فرضت التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم نفسها على كافة المجالات والتخصصات، وفي القلب من تلك التطورات يأتي الذكاء الاصطناعي الذي يتوقع أن يتم إدراجه خلال السنوات القليلة المقبلة ضمن مؤشرات النمو الاقتصادي العالمي ليصبح نصيب الفرد من التكنولوجيا جنبا إلى جنب مع نصيبه من الدخل على الصعيد الوطني والناتج المحلي الإجمالي.
وتعد صناعة الإعلام والترفيه من القطاعات الأكثر تأثرا بالطفرة الرقمية، ومن مؤشرات ذلك دخول مرحلة “الميتافيرس”، فضلا عن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في مجال صناعة المحتوى من خلال ما يعرف بـ” Data or Content Mining” التي تقوم بالبحث في البيانات لصناعة محتوى جيد.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة المصرية لبحوث الإعلام في عدد أكتوبر 2022 دراسة بعنوان ” تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام.. الواقع والتطورات المستقبلية” للدكتورة مي مصطفى عبد الرازق الأستاذ المساعد بقسم الصحافة بأكاديمية أخبار اليوم، حيث سعت إلى التعرف على اتجاهات القائمين بالاتصال نحو تبني واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
- عينة الدراسة
جرى تطبيق الدراسة على عينة عمدية قوامها 451 مفردة من القائمين بالاتصال مقسمة إلى 265 مفردة من المنتمين لوسائل إعلامية مصرية و186 مفردة من المنتمين لوسائل إعلامية عربية، وتم سحب عينة الدراسة من وكالات الأنباء والصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات الإذاعية والتلفزيونية وحسابات بمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من المهتمين بمتابعة الجديد في مجال الذكاء الاصطناعي ولديهم معرفة وعلم بأبعاده بالتطبيق على من يعملون بأقسام وإدارات ذات صلة بالإعلام الرقمي من منتجي موضوعات ومصممي صحافة البيانات، والعاملين بأقسام المالتيميديا وصحافة الفيديو وغيرهم، وذلك خلال الفترة الزمنية من مايو 2021 إلى فبراير 2022.
- نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى عدة نتائج، منها أن المبحوثين يتابعون الأخبار الخاصة بتقنيات الذكاء الاصطناعي بمعدل مرتفع، وذلك في إطار أن الذكاء الاصطناعي أصبح حاضرًا نعيشه وسط جدال مستمر حول فوائده المدركة ومخاطره المحتملة وقدراته المتطورة باستمرار.
كما أشار المبحوثون إلى قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي على محاكاة السلوك البشري في القيام بالعديد من المهام الإعلامية، وتؤكد هذه النتيجة أهمية تلك التقنيات وضرورة العمل على امتلاكها واستثمارها والاستفادة مما تحققه من إيجابيات ولكن تحت إشراف ومتابعة دقيقة من العنصر البشري.
أما عن المجالات الأكثر استخدامًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي وفقا لآراء المبحوثين فجاءت بالترتيب كالتالي: المجال التسويقي بنسبة 41.7%، ثم المجال الإعلامي 38.8% وأخيرا المجال الفني والإداري بنسبة 19.5%.
وتمثلت أهم تقنيات الذكاء الاصطناعي من وجهة نظر عينة الدراسة في صحافة البيانات كتحويل النصوص لبيانات بمختلف الأشكال، وتقنيات الترجمة الآلية للغات الأخرى، واستخدام الروبوت في عمليات التحرير الصحفي أو تقديم الأخبار من الاستوديو أو ميدانيًا، واستخدام الـ BOTS الدردشة الآلية للرد على استفسارات وتعليقات الجمهور.
وبالنسبة للموضوعات الأكثر توظيفًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي من وجهة نظر عينة الدراسة فتمثلت في الصحافة الخدمية كمعرفة أحوال الطقس وأسعار العملات والذهب وغيرها، ثم الصحافة الاقتصادية، ثم موضوعات العلوم والتكنولوجيا تليها الرياضة ثم الموضوعات الاجتماعية، ثم السياسة والفن. كما أجابت النسبة الأكبر من المبحوثين بأن تلك التقنيات ستقود في وقتٍ لاحق إلى تطورات بالأداء المهني بدرجة كبيرة.
وحول استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة، جاءت إجابات المبحوثين طبقًا لموقف مؤسساتهم الإعلامية كالتالي: ستقوم بإجراء بعض التغييرات والإصلاحات لتبني هذه التقنيات بنسبة 63.2%، ثم سيستمر الوضع الحالي دون السعي إلى اقتناء هذه التقنيات واستخدامها بنسبة 20.8%، وأخيرًا ستقوم بعمل تحولات جذرية وعميقة لتبني واستغلال هذه التقنيات 16%، ويتوقف ذلك على التسهيلات المتاحة لكل مؤسسة إعلامية.
ووفقًا لتصورات المبحوثين لأنفسهم ولزملائهم بالمؤسسة ورؤسائهم المباشرين فقد كانت النسبة الأكبر تتجه نحو تأييد استخدام تلك التقنيات، وهكذا اتجهت نتائج الدراسة إلى قبول من هم في الإدارات الدنيا أو الوسطى لاستخدام وتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بالعمل بالمقارنة لمن هم في الإدارة العليا بالمؤسسات الإعلامية المختلفة.
- أبرز مقترحات الدراسة
استعرضت الدراسة سلسلة من المقترحات التي قدمها المبحوثون من أجل التكيف مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتمثل في:
- إجبار العاملين بالإعلام على التدريب على المستجدات التكنولوجية، وأن يتم ربط ذلك بالترقيات.
- إقناع المسؤولين بالمؤسسات الإعلامية بضرورة الاستعانة بالتكنولوجيا الرقمية، والعمل على تعيين مديرين من الفئة العمرية الشابة في مختلف الأقسام لأنهم أكثر مرونة وقابلية لاستخدام التكنولوجيا.
- التوصية بإعطاء الأولوية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات محددة تتمثل في صحافة البيانات، التصحيح التلقائي، كشف الأخبار الزائفة، الأرشفة، إجراء استطلاعات الرأي، فلترة الترندات بمختلف محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، رفع الإنتاج الإعلامي على الإنترنت، بخلاف استخدامه في الجانبين الإداري والتسويقي بشكل أساسي.
- إدخال مقررات دراسية تطبيقية بكليات وأقسام الإعلام تتناول تلك التقنيات على أن يتم تحديثها دوريا.
- وضع خطة لإدارة أزمة احتمالية زيادة معدل البطالة بسبب الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
- سن قوانين وتشريعات لتنظيم العمل الإعلامي المنتج من خلال التقنيات.
- تحديث البنية التحتية لوسائل الإعلام لتتمكن من الاستعانة بمختلف التقنيات التكنولوجية، على أن يتم إدخال الذكاء الاصطناعي في منظومة العمل تدريجيًا لاستيعابه، وتعميم الفكرة بقدر المستطاع لاحقًا.
- ضرورة تطوير السياسات الإدارية والاستراتيجية التسويقية للمؤسسات الإعلامية بشكل عام من خلال توظيف الإمكانيات التكنولوجية باختلافها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن توظيف الذكاء الاصطناعي في عمل المؤسسات الإعلامية وتأهيل الكوادر الإعلامية والصحفية على الاستعانة بتلك التقنيات ذات الصلة لم يعد ترفًا أو خيارًا ولكنه ضرورة لازمة إذا ما أرادت تلك المؤسسات الاستمرار والصمود في وجه التحديات التكنولوجية التي تعيد صياغة أساليب العمل الإعلامي.