- بث الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.
- عابرة للحدود الجغرافية.
- تستهدف الإنسانية.
- متطلعة نحو المستقبل.
ثالثًا: المستوى التضميني
حملت الشعارات المتعلقة بالأحداث محل الدراسة كثيرًا من الرسائل التضمينية، وقد تمحورت حول ما يلي:
- الاعتزاز بالهوية والتراث الثقافي السعودي، الذي يُعد أساس الانطلاق والانفتاح على العالم.
- إبراز سمات الشعب السعودي المتأصلة مثل الكرم والود وحسن الاستقبال.
- النهضة التنموية التي تشهدها المملكة العربية السعودية في كافة المجالات.
- تسليط الضوء على ما تمتلكه السعودية من تنوع مناخي وجغرافي ومناظر طبيعية خلابة يجعلها وجهة مثالية للسياحة.
- عراقة الإرث العمراني الفريد بالمملكة العربية السعودية.
- حرص المملكة على تنمية الإنسان وتغيير المستقبل للأفضل.
- الدور المحوري للمملكة، وقد ظهر جليًا في شعار استضافة قمة مجموعة العشرين الذي جاء على هيئة حلقة دائرية تعكس أن البداية من السعودية، والوصول في النهاية إلى المملكة بعد الطواف حول العالم.
- تعزيز قيمة التضامن والتشاركية بين الشعوب.
- الاهتمام بنقل التجربة السعودية إلى العالم.
- تأكيد استمرارية النهج التنموي للمملكة، وقد ظهر ذلك على سبيل المثال في شعار مبادرة السعودية الخضراء الذي تضمن رسمًا لنبات بأوراق مختلفة الحجم، إذ تبدأ من الأسفل كبيرة، بينما تكون صغيرة الحجم في الأعلى للتدليل على مواصلة النمو.
النتائج العامة:
- وظّفت شعارات الفعاليات ذات الطابع العالمي التي تستضيفها المملكة والمبادرات التي تُطلقها في إبراز الإرث الثقافي السعودي وسمات الشعب الأصيلة.
- اهتمت تلك الشعارات بإظهار المقومات السياحية الفريدة التي تتميز بها المملكة.
- اشتمال كل شعار من الشعارات الخاصة بالفعاليات محل التحليل على عنصر بصري أو أكثر يعكس الهوية السعودية أو الإرث الثقافي للمملكة.
- تباينت أساليب التصميم وعناصر تكوين الهويات بشكل يتناسب مع الطبيعة الوظيفية لكل فعالية.
- تكاملت العناصر البصرية واللفظية في الشعارات.
- جاء اللون الأخضر الأكثر تمثيلًا في الشعارات سواء على مستوى العناصر البصرية أو اللفظية.
- تكرّر توظيف خريطة المملكة العربية السعودية كرسم أيقوني يحتضن الفعاليات.
- اتخذت الهويات البصرية من الطباع المتجذرة للشعب السعودي أساسًا تمثيليًا مُعبرًا عن الكرم في استقبال ضيوف المملكة.
- تضمنت الشعارات كثيرًا من العناصر المُشكلة للعلامة الوطنية السعودية، أبرزها ما يلي:
- خريطة المملكة العربية السعودية.
- الهوية الثقافية والتراثية.
- اللون الأخضر.
- النهضة الاقتصادية.
- التطور العمراني.
- التنوع المناطقي في المملكة.
- السمات الشخصية للسعوديين.
- النماء والازدهار.
- رؤية المملكة 2030.
- استهداف التنمية والرخاء للبشرية جمعاء.
وختامًا.. جاءت شعارات الفعاليات العالمية التي تستضيفها المملكة أو المبادرات التي تُطلقها مُمثلة لنشاط كل فعالية، وفي الوقت ذاته غلب عليها الطابع السعودي بخصوصيته التي تمزج بين الأصالة والحداثة.
وكان واضحًا أن تلك الشعارات عكست مدى اعتزاز وفخر السعوديين بإرثهم الثقافي والحضاري العريق، وأكدت على أن هذا الإرث هو الأساس الذي تنطلق منه المملكة العربية السعودية نحو نهضتها التنموية الشاملة والمستدامة، وركيزتها الراسخة في الانفتاح على العالم.
وتأسيسًا على ذلك، يُمكن القول إن شعارات الفعاليات العالمية التي تستضيفها المملكة والمبادرات التي تُطلقها وُظّفت بشكل ناجح وفعّال في ترسيخ صورة المملكة التاريخية الأصيلة، وتعزيز صورتها المستحدثة أمام العالم، لتُشكلا معًا العلامة الوطنية السعودية.