تعتبر البيانات الضخمة منجمًا خامًا يمكن التنقيب فيه عن المعلومات واستقراؤها لاستغلالها لاحقًا، فهي مصدر جديد واستراتيجي للمعلومات في العصر الرقمي، وعامل لدفع الابتكار، لذلك أصبح تحليلها عن طريق خوارزميات الذكاء الاصطناعي أمرًا ملحًا سواء في المجال السياسي للحملات الانتخابية أو للمجال الطبي أو الاقتصادي، فضلًا عن مجال التسويق الالكتروني ففي ظل الجو التنافسي بالفضاء الرقمي بين الشركات، أصبحت كل شركة تسعى إلى كسب أكبر عدد من العملاء وتحقيق الأرباح والميزة التنافسية عبر توظيف طرق ووسائل توفر لها فهمًا أفضل للمستهلك، مما يُسهم في وضع خطط استراتيجية تسويقية تأخذ بعين الاعتبار تفضيلات المستهلكين وسلوكياتهم.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لدراسات الإعلام الرقمي والرأي العام في عددها الصادر في يوليو 2025 دراسة بعنوان “اتجاهات بحوث تحليلات البيانات الضخمة في مجال التسويق الرقمي: دراسة تحليلية من المستوى الثاني”، من إعداد الدكتورة إيناس السعيد المدرس بكلية الإعلام بجامعة 6 أكتوبر والتي نستعرضها على النحو التالي:
- عينة الدراسة
تحدد مجتمع الدراسة من البحوث والدراسات التي تناولت موضوع الدراسة محل التطبيق أو موضوعات بحثية مرتبطة بها، سواء منشورة في رسائل ماجستير أم دكتوراه أم دوريات علمية عربية أم أجنبية متخصصة أم متلقيات أم مؤتمرات علمية وقواعد البيانات العالمية. وبلغت عينة الدراسة 88 دراسة منشورة خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2024، من بينها 10 دراسات عربية و78 دراسة أجنبية.
- نتائج الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة أن أكثر مواقع التواصل الاجتماعي التي خضعت لدراسة تحليل البيانات الضخمة هي منصة إكس (تويتر سابقًا) كما وجدت أن جميع الدراسات التي اعتمدت على منهجية تحليل البيانات الضخمة، أو تحليل من المستوى الثاني لم تستند إلى تناول نموذج أو نظرية علمية، بل اعتمدت على إطار معرفي تناول تعريف البيانات الضخمة، ومصادرها، وتحليلات البيانات الضخمة، والأنواع المختلفة للتحليلات، ونماذج وأمثلة عن تحليلات البيانات الضخمة.
ونوهت النتائج إلى وجود وفرة في الدراسات الأجنبية التي اهتمت بدراسة تأثير تحليلات البيانات الضخمة على تعزيز القدرات التسويقية، كما أشارت النتائج إلى الافتقار للدراسات والأدبيات التي تناولت العلاقة بين تحليلات البيانات الضخمة، وإدارة علاقات العملاء من منظور التسويق، ما يتطلب مزيدًا من الاهتمام بهذه الدراسات.
كما أوضحت النتائج أن الدراسات التي تناولت المشاعر والتنبؤ بسلوك المستهلك ركزت على منهجية تحليل البيانات الضخمة من خلال تقنيات التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية، وبرمجة بايثون. بالإضافة إلى ذلك، ركزت الغالبية العظمى من الدراسات التي تناولت البيانات الضخمة، والقدرات التسويقية على منهج المسح بشقيه.
وأظهرت النتائج ندرة في الدراسات التجريبية، أما أحجام العينات الميدانية فقد تراوحت بين 110 مفردات، و562 مفردة، وذلك وفقا لطبيعة مجتمع الدراسة.
وتحددت الفئات الجماهيرية التي تم التركيز عليها في الدراسات محل التحليل بين مديري التسويق، أو مديري تكنولوجيا المعلومات، أو أصحاب شركات صغيرة، أو متوسطة، أو أصحاب صناعات مختلفة، ويمكن تفسير ذلك في ضوء أن هذه الفئات هي الأكثر استخدامًا لتطبيقات التكنولوجيا الحديثة، وأنها تسعى إلى تحقيق أقصى إفادة ممكنة منها.
كما تباينت أنشطة المنظمات والشركات الربحية التي أجريت الدراسات عليها، والتي تمثلت في البنوك والرعاية الصحية والنقل، وشركات الاتصالات وصناعة السيارات والطيران، والوجبات السريعة، وصناعة الأحذية، وشركات التأمين، وصناعة الأزياء، ولم تُجر دراسات على المنظمات الحكومية وغير الربحية.
- تحديات تواجه استخدام البيانات الضخمة في التسويق الرقمي
على الرغم من تنامي أهمية البيانات الضخمة في مجال التسويق الرقمي فإن هناك تحديات تواجه فاعلية تطبيقها، تتمثل فيما يلي:
- عوامل مرتبطة بحجم البيانات وتنوعها: تتمثل في حجم البيانات وعدم تجانسها؛ حيث تتعدد مصادر البيانات من صور ونصوص وفيديوهات ومقاطع الصوت وبيانات وسائل التواصل الاجتماعي، ويؤدي جمع هذه البيانات من مصادر متعددة في نقاط زمنية مختلفة باستخدام تقنيات مختلفة إلى خلق مشكلات تتعلق بالتباين والاختلافات من حيث التكلفة الحسابية الباهظة وتخزينها ودمجها ومعالجتها وتحليلها بفاعلية، وبالتالي هناك حاجة لتطوير أنظمة لمعالجة البيانات.
- عوامل متعلقة بجودة البيانات وصلاحيتها: ركز الباحثون على موقع إكس حاليًا بوصفه مصدرًا شائعًا جديدًا في مجال البيانات الضخمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن وجود معلومات لا يمكن رقمنتها في تحليل البيانات، مثل: الإشارات الاجتماعية، أو الخبرة والمعرفة الضمنية لدى الأفراد، يؤدي إلى عدم توافر دقة في حجم عينة مجموعة البيانات وتفسيرها.
- عوامل مرتبطة بأخطاء البيانات: تخزين واسترجاع بيانات هائلة قد يؤدي إلى التعرض للأخطاء لذلك فهي غير موثوقة، مما يحتم فهم مصدر البيانات وخصائصها قبل تحليلها لتجنب التحيز في تفسير البيانات.
- عوامل متعلقة بنقص مهارات الأفراد: فمع زيادة حجم البيانات المنظمة وغير المنظمة، توجد حاجة مُلحة إلى الاعتماد على أفراد ذوي مهارات تحليلية جيدة في مجال البيانات الضخمة.
- عوامل مرتبطة بالجوانب التنظيمية والإدارية: تختلف العوامل المرتبطة ببناء البيانات باختلاف سياق عمل الشركات من حيث الهيكل التنظيمي للشركة ومجال صناعتها، وحجمها، والإدارة العليا بها، إلى جانب مدى اهتمام إدارة الشركة بالبيانات الضخمة وتطبيقها.
- عوامل مرتبطة بالفجوة الرقمية: إن إمكانية الوصول إلى البيانات الضخمة تعد أحد أهم القيود؛ إذ توجد شركات كبرى تتمتع بإمكانية الوصول وشركات صغيرة ومتوسطة وصولها للبيانات محدود، وقد تلجأ إلى شراء تلك البيانات مقابل رسوم عالية، ما يشير إلى وجود فجوة رقمية بين الشركات.
- عوامل متعلقة بالخصوصية والأمن: تعد البيانات والمعلومات الخاصة بالأفراد من أكبر مخاطر الأمن والملكية الفكرية، حيث يؤدي الوصول إلى المعلومات الشخصية إلى زيادة المخاوف المتعلقة بالخصوصية، وهو ما يتطلب وضع لوائح عامة لحماية البيانات وقانون لخصوصية المستهلك.
- بحوث مستقبلية مقترحة
طرحت الدراسة مجموعة من المقترحات البحثية المستقبلية على النحو الآتي:
- تقييم مديري الشركات لتوظيف تطبيقات البيانات الضخمة وفقًا لاحتياجاتهم.
- علاقة تطبيقات البيانات الضخمة بالأداء التنظيمي الابتكاري للشركات.
- اتجاهات العاملين نحو التزام الشركات بتطبيقات تحليل البيانات الضخمة.
- تقييم خبراء التكنولوجيا لتحديات تطبيق البيانات الضخمة والحلول المقترحة.
- دراسة مقارنة بين المؤسسات الخدمية والإنتاجية في استخدام تطبيقات البيانات الضخمة.
- اتجاهات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي نحو انتهاك خصوصيتهم.
- اقتصاديات صناعة تحليلات البيانات الضخمة وتسهيلاتها للمؤسسات.