تعتبر الآنية والسرعة في معالجة المعلومات سمتين أساسيتين يتميز بهما الجيل زد، الذي يلاحظ تأثره بظاهرتي الخوف من فوات الفرصة (FOMO)، وإدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ويُعرف الخوف من فوات الفرصة، بأنه إحساس بعدم الراحة، ينتاب مستخدم منصات التواصل الاجتماعي نتيجة شعوره بأنه يفوت تجارب أو أحداث اجتماعية يستمتع بها الآخرون، وقد ازداد تأثير هذه الظاهرة زيادة ملحوظة مع انتشار المنصات الرقمية. وتعد منصة “تيك توك” من أبرز الوسائل التي تسهم في تعزيز إدمان الاستخدام وزيادة الشعور بالخوف من فوات الفرصة.
وفي المملكة العربية السعودية، نجد أن فئة الشباب تشكل 75% من السكان، كما تشير الإحصاءات إلى أن منصة “تيك توك” تعد ثالث أكثر المنصات استخدامًا بنسبة تصل إلى 71% مع ما يقارب 18 مليون مستخدم. كما تظهر البيانات أن 48% من مستخدمي “تيك توك” في المملكة تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا، وتفيد مصادر أخرى أن 60% من الجيل زد في السعودية يستخدمون منصة “تيك توك”.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العربية للإعلام والاتصال في عددها الصادر في مارس 2025، دراسة بعنوان “العلاقة بين استخدام منصة تيك توك وظاهرتي الخوف من فوات الفرصة وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي: دراسة وصفية تحليلية على عينة من جيل زد في المملكة العربية السعودية” من إعداد الدكتورة الجوهرة المطيري، الأستاذ المشارك بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الملك سعود، والدكتورة غيداء الجويسر الأستاذ المشارك بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الملك عبد العزيز، والتي نستعرضها على النحو التالي:
عينة الدراسة:
تمثل مجتمع الدراسة في المستخدمين السعوديين من جيل زد، وتحديدًا مواليد 2000-2005 الذين يستخدمون تطبيق “تيك توك”. وقد بلغ أفراد العينة العشوائية التي اعتمدتها الدراسة (344) مبحوثا منهم 68.6% من الإناث و31.4% من الذكور، أما عن الشريحة العمرية للعينة فتوزعت كالتالي 48% من أفراد العينة من مواليد 2001-2000، في حين 36% من مواليد 2003-2002، و16% من مواليد 2005-2004.
وبالنسبة للمستوى التعليمي فتوضح النتائج أن 7.3% من أفراد العينة من طلاب الدبلوم، و5.2% من خريجي الدبلوم، و10.5% من طلاب الثانوية العامة، و10.5% من خريجي الثانوية العامة، في حين أن 52.6% من أفراد العينة طلاب بكالوريوس و14% من خريجي مؤهل بكالوريوس.
أما الحالة العملية فيتضح أن 66.9% من أفراد العينة طلاب، وأن 5.2% طلاب وموظفون في الوقت نفسه، وأن %16.6 خريجون عاطلون وأن 11.3% خريجون موظفون.
نتائج الدراسة
أظهرت النتائج أن أعلى درجات الـ “FOMO” كانت مرتبطة بعبارة “يزعجني فوات فرصة لقاء أصدقائي”، وتشير هذه النتائج إلى أهمية التفاعل الاجتماعي في تعزيز مشاعر الـ “”FOMO لدى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، وبلغ المتوسط الحسابي لعبارة “يزعجني فوات فرصة لقاء أصدقائي” 3.59، في حين حصلت العبارة “أشعر بالقلق عندما لا أعرف ما الذي ينوي أصدقائي فعله” على أقل متوسط حسابي بدرجة 2.27.
كما بينت النتائج أن الاستخدام المفرط لمنصة تيك توك يرتبط بمشاعر الإدمان، وحصلت العبارة “غالبا ما أجد نفسي أستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لفترة أطول مما خططت له” على أعلى متوسط حسابي بدرجة 3.94، بينما سجلت العبارة “غالبا ما أعتذر عن لقاء الأصدقاء بسبب انشغالي بوسائل التواصل الاجتماعي” على أقل متوسط حسابي بدرجة 2.15.
وأظهرت النتائج أن الإناث يعانين من مستويات أعلى من الخوف من فوات الفرصة (FOMO) والإدمان مقارنة بالذكور، كما أوضحت النتائج وجود فروق ذات دلالة إحصائية في مستوى (FOMO) بين الجنسين لصالح الإناث، في حين لم تظهر فروق ذات دلالة إحصائية في متغيري العمر والحالة العملية. أما بالنسبة لإدمان وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ظهرت الفروق لصالح الإناث فقط دون تأثير للعمر أو المستوى التعليمي.
وتعزز هذه النتائج من أهمية تطوير استراتيجيات وقائية وتوعوية تستهدف الفئات الأكثر تأثرًا، خاصة الإناث، لتقليل الآثار السلبية لاستخدام “تيك توك”. ويمكن الاستفادة من هذه النتائج من قبل صناع القرار والمؤسسات الاجتماعية ومطوري التطبيقات لتصميم مبادرات رقمية واستراتيجيات فعالة، تهدف إلى الوقاية من الآثار النفسية والاجتماعية المرتبطة بإدمان وسائل التواصل الاجتماعي وظاهرة الـ (FOMO) ويسهم ذلك في تحسين جودة الحياة والصحة النفسية بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030.
توصيات الدراسة
سلطت الدراسة الضوء على جوانب تعكس محدودية نتائجها، تمثل أولها في انحصار العينة في جيل زد، حيث يمكن أن تتناول الدراسات المستقبلية الأجيال الأخرى، مثل جيل الألفية وجيل ألفا، لرصد الفروق بينهم، كذلك يمكن تضمين أكثر من منصة للتواصل الاجتماعي مثل سناب شات وإكس وغيرهما.
أما الجانب الثاني فيتعلق باقتصار المنهجية على الأسلوب الكمي في الجمع والتحليل، ويمكن للدراسات المستقبلية توظيف المنهج المزجي؛ باستخدام المقابلة أو مجموعات التركيز والتحليل المواضيعي بالإضافة إلى الأساليب الكمية في جمع وتحليل البيانات، بينما يتصل الجانب الثالث بإمكانية تطبيق الدراسة الحالية على نطاق أكبر حيث دول الخليج والدول العربية، مما يسمح بتعميم النتائج على نطاق أوسع جغرافيا.
وأوصت الدراسة المؤسسات الرسمية وصناع القرار بتطوير حملات توعوية تستهدف الشباب، خصوصا الفتيات وطلاب الدبلوم وخريجي الثانوية العامة، لزيادة الوعي بمخاطر الإفراط في استخدام تطبيق “تيك توك” وتأثيره السلبي على الصحة النفسية.
ورأت الدراسة إمكانية أن تشمل هذه الحملات ورش عمل وفيديوهات قصيرة مُلهمة، وأدوات تفاعلية تساعد على تنظيم الوقت.
كما أوصت بتنظيم فعاليات وأنشطة ترفيهية تشجع الشباب على قضاء وقتهم بعيدًا عن الهواتف الذكية، مع توفير بيئة داعمة تحفزهم على التفاعل الاجتماعي المباشر.
كما دعت إلى أن يعمل مطورو تطبيقات التواصل الاجتماعي على تصميم أدوات داخل التطبيقات تُتيح التحكم في مدة الاستخدام- مثل التنبيهات التذكيرية-، وتشجع المستخدمين على تحقيق التوازن بين حياتهم الرقمية والشخصية.
أما في المدارس والجامعات، فيمكن إطلاق برامج تعليمية تهدف إلى توعية الطلاب بمخاطر إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية استخدامها بشكل إيجابي دون التأثير السلبي على صحتهم النفسية أو إهدار وقتهم، فضلًا عن دعم الطلاب من خلال جلسات استشارية وبرامج تدريبية موجهة خصيصًا للفتيات وطلاب الدبلوم وخريجي الثانوية العامة لمساعدتهم على مواجهة التحديات النفسية والاجتماعية.
كما تشجع الدراسة الباحثين والأكاديميين على إجراء مزيد من الدراسات التي تستكشف تأثير تطبيقات مثل “تيك توك” على شرائح مختلفة من المجتمع، مع التركيز على كيفية تحويل استخدام هذه المنصات إلى تجربة إيجابية، ودعت أيضًا إلى دراسة الأبعاد الثقافية والجغرافية، مثل تأثير المنطقة الغربية، لفهم الظاهرة بشكل أعمق.