في خضم الدور المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي في مختلف مناحي الحياة، بات استخدام الدول والزعماء لتلك المنصة وتأثيرها المحتمل على تصعيد النزاعات الدولية أحد الشواغل الرئيسية لمراكز الفكر ودوائر صُنع القرار في مختلف أنحاء العالم.
وقد سعت دراسة حديثة لمركز دراسات العلوم والأمن في كلية “كينجز كوليدج لندن” إلى تحليل كيفية استخدام المسؤولين الحكوميين لموقع التدوينات القصيرة “تويتر” خلال الأزمات العالمية.
هدفت الدراسة إلى بحث كيفية مساهمة وسائل الإعلام الاجتماعية في التصعيد غير المقصود أو المتعمَّد للنزاعات عبر طرح تساؤل رئيسي مفاده: هل توجد أنماط قابلة للتعميم بخصوص طريقة استخدام الدول لوسائل التواصل الاجتماعي كأداة للدبلوماسية العامة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الظروف التي تخاطر فيها هذه الأنماط بتصعيد الأزمات؟
وركَّزت الدراسة على نشاط المسؤولين والمؤسسات الحكومية على موقع تويتر عبر سلسلة من الأزمات العالمية خلال الفترة من منتصف 2018 حتى أوائل 2020.
ووجدت الدراسة أن “تويتر” -تلك المنصة التي تتيح 280 حرفًا كحد أقصى للتغريدة- ليست وسيلة مثالية لصياغة رسائل دبلوماسية دقيقة لأغراض مثل طمأنة الحلفاء أو ردع الأعداء أو الإشارة إلى نيات استراتيجية.
وخلص تحليل دراسة كيفية استخدام الجهات الدولية لتويتر أثناء الأزمات، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها القدرة على أن تكون تقنية مدمرة تؤدي إلى تفاقُم التوترات أثناء الأزمات.
السمات الرئيسية لاستخدام تويتر في الدبلوماسية العامة
لطالما كانت الدبلوماسية وغيرها من أشكال الاتصالات الاستراتيجية أحد مكونات إدارة التصعيد خلال الأزمات، إلا أن هناك ثلاثة أشياء تجعل استخدام تويتر في وقت الأزمات كإحدى أدوات الدبلوماسية العامة في العصر الحالي مختلفًا وربما فريدًا، وهي:
- السرعة: حيث يتم إرسال التغريدات على الفور دون وجود وسطاء.
- الطابع غير الرسمي: فليس بالضرورة أن تخضع تغريدات المسؤولين الحكوميين والحسابات الحكومية لمراجعةٍ من كل المؤسسات المعنية بالقضية على النحو الذي يجري مع البيانات الرسمية أو عند رسم السياسات العامة للدولة.
- الانفتاح: في حين كانت الاتصالات الحكومية في الماضي تتسم بالسرية، ومن الصعب الإفصاح عنها للرأي العام، يمكن قراءة التغريدات على تويتر من قِبل أي شخص لديه حساب على المنصة.
أمَّا على صعيد استخدام الدول لموقع تويتر، فقد وجدت الدراسة أن ذلك الاستخدام يختلف من دولة لأخرى من حيث شكل وانتظام وطبيعة الرسائل، على النحو التالي:
- شكل الرسالة: تستخدم بعض الدول ومنها روسيا، موقع تويتر لنشر البيانات الصحفية للوزارات.
- انتظام النشر: قد تمضي أَشْهُرٌ دون أن تطلق الحسابات الرسمية تغريدة واحدة، فعلى سبيل المثال قامت الحكومة الهندية بتوسيع استخدامها لتويتر ليشمل أربع وزارات في عام 2016، ولكن واحدة منها وهي وزارة السكك الحديدية لم تنشر أي تغريدة منذ عام 2018.
- طبيعة الرسالة: تستخدم بعض الدول موقع تويتر لتوجيه رسائل عدوانية مثل تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018 الموجهة لزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، والتي لوَّح فيها باستخدام الزر النووي، وكذلك نشر المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في يناير الماضي، صورة لصفعةٍ على وجه ترامب في أوج التوتر مع واشنطن عقب مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة أمريكية قرب مطار بغداد.
في المقابل، تستخدم دول أخرى منصة تويتر لتمرير رسائل إيجابية مثل وزارة الخارجية النرويجية التي تستخدم حسابها باللغة الإنجليزية لنشر المعلومات للسائحين.
الولايات المتحدة أكثر الدول استخدامًا لمنصة تويتر
تُظهر البيانات حول حجم مستخدمي تويتر على مستوى العالم في يناير 2020، أن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر استخدامًا لتلك المنصة، بواقع 59,35 مليون مستخدم مقارنة بـ45,75 مليون في اليابان، و16,7 مليون في بريطانيا، و14,35 مليون في المملكة العربية السعودية، و11,45 مليون مستخدم في الهند.
وعلى الرغم من أن روسيا لديها 9,46 مليون مستخدم على تويتر، فإن هذا يمثل فقط 6% من السكان، حيث يميل الروس إلى تفضيل منصات التواصل الاجتماعي المحلية، مثل فكونتاكتي والتي يطلق عليها البعض “الفيسبوك الروسي”.
ومن هذا المنطلق، لا يُعد تويتر مفيدًا للجماهير على المستوى المحلي في الدول التي لا يوجد بها مجتمع نشط على المنصة، مثل إيران، حيث يستخدم 3% فقط من الشعب الإيراني موقع تويتر، والصين التي تحظر الموقع.
وعلى النقيض، أدى استخدام 18% من الأمريكيين لتلك المنصة، إلى جعْل الجمهور وصناع القرار في الولايات المتحدة أكثر عرضة لحملات التضليل ولتأثير الرسائل التي تُنشر عبر تويتر.
من جهة أخرى، نوهت الدراسة بأن البعض يجادل في أن الطبيعة غير الرسمية لتويتر تسمح بمزيد من التفاعل والحوار الصريح، والذي يمكن أن يزيد الثقة بين القادة الدوليين، لافتة في هذا الشأن إلى دراسة نُشرت بمجلة الشؤون الدولية عام 2017 خلصت إلى أن العلاقة الشخصية التي تنامت بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، من خلال التفاعل المستمر على تويتر خلال المفاوضات النووية لعبت دورًا مهمًّا في الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
لكن دراسة كلية “كينجز كوليدج لندن” اعتبرت أن تلك النتيجة لا تُظهر بالضرورة أن “تويتر” سيسهِّل دائمًا العلاقات الشخصية الإيجابية بين قادة العالم أو أنه سيسهم في التقارب أو تخفيف التصعيد، مشيرة إلى أن استخدام المسؤولين لتويتر يُقدم مزيجًا من الوسائل التقليدية للاتصال الدبلوماسي، مثل إعادة تغريد البيانات الرسمية، إلى جانب تأملات شخصية غير رسمية، وفي حالة عدم وجود بروتوكول مشترك لاستخدام المؤسسات السياسية والمسؤولين لتويتر، يتم ترْكُ الرسائل مفتوحةً لتفسيرات عديدة تتشكَّل من خلال الآراء والتفاعلات الموجودة مسبقًا، والتي لا تضمن بالضرورة تأثيرات إيجابية.
كما أشارت الدراسة إلى أن هناك ثلاثة أنماط على الأقل من الجماهير على تويتر وهم: الجمهور المحلي والجمهور الدولي والحكومات الأجنبية، موضحة أنه قد يتم تفسير الرسائل بشكل مختلف عبر تلك المستويات الثلاثة المختلفة، فمثلًا يمكن تفسير تغريدة مخصصة للجمهور المحلي على أنها تصعيدية من قِبل طرف خارجي.
من ناحية أخرى، وجدت الدراسة أن إتاحة التغريدات للجميع يمكن أن تكون بمثابة معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر حول نيات الجهة أو المسؤول القائم بالتغريد واهتماماته، لافتة إلى أن زيادة المعلومات المتاحة قد تدفع نحو تهدئة التوترات وبناء الثقة أو إضفاء مزيد من التوتر والتصعيد، مما يعني بعبارة أخرى أن تأثير التغريدة يعتمد على السياق وطبيعة تفاعل المتلقي معها.
وأوصت الدراسة باستراتيجية لاستخدام تويتر قبل الأزمة وفي أثناء إدارتها، تشتمل على ما يلي:
– تطوير أفضل الممارسات المشتركة بين المؤسسات الرسمية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء الأزمات.
– تجنُّب إطلاق المسؤولين الحكوميين والحسابات الحكومية تغريدات أثناء الأزمات باستثناء نشر المعلومات من الخطب أو البيانات السياسية الرسمية، فعلى الحكومات والمسؤولين الامتناعُ عن التغريد غير المنسق أو “التغريدات المارقة” في أثناء الأزمات.
– تحسين فهم كيفية انتشار المعلومات المضللة واستهلاكها عبر تويتر، وتعزيز قدرة الجمهور على مواجهة حملات التضليل.
– استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجمع معلومات عن الخصوم المحتملين، ولا سيما كيفية استخدامهم منصات مثل تويتر.
كما أوضحت الدراسة أن ثمة دورًا يقع على عاتق تويتر يتمثل في تكثيف أنشطة إزالة المحتوى والحسابات المشاركة في عمليات التأثير التي تستهدف الأزمات الجارية، فضلًا عن الاستمرار في صياغة وإنفاذ سياسات تهدف إلى مكافحة التلاعب بالمنصة والتأثير على الجماهير أثناء الأزمات، وزيادة الشفافية فيما يتعلق بحالات التلاعب التي أدت إلى صراعات أو قد تؤدي إلى نشوبها.
وأخيرًا.. لقد سلطت تلك الدراسة الضوء على الحاجة إلى مزيد من الجهود البحثية، خاصة داخل نطاق الدراسات الاستراتيجية حول تأثير مختلف أنماط وسائل التواصل الاجتماعي على السِّلْم والأمن الدوليين.