شهد موقع التدوينات القصيرة “تويتر” خلال الساعات القليلة الماضية، ظهور هاشتاق تحت عنوان “#رواق عثمان_بن_عفان” للرد على ادعاءات تركية تنسب الرواق الذي تم بناؤه في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، إلى الدولة العثمانية.
جاءت انطلاقة الهاشتاق من المملكة العربية السعودية، في تمام الساعة الثانية و41 دقيقة عصر اليوم الثلاثاء، الموافق 21 يوليو 2020.
وسَرعان ما حظي الهاشتاق بتفاعل كبير، حيث تمت مشاركته في نحو 239 تغريدة أصلية في ساعته الأولى، فضلًا عن أكثر من 1700 إعادة تغريد، كما حقق الهاشتاق أكثر من 6,240,864 “وصول” إلى حسابات أخرى، وكذلك انطباعات متنوعة بنحو 9,574,643.
مستوى التفاعل خلال الساعة الأولى
هاشتاقات مرتبطة
التوزيع الجغرافي للتفاعل
اعتاد الإعلام التركي الخاضع لسيطرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الترويج لادعاءات بهدف تزييف التاريخ وإضفاء هالة من التمجيد لتاريخ العثمانيين ورموز دولتهم، في إطار توجُّه أيديولوجي يتبنَّاه أردوغان، وأحلام بإحياء الإمبراطورية العثمانية وتنصيب نفسه سلطانًا لها وخليفة للمسلمين، ومن أمثلة ذلك تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية في 29 أبريل 2020 تحت عنوان “دعوات للعبث بالحرم المكي وإزالة الرواق العثماني”، مدعية أن رواق عثمان بن عفان، والمعروف باسم الرواق العثماني، مَعْلَمٌ ارتبطَ تاريخيًّا، بسلاطين الدولة العثمانية، ومنها أخذ اسمه “الرواق العثماني”.
وفي ذات السياق، خرج الكاتب والمؤرخ التركي زكريا كورشون بمقال في صحيفة يني شفق التركية في 7 مايو 2020 م، يتغنَّى فيه بتاريخ الدولة العثمانیة في خدمة الحرمین الشريفين، منددًا بما وصفه بالهجوم على الدولة العثمانیة وتاریخها، معتبرًا أن معاداة العثمانيين أضحتْ أداة تستخدم في التنافس الإقليمي مع تركيا، على حد زعمه.
تطوُّر عمارة المسجد الحرام وظهور الأَرْوِقة في عهد الخلافة الراشدة
مرت العمارة في الحرمين الشريفين بمراحل عدة للتطور خلال الخلافة الراشدة، وتمت أول توسعة في الحرم المكي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عام 17 هجريًّا، وزادت فيها مساحة الحرم الإجمالية إلى ٢٥٩٠ مترًا مربعًا، ثم جاءت التوسعة الثانية عام 26 هجريًّا في عهد الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، الذي رأى ضرورة توسعة الحرم المكي، فأمر بشراء المساكن المحيطة وإنشاء أروقة للمسجد بعد أن زاد من مساحته بنحو 2040 مترًا مربعًا، أي أصبحت مساحة الحرم ضعف ما كانت عليه تقريبًا، وهذه الحقيقة التي تنص عليها العديد من المراجع التاريخية والكتابات التي توثِّق تلك المرحلة من التاريخ الإسلامي، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن جرير الطبري.
فالرواق سمي بذلك نسبة إلى الخليفة عثمان بن عفان، ولا تعود نسبته لعمارة الدولة العثمانية التي حدثت بعد نحو 950 عامًا من إنشاء أول رواق في المسجد الحرام، كما أنه أول مَن استخدم الأسطوانات والأعمدة في بناء الرواق.
التاريخ الإجرامي للصوص العثمانيين وعدوانهم الآثم على بيت الله الحرام
وتأتي الادعاءات التركية الراهنة في إطار جهود حثيثة لتزييف التاريخ المخزي للعثمانيين وعدم مراعاتهم لحرمة المقدسات ونهبهم للأمانات المباركة، فتركيا تحت حكم رجب طيب أردوغان تسعى لاستغلال الدين واللعب على وتر المشاعر الدينية، وتبييض صفحات التاريخ الأسود لأجداده العثمانيين، وهنا وجب التذكير بجرائمهم بحق المقدسات، ومن أبرزها:
سطو السلطان العثماني سلیمان القانوني على ست قطع من الحجر الأسود من الكعبة ونقلها إلى تركیا، حیث وضع 4 قطع في جامع سوكولو محمد باشا، وقطعة بجامع أسكي في ولایة أدرنة، بينما تم وضع أكبر قطعة على ضریح السلطان بعد وفاته.
سرقة الحاكم العسكري التركي للمدينة المنورة فخري باشا 269 قطعة من الأمانات المباركة بالحجرة الشریفة في المدینة المنورة ونقلها إلى إسطنبول، من بينها رداء الرسول، صلى الله علیه وسلم، ورایته التي كان یخرج بها للمعارك، و6 مصاحف شريفة، من بينها مصحف سیدنا عثمان بن عفان، الموجود حالیًّا في معرض “توب كابي” بإسطنبول، فضلًا عن الاستيلاء على 4 مَحَافظ للمصاحف الشریفة مغلَّفة بالذهب ومرصَّعة بالأحجار النادرة، 3 سیوف عليها كتابات بالذهب ومقابض من الفضة.
ولم يرتكب العثمانيون فقط سرقات ونهب بل إنهم تعدَّوْا على حُرمة المسجد الحرام دون مراعاة لقدسيته، حيث قاموا -تحت قيادة فخري باشا- بجريمة شنعاء في 28 يونيو عام 1916، بقصف بيت الله الحرام بالمدافع، سعيًا منهم للقضاء على الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين ضد إسطنبول.
وأخيرًا.. تلك الوقائع مجرد غَيْضٍ من فَيْضِ صفحات تاريخ العثمانيين المليء بالنهب والسلب للثروات والاعتداء على المقدسات والحرمات وسفك الدماء، وهي جرائم يستحيل بأي حال من الأحوال أن تُمحى من ذاكرة التاريخ، ومن وجدان الأمة.