الدراسات الإعلامية

المشاعر الرقمية في عصر “الإيموچي”

ارتبطت وسائل الواصل الاجتماعي بلغة الرموز التعبيرية، والتي تعتبر المقابل الرمزي للغة الجسد وتعابير وملامح الوجه، وكان أول انطلاق لها من اليابان (1998 – 1999) بواسطة مكتشفها “شيجتاكا كوريتا”، وأُطلق عليها “الإيموچي Emoji” وهو مصطلح ياباني الأصل يعني الصور الرمزية، ويتم استخدامها لنقل المشاعر وردود الفعل المختلفة في عملية التواصل، حيث كانت الكتابة عبر الإنترنت تفتقر إلى الإشارات غير اللفظية الموجودة في التواصل وجهاً لوجه، والتي توفّر معلوماتٍ سياقيةً إضافةً إلى الكلام، مثل نية المتحدث أو حالته النفسية والعاطفية، ومن هنا أصبحت الرموز التعبيرية ذاتَ شعبيةٍ كبيرة ومتزايدة بشكل يومي.

وبالرغم من معارضة البعض للاستخدام المفرط للرموز التعبيرية والاعتماد عليها في التعبير عن مشاعرهم، بدعوى أنها تُؤدّي إلى جمود المشاعر وفتورها، فضلاً عن أنها قد تكون كاذبةً ومخادعة في بعض الأحيان ولا تعبّر عن حقيقة مشاعر الطرف الآخر في العملية الاتصالية.

إضافة خاصية “الإيموچي” إلى تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت على إيجاد حلّ ولو جزئي لإحدى مشاكل هذا النوع من التواصل

إلا أن الغالبية ترى أن “الإيموچي” سهّل عملية التواصل وجعلها أكثر فاعلية وتأثيراً، خاصة وأنها تُعتبر لغةً عالمية للتواصل بين البشر، بغضّ النظر عن جنسياتهم وأعراقهم ولغاتهم، وبالتالي أصبح العالم يستخدم لغة واحدة عابرةً للحدود، تُساعد على توصيل الرسائل والمشاعر بشكل فعّال.

إن إضافة خاصية “الإيموچي” إلى تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، ساعدت على إيجاد حلٍّ ولو جزئي لإحدى مشاكل هذا النوع من التواصل، الذي يفتقد إلى مميزات الحوار وجهاً لوجه، من خلال الاستعاضة بالرموز التعبيرية. وبمعنى آخر فإن التواصل وجهاً لوجه يتميّز باستخدام الصوت ولغة الجسد وتعبيرات الوجه، والتي تُعدّ أساسية في إنجاح الحوار وتوصيل المشاعر المختلفة والحالة النفسية للطرف الآخر في العملية الاتصالية بشكل صحيح، وهو ما تفتقده وسائلُ التواصل الاجتماعي، ولذلك جاءت فكرة الإيموچي لتحلّ هذه المشكلة ولو جزئياً.

لذا يمكن اعتبار إضافة خيار الرموز التعبيرية غير اللفظية إلى منصات التواصل الاجتماعي، بمثابة لغةٍ جديدة في هذه الوسائل، بهدف إضفاءِ الطابع الإنساني على الرسائل النصية، وهو ما يُفسّر الإضافات الكبيرة والمتواصلة لأشكالٍ مختلفة من الرموز كلَّ فترة، بهدف تغطيةٍ أكثرَ دقة لمشاعر الإنسان المختلفة.

الرموز التعبيرية “الإيموچي” في الدراسات الإعلامية:

فرضت تطبيقاتُ وسائل التواصل الاجتماعي وأدواتُها المستحدثة واقعاً جديداً في الدراسات الإعلامية، فأصبحت الرموز التعبيرية “الإيموچي” التي تُعتبر واحدةً من هذه الأدوات، مجالاً خصباً للدراسات الإعلامية، خاصة دراسات الجمهور، سواء في شقّها المتعلق بالتعرّف على الحالة المزاجية بشكل عام أو تجاه قضية بعينها، أو الشقّ الإعلاني عبر استكشاف ميول الجماهير تجاه سلعةٍ ما.

سعت بعض الدراسات الإعلامية إلى التعرّف على “الإيموچي” الأكثر استخداماً في دول العالم المختلفة، وتطوّرت هذه الدراسات بهدف التعرّف على الحالة المزاجية بالنسبة للشعوب، واستبيان الشعب الأكثر إيجابية وسلبية

تُعدّ الصورة في البحوث والدراسات الإعلامية إحدى أدوات جذب ولفت انتباه المستهدَف، فالمادة الصحفية المصحوبة بصورة تكون أكثرَ قابلية لجذب انتباه القارئ عن مثيلاتها التي تعتمد على النصّ فقط، وتشمل الصورُ لقطاتِ الكاميرا والرسوم اليدوية والأشكال التوضيحية وغيرها، ولذلك فإن الرموز التعبيرية “الإيموچي” المستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي تدخل ضمن إطار الصورة، وبالتالي تُعامَل بنفس المبدأ، ويُصبح التواصلُ عبر تطبيقات وسائل التواصل الرقمية سواء بكتابةِ بوست أو تغريدةٍ أو تعليقٍ أو دردشة، أكثرَ قابلية للاهتمام والتفاعل إذا كان مصحوباً برمز تعبيري “إيموچي”.

وانعكاساً للأهمية التي أضحت تحظى بها الرموز التعبيرية، فقد سعت بعضُ الدراسات الإعلامية إلى التعرّف على “الإيموچي” الأكثر استخداماً في دول العالم المختلفة، وتطوّرت هذه الدراسات بهدف التعرّف على الحالة المزاجية بالنسبة للشعوب، واستبيان الشعب الأكثر إيجابية وسلبية، وذلك من خلال حصر أشكال الرموز التعبيرية التي يستخدمها هذا الشعب أو ذاك على وسائل التواصل الاجتماعي. ومثال ذلك الدراسة التي أجراها موقع “Smart Destinations” في أكتوبر 2018 تحت عنوان (إيموچي سكان المدن: ماذا يقول العالم)، والتي توصّلت إلى أن إيموچي (الوجه مع دموع الفرح) كان الأكثر استخداماً على مستوى العالم في موقع تويتر، وجاءت مدينة داكار السنغالية في المركز الأول كأكثر مدن العالم إيجابية، تلتها مدينة تشيناي الهندية في المركز الثاني، ثم مدينة ميلانو الإيطالية في المركز الثالث.

وعلى الرغم من أن الرموز التعبيرية ساعدت مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً في التعبير عن مشاعرهم المختلفة للطرف الآخر في العملية الاتصالية، إلا أنها قد يُساء فهمُها إمّا بسبب اختلاف تفسيرات المستخدمين لها، أو لاختلاف الرموز التعبيرية نفسِها من منصةٍ لأخرى، وهذه التفسيرات الخاطئة قد تُؤدّي إلى إفساد العملية التواصلية برمّتها. ومن منطلق أن القدرة على التواصل الصحيح مع الآخرين تُمثّل جانباً مهماً في حياة الإنسان، فقد اهتمّت العديد من الدراسات ببحث مدلولاتِ الرموز التعبيرية واستخدامها على مواقع السوشيال ميديا، فأجرت المجلةُ الماليزية للاتصالات في عام 2017 دراسة بعنوان “تفسير الطلاب الجامعيين للوجه التعبيري الضاحك على تطبيق الـ WhatsApp”، بهدف فحص تفسيرات (210) طلاب جامعيين لـ (75) معنى لرمز الوجه المبتسم في التطبيق، حيث اعتبرت أن الطلاب الجامعيين مواطنون رقميون، يحرصون على استخدام الرموز التعبيرية وخاصة الوجوه الضاحكة، إلا أنهم وقعوا في سوء فهمٍ أثناء تفسيرهم للرموز التعبيرية المختلفة حسب ما جاء في نتائج الدراسة، والتي كشفت أنه وبالرغم من أن بعض الطلاب فسّروا الوجوه الضاحكة بشكل صحيح، إلا أنهم لم يعرفوا المعنى المقصودَ لمعظم الوجوه الضاحكة الأخرى، مؤكدةً على ضرورة معرفة المعاني الحقيقية للرموز التعبيرية المستخدمة في المحادثات الرقمية، لكي نكون قادرين على فهم الاستخدام المقصود وتجنّب سوء الفهم في العملية الاتصالية.

وفي عام 2017 أيضاً سعت دراسةٌ في كلية علوم الحاسوب بجامعة برمنجهام بعنوان “أهمية فهم الرموز التعبيرية: دراسة استقصائية”، إلى تعرّف تأثير الرموز التعبيرية على حياة الناس اليومية، وتوصّلت إلى وجود العديد من المزايا للرموز التعبيرية، مثل الحدّ من الكلمات العامية في الاتصالات الرقمية، وإتاحة التعبير عن المشاعر، إلا أنها تتّسم ببعض المشاكل، أهمّها الغموض الذي قد يحدّ من استخدامها.

وفي عام 2018 أُجريت دراسةٌ بعنوان “تأثير الرموز التعبيرية – الإيموچي – على  سلاسة الرسالة في وسائل التواصل الاجتماعي”، وذلك عبر تقديم نفس الرسالة على موقع “تويتر” ولكن بثلاثة أشكال، الأولى مع رموز تعبيرية أصلية (متّسقة مع سياق الرسالة)، والثانية مع رموز تعبيرية غير متّسقة مع السياق، أما الثالثة فلا تحوي رموزاً تعبيرية. وبسؤال عيّنة الدراسة عن مدى فهم أو تفّهم هذه الرسائل، تم تصنيف الرسائل ذات الرموز التعبيرية الأصلية بأنها أسهل في الفهم وأكثر تصديقاً من الرسائل التي لا تحتوي على رموز تعبيرية، أو التي تحتوي على رموز تعبيرية غير متسقة مع سياق الرسالة.

وهنا تظهر أهمية الرموز التعبيرية في العملية الاتصالية، وأنها أصبحت جزءاً مُكمّلاً وأصيلاً في تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، شريطة أن تكون معاني هذه الرموز واضحةً ومفهومة لطرفي عملية التواصل.

استغلال الإيموچي دعائياً:

مَثّل الانتشار السريع والإقبال الضخم على استخدام الرموز التعبيرية “الإيموچي”، مصدرَ اهتمام وإلهام لكبرى الشركات، خاصة وأن الرموز التعبيرية التي يستخدمها الجمهور في تعليقاته على سلعهم، تعكس توجّهاتِه نحوَها، ومما عزّز هذا الاهتمام القرارُ الذي اتخذه موقع تويتر عام 2016 بالسماح للشركات المعلنة برؤيةِ وتعقّب استخدام الجمهور للإيموچي في تعليقاتهم وتفاعلهم على التطبيق، وهو ما استغله المُعلِنون على الإنترنت، لدراسة استخدامات الشخص للإيموچي ومعرفة حالته النفسية والمزاجية، ومن ثمّ يُوجّهون إليه إعلاناتهم بناءً على تلك الحالة.

فعلى سبيل المثال.. أدارت شركة “تويوتا” عام 2017 حملةَ إعلاناتٍ تستهدف الحالة المزاجية للمستخدمين، من خلال الاطلاع على الإيموچي الذي يستخدمونه في تغريداتهم وتعليقاتهم، فصمّمت الشركة (83) نسخة مختلفة من نفس الإعلان، بناءً على اختلاف الإيموچي، ووجّهت الإعلاناتِ إلى الجمهور بناءً على توجّهه نحو المُنتَج، والذي عكسه “الإيموچي” الذي استخدمه.

 

“الإيموچي” سهّلت عملية التراسل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجعلتها أكثر وضوحاً وتأثيراً، بعدما أصبحت لغةَ تواصل عالمية

كما اعتمدت كبرى الشركات على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لمعرفة سياق استخدام الشخص للإيموچي، بهدف التعرّف على حالته المزاجية الفعلية تجاه منتجهم، وبالتالي توجيه الإعلان المناسب له.

وبالتالي فقد فتحت تطبيقاتُ وسائل الاتصال الرقمية مجالاً جديداً للمُعلِنين، وإن كانت عملية تعقّب الإيموجي وتحليل الحالة المزاجية للأشخاص، تُسبّب قلقاً للبعض، خاصّة المدافعين عن الخصوصية.

إيجابيات وسلبيات

من العرض السابق، يتّضح أن الرموز التعبيرية غير اللفظية “الإيموچي”، سهّلت عملية التراسل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجعلتها أكثر وضوحاً وتأثيراً، بعدما أصبحت لغة تواصل عالمية، قادرة على نقل مجموعة متنوّعة من المشاعر إلى مُستقبِل الرسالة، مثل السعادة والحزن والراحة أو حتى السخرية، الأمر الذي مَكّنها من لعب أدوارٍ تتعدى وظيفتها الترفيهية.

وبالرغم من الفوائد التي حقّقتها هذه الرموز “الإيموچي”، إلا أنها قد تُمثّل نقطةً سلبية، من منطلق تحويلها للمشاعر والحالة النفسية إلى مجرّد تعبيراتٍ رقمية تفتقد إلى الأحاسيس المعنوية، مثل مشاركة الجانب الآخر في العملية الاتصالية لمشاعر السعادة والحزن والمؤازرة، وغيرها من أحاسيسَ ضروريةٍ في الحياة الإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى