استعراض دراسات

الدمج بين النظريات الكلاسيكية والمستحدثة في ضوء الاتجاهات الحديثة لبحوث الإعلام الجديد

أدت ثورة الاتصال الرقمي إلى تغيرات كبيرة في عمليات الاتصال ومكوناته، مع تحول الفعل الاتصالي الخطي إلى عملية اتصالية تفاعلية، وأصبح الفرد يعيش في فضاء مفتوح يحتوي على معلومات وبيانات متوافرة بكل الأنواع وفي جميع المجالات.

وفي ظل التطورات الكبرى التي طرأت على عناصر العملية الإعلامية وأدت إلى تغيير علاقة المرسل بالمستقبل والرسالة والوسيلة الإعلامية وطبيعة التلقي، والتي كان الإعلام الجديد معطى أساسيًا فيها تشهد البحوث والدراسات الإعلامية والاتصالية هي الأخرى تحولات في التنظير وضبط المفاهيم وتفسير المشكلات وتحديد العلاقة بين المتغيرات، الأمر الذي أدى إلى محاولات لإعادة النظر في النماذج والمداخل النظرية والنظريات الإعلامية التقليدية مما أسفر عن ظهور تيارات بحثية جديدة منها ما يدعو إلى ضرورة صياغة نظريات جديدة خاصة بالفضاء الرقمي والإعلام الجديد، ومنها ما يرى إمكانية تكييف النظريات التقليدية مع الواقع الجديد، بينما يرى البعض ضرورة الدمج بين النظريات.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث الإعلامية في عددها الصادر في  أكتوبر 2024 دراسة بعنوان “الدمج بين النظريات الكلاسيكية والمستحدثة في ضوء الاتجاهات الحديثة في بحوث الإعلام الجديد” من إعداد الدكتور فرج درويش أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام جامعة سيناء فرع العريش، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • مجتمع وعينة الدراسة

تمثل مجتمع الدراسة في البحوث المرتبطة بالإعلام الجديدة في الفترة الزمنية من يناير 2013 حتى أكتوبر 2023، وقد اعتمدت الدراسة على العينة المتاحة من البحوث التي تم التوصل إليها عن طريق قواعد البيانات والمعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت، وقد تم أخذ العينة على مرحلتين الأولى عينة مباشرة وشملت جميع الدراسات والبحوث التي تم نشرها في النطاق الزمني لعينة الدراسة (2013-2023) والتي أجريت حول الإعلام الجديد بكافة أشكاله وقد توصل الباحث إلى 2016 دراسة متاحة على الإنترنت، وذلك لاختيار الجزء الثاني من العينة وهو الجزء المباشر (210) أبحاث منشورة  منها 110 دراسات وأبحاث عربية بنسبة (52.4%) و(100) بحث أجنبي بنسبة (47.6%) تم أخذها بطريقة عشوائية.

  • نتائج الدراسة

أظهرت نتائج الدراسة أن عدد النظريات التي تم اعتمادها كإطار نظري في بحوث الإعلام الجديد عينة التحليل  بلغ 24 نظرية ومدخلين نظريين وثلاثة نماذج، وكانت أكثر النظريات استخدامًا نظرية ثراء الوسيلة ثم نظرية الشخص الثالث، تلتها نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، ثم نظرية يسر استخدام مواقع الويب، ثم نظرية الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى نظرية الاستخدامات والإشباعات ثم نظرية المجال العام، وهذه النظريات من بينها 3 نظريات تقليدية و4 حديثة ويمكن تفسير ذلك بأن بحوث الإعلام الجديد لم تقص النظريات التقليدية تماما بل ما زالت تعتمدها كإطار نظري لها.

كما توصلت الدراسة إلى أن بحوث الإعلام الجديد استخدمت الكثير من النظريات الكلاسيكية دون محاولة من الباحثين تقديم مقترحات لتطويرها، وأن نسبة (41.7%) من العينة ذكرت النظرية دون توظيفها، أما البحوث التي وظفت النظريات في صياغة الفروض فقط فبلغت نسبتها (23.4%)، والتي وظفتها في تفسير النتائج (21%)، وكانت أقل نسبة هي البحوث التي وظفت النظرية المستخدمة في صياغة فروض البحث وتفسير نتائجه حيث بلغت (13.7%).

كما استعرضت الدراسة عددا من النظريات الجديدة والمتخصصة في الإعلام الرقمي ومنها:

  • “التشكل العضوي لوسائل الإعلام- Media morphosis”، وذلك لشرح العلاقة بين وسائل الإعلام القديمة ووسائل الإعلام الحديثة وكيفية تطور الوسائل التقليدية لتواكب التطور لوسائل الإعلام الجديدة ويطلق عليها أحيانا نظرية التحول الرقمي.
  • “نظرية الشبكة- Network Theory and the Growth of the web” وتفيد في تحديد الروابط المناسبة لكل فن من الفنون الصحفية، فيمكن من خلالها تحديد عدد من الروابط في الأخبار، وعدد الروابط في الأحاديث والتحقيقات.
  • “نظرية الفضاء الديمقراطي-Cyber Democratic Theory” وهي نظرية تتماشى مع الإنترنت وتطبق في مجال الاتصال السياسي وهي تؤكد على دور المجتمعات الافتراضية والاستفتاءات الإلكترونية في القيام بدور الديمقراطية الإلكترونية.
  • “نظرية التلاقي- Convergence Theory” وهي تفترض أن تكنولوجيا الإعلام الجديدة تحدث تغيرات على طبيعة التواصل البشري، وهي تستخدم ثلاثة مفاهيم (التلاقي أو الدمج والذكاء الجماعي، والمشاركة الثقافية)
  • نظرية “One Click Theory” وتعني أن الجماهير أصبحت أكثر نشاطًا وقدرة على صناعة المحتوى أو على الأقل الاختيار بين المحتويات المعروضة.
  • توصيات ومقترحات الدراسة

قدمت الدراسة عددًا من المقترحات والرؤى العلمية للتغلب على الإشكاليات النظرية والمنهجية في دراسة الإعلام الجديد وتطوير الأطر النظرية في بيئة الإعلام الجديد، بناء على ما تم عرضه واستخلاصه من التراث العلمي في هذا المجال، وهو ما تمثل في الآتي:

  • التعامل مع الإعلام الجديد ووسائله الشبكية كعلوم جديدة مستقلة والعمل على استقلال هذه الظاهرة والسعي لتأسيس نماذج نظرية بوصفها بداية لنظريات الإعلام الجديد، والإفادة من العلوم الأخرى للتعامل مع هذه الظواهر سواء أكان المتعلق منها بالهوية الذاتية للفرد أم بالعلاقات الاجتماعية أم بالمجال العام.
  • اللجوء إلى مستوى التنظير الجزئي في ظل عدم تناسب نظريات الإعلام التقليدية مع تغيرات الظاهرة الإعلامية في بيئة التواصل الاجتماعي، وذلك للحصول على تفسيرات تتسم بالاستقرار النسبي، مما يساعد على تكوين تراث معرفي ونظري خاص ببحوث الإعلام الجديد.
  • صياغة نظريات تتناسب مع طبيعة ظاهرة الإعلام الجديد، من خلال البدء ببناء نماذج نظرية جديدة كمخرج للتعامل مع الإشكاليات التي تواجهها بحوث الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي في إطار سعيها لبناء إطار نظري يلائم خصائص ظواهر البيئة الإعلامية التقليدية.
  • عدم إغلاق باب الاجتهاد نحو صياغة مفاهيم ومقاربات ومداخل ونماذج نظرية تساعد على تفسير بعض ظواهر الإعلام الرقمي.
  • إعادة تعريف المفاهيم والوحدات التقليدية المستخدمة سواء أكان في النظريات الاتصالية أم الاجتماعية، وخاصة في ظل بروز التأثير الكبير للتكنولوجيا على الأنشطة الاتصالية والاجتماعية.
  • تطوير مقاربة نظرية وأدوات تحليلية مبتكرة لمعالجة الاستخدامات والتأثيرات وأنماط الانخراط في هذه المجالات الاجتماعية وإنتاج أشكال المضامين الجديدة.
  • إعادة النظر في نظريات وسائل الإعلام التقليدي سواء أكان لنفي المقولات النظرية السابقة أم تطويرها أم إعادة إنتاجها، أو بناء مقولات نظرية جديدة تشكل نموذجا نظريا تستند عليها في تفسير ما تدرسه من ظواهر.
  • عدم المبالغة في تطويع نظريات قديمة ومحاولة إخضاعها قسرًا على ظواهر اتصالية جديدة تتم في بيئة مغايرة.
  • تطوير أدوات بحث متقدمة في دراسات الإعلام الرقمي والشبكات الاجتماعية تحاول أن تستفيد من تقنيات هذه الوسائل لدراستها، فثمة العديد من الآلات والتقنيات والبرمجيات التي يمكن توظيفها في الوصول إلى نتائج بحثية أكثر دقة.
  • الحرص على تطوير بعض النظريات المعتمدة في بيئة الإعلام التقليدي والتحقق من إمكانية ملاءمتها وطبيعة البيئة الإعلامية الاتصالية والعمل على إعادة اختبار فروضها أو بعضها من أجل صبغها بالصبغة العلمية التي تتيح استخدامها في بيئة الإعلام الرقمي.
  • وضع مصفوفة بالقضايا البحثية ذات الأولوية في الدراسة والتحليل بما يساعد على توجيه العمل البحثي، مع إيلاء مزيد من الاهتمام بالبحوث التي تقوم على الدراسات الثانوية لمراجعة الإنتاج العلمي في هذا المجال من وقت لآخر وكذلك الحاجة إلى مراجعة الكثير من المفاهيم والمداخل النظرية التي يتم توظيفها في دراسة الإعلام الرقمي.
  • العمل على تطوير النظريات الإعلامية القديمة التي تستخدم في الإعلام الرقمي لتتلاءم مع التطور التقني بخصائصه وجمهوره والعناصر التفاعلية والتشاركية.

وأخيرًا، أوصت الدراسة بتجنب نمطية الاستخدام النظري والخروج بنظريات بحثية عربية تتناسب مع استخدامات الجمهور العربي أو طبيعة التفاعلات على الإعلام الرقمي، على أن يتم اختبارها في بحوث استكشافية.

زر الذهاب إلى الأعلى