استعراض دراسات

الذكاء الاصطناعي والاتصال الحكومي

تؤثر التطورات التكنولوجية بشكل كبير على مسارات التنمية في الدول، إذ غالبًا ما يكون تبنّي التقنيات الجديدة واستخدامها الفعّال مفتاحًا لنجاحها. ومن بين هذه التقنيات، يبرز الذكاء الاصطناعي كإحدى أكثر التقنيات تحولًا في الثورة الصناعية الرابعة.

ويمكن لتبنّي الذكاء الاصطناعي في المكاتب الإعلامية الحكومية أن يُسهم في تعزيز صورة الدولة من خلال توفير معلومات أكثر دقة وفي الوقت المناسب للمواطنين وأصحاب المصلحة الآخرين. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الحكومات في تحليل مجموعات ضخمة من البيانات القادمة من مصادر متنوعة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإخبارية والمنصات الإلكترونية الأخرى، بهدف تحديد الاتجاهات والأنماط التي يمكن أن تُسهم في تحسين الخدمات والسياسات العامة.

وقد يؤدي أيضًا إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية في المكاتب الحكومية، ومساعدة الحكومات على تحسين التواصل مع المواطنين من خلال توفير معلومات وخدمات مخصصة لكل فئة.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة المصرية لبحوث الإعلام في عددها الصادر في يوليو- سبتمبر 2025، دراسة بعنوان “الذكاء الاصطناعي والاتصال الحكومي: استكشاف الثغرات في الأدبيات الحالية”، من إعداد نجلاء عمر الدوخي باحثة الدكتوراه في الاتصال بجامعة الشارقة، والدكتور خالد زعموم الأستاذ المشارك في كلية الاتصال بجامعة الشارقة، حيث ركزت الدراسة على تحليل الأدبيات التي تبحث في تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل تحليلات البيانات الضخمة وتحليل المشاعر في سياق الاتصال الحكومي، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • نطاق الدراسة السابقة

تناولت الدراسات السابقة -عينة الدراسة- مجموعة متنوعة من الأفكار المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الاتصال والإعلام، فقد بحثت بعض الدراسات كيفية استخدام المؤسسات الإخبارية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بينما سعت دراسات أخرى إلى تحديد العوامل المؤثرة في تبنّي الذكاء الاصطناعي ومعالجة أبرز التحديات التي تواجه تطبيقه.

كما تناولت بعض الدراسات وجهات نظر العاملين في المجال الإعلامي تجاه استخدام الذكاء الاصطناعي في العلاقات العامة، وناقشت أبحاث أخرى تأثيرات استخدام الذكاء الاصطناعي في الدول العربية على القطاع الإعلامي عمومًا.

وفي المقابل، برزت مجموعة من النقاط والأفكار الأساسية المشتركة بين معظم الدراسات التي تمت مراجعتها. حيث اتفقت هذه الدراسات على ما يلي:

  • الوعود الكبيرة والتأثيرات الواسعة للذكاء الاصطناعي على الإعلام والاتصال الحكومي.
  • الاعتبارات الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
  • تطوير القوانين واللوائح المنظمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
  • أهمية تدريب وتأهيل العاملين في الإعلام والعلاقات العامة على استخدام هذه التقنيات.
  • إمكانات الذكاء الاصطناعي الكبيرة في الإعلام والاتصال الحكومي

أظهرت دراسات كثيرة أن للذكاء الاصطناعي قدرة هائلة على أتمتة المهام الروتينية، واستخلاص الرؤى من مجموعات البيانات الضخمة، وإنتاج محتوى مخصص لفئات مختلفة من الجمهور. وترى هذه الدراسات أن دمج الذكاء الاصطناعي في مهن الاتصال يعد بفوائد كبيرة، وتشير إلى أن الجهات التي تتبنى هذه التقنيات ستحقق ميزة تنافسية. كما تؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة مفيدة لا تهديدًا.

في المقابل، خالف آخرون هذا الرأي، مشيرين إلى أنه رغم ما تقدمه تطبيقات الذكاء الاصطناعي من تحسينات تدريجية في الراحة والكفاءة، فإنها غالبًا ما تُنتج تفاوتًا في توزيع الفوائد والتكاليف، مما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد لا يحقق دائمًا الأثر المتوقع منه.

كما تناول كثير من الدراسات الاعتبارات والتحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، مؤكدة أهمية التوافق مع معايير الخصوصية وحماية البيانات لضمان حماية حقوق الإنسان، وحرية التعبير وتقليل التحيز الخوارزمي، مع إعطاء الأولوية للشفافية والمساءلة. ويتفق معظم الباحثين على ضرورة اتباع نهج متوازن يجمع بين التقدم التكنولوجي والالتزامات الأخلاقية.

  • الرؤى القانونية والتنظيمية التي تشكل عملية دمج الذكاء الاصطناعي

وقد دفعت هذه المخاوف إلى إجراء مراجعة أدبية تسلط الضوء على الرؤى القانونية والتنظيمية التي تشكل عملية دمج الذكاء الاصطناعي في هذه المجالات.

وأظهرت النتائج أن الذكاء الاصطناعي قد يشكل مخاطر قانونية بسبب الطبيعة غير المنظمة للإنترنت، كما كشفت عن فجوة كبيرة في التشريعات القانونية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والقانون الجنائي. لذلك دعا العديد من الباحثين إلى سنّ قوانين وتشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الحكومية، وخاصة في مجالي الإعلام والعلاقات العامة.

كما أبرز كثير من الدراسات أهمية جاهزية وفهم مسؤولي الإعلام والعلاقات العامة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، لأن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على نتائج وأهداف التطبيق سواء بالإيجاب أو السلب، تبعًا لمستوى الوعي والفهم لدى المسؤولين عن تنفيذ هذه التقنية. ومن هنا تبرز أهمية تدريبهم ورفع مستوى الوعي لديهم من أجل توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وفعّال.

وختاما، يمكن القول إن تبنّي الذكاء الاصطناعي في المكاتب الإعلامية الحكومية يمكن أن يُعزز الشفافية والمساءلة والكفاءة في العمليات الحكومية، إلى جانب تحسين التواصل مع المواطنين وأصحاب المصلحة الآخرين. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يقدم فوائد عديدة في تطوير العمليات الإعلامية، فإن هناك الكثير مما يجب تعلمه حول وجهات نظر العاملين على تنفيذ استراتيجيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك آراؤهم حول المخاطر المحتملة، والأدوار والتطبيقات العملية لهذه التقنية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى