أصدرت محكمة الأحوال الشخصية بمكة المكرمة حكمًا بنقل ولاية امرأة من الولي إلى المحاكم الشرعية لتزويجها، بعد ثبوت امتناع شقيقها عن تزويجها لمدة 57 عاماً دون سبب مقنع.
وعلى خلفية هذه القضية، شهدت منصة تويتر تفاعلًا ضخمًا من جانب المستخدمين السعوديين الذين غردوا بكثافة على هاشتاق يحمل اسم (#تزويج_المراه_نفسها)، حيث صعد إلى قائمة الترند للأعلى تداولًا في المملكة.
وجاء حجم النشاط على الهاشتاق خلال 6 ساعات كما يلي:
• قام المستخدمون بالتغريد على الهاشتاق بـ(2356) تغريدة.
• بلغ عدد مرات الوصول إلى الهاشتاق (3.035.577) مرة.
• بلغ عدد مرات الظهور (3.861.973) مرة.
ونظرًا للاهتمام الجماهيري الذي حظيت به هذه القضية، سعى مركز القرار للدراسات الإعلامية إلى استكشاف اتجاهات المستخدمين السعوديين نحو مسألة تزويج المرأة لنفسها ومبرراتهم التي ساقوها للتدليل على وجهة نظرهم؛ وذلك عبر رصد وتحليل عينة عشوائية قوامها (100) تغريدة متفاعلة مع الهاشتاق.
وقد انتهت النتائج إلى ما يلي:
الاتجاه
جاء الاتجاه الرافض لتزويج المرأة لنفسها في المرتبة الأولى بنسبة 70% من إجمالي التفاعلات، تلاه في المرتبة الثانية الاتجاه المؤيد بنسبة 30%.
الأطر المرجعية
أولًا: الأطر المرجعية للاتجاه الرافض
اعتمد الرافضون لفكرة تزويج المرأة لنفسها على الإطارين الديني والاجتماعي في المقام الأول بنسب متساوية، تلاهما الإطار الحقوقي.
أ- الإطار المرجعي الديني: تمثّلت أهم استشهاداته فيما يلي:
الاعتماد على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تشترط وجود ولي للمرأة لإتمام صحة زواجها.
اشتراط الولي في الزواج من محاسن الدين الإسلامي العظيم، ويُؤكد حرصه على المرأة وضمان حقوقها.
تزويج المرأة لنفسها هو زواج غير شرعي ومخالف لتعاليم الدين الإسلامي.
الشريعة الإسلامية وضعت حلولًا لكافة المشكلات التي تواجه الأسرة المسلمة.
رفض المجتمع السعودي لكل ما نهى عنه ديننا الإسلامي.
ب- الإطار المرجعي الاجتماعي: وفيه تم الاستشهاد بما يلي:
المجتمع السعودي يرفض فكرة تزويج المرأة لنفسها لأنها تتعارض مع قيم وعادات وتقاليد المملكة.
المرأة التي تُزوج نفسها وتتخلى عن أهلها تفقد احترام زوجها.
تعمل بعض الأفكار النسوية على تشويه صورة المجتمع السعودي المحافظ من خلال الترويج لهذه الهاشتاقات، وتقوم بعملية تقليد أعمى للمجتمعات الغربية.
الإطار المرجعي الحقوقي: تمحورت استشهاداته حول طرح مركزي مفاده أن تزويج الفتاة دون ولي هو إذلال للمرأة وضياع لحقوقها؛ كما تضمن هذا الإطار التأكيد على الجهود التي يقوم بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، حفظه الله، في دعم قضايا المرأة وحقوقها، ومنها مشروع نظام الأحوال الشخصية.
أما المؤيدون لفكرة تزويج المرأة لنفسها، فقد اعتمدوا على الإطار المرجعي الحقوقي في المقام الأول بنسبة 77%، تلاه وبفارق كبير الإطار المرجعي الديني بنسبة 14%، ثم الاجتماعي بنسبة 9%.
أ- الإطار المرجعي الحقوقي: وفيه ظهرت المطالبات بأن يُعطى للمرأة الحرية الكاملة وكل الحق في اختيار زوجها دون الرجوع إلى وليّها، وقد تأثر أغلب تفاعلات هذا الاتجاه بقضية المرأة التي منعها شقيقها من الزواج لمدة 57 عامًا، ولذلك يمكن اعتبار تفاعلاتهم الغاضبة كانت بمثابة رفض لفكرة التسلط والقمع، ومحاولة لحماية المرأة من هذه التصرفات الفردية.
ب- الإطار المرجعي الديني: حيث اعتمد أنصار هذا الاتجاه على رأي الإمام أبي حنيفة الذي أجاز تزويج المرأة لنفسها طالما تكافأت شروط الزواج بينها وبين الزوج وكانت عاقلًا وبلغت سن الرشد.
ت- أما الإطار الاجتماعي: فقد اعتمد عليه أنصار الاتجاه المؤيد لفكرة تزويج المرأة لنفسها من منطلق أن بعض ولاة العقد يمارسون نوعًا من التسلط ضد الفتيات سواء بمنع زواجهن أو بإجبارهن على الزواج من شخص ما دون رغبة منهن.
وإجمالًا.. يمكن القول إنه بينما اعتمد الرافضون لفكرة تزويج المرأة لنفسها على الإطارين الديني والاجتماعي بشكل أساسي، معتبرين أن هذا الطرح يتعارض مع تعاليم ديننا الإسلامي وعادات وتقاليد المجتمع السعودي الذي يطغى فيه المناخ الأسري السوي واحترام الفتيات لآبائهن، وأيضًا حرص الآباء على مصلحة بناتهم، اعتمد المؤيدون على تزويج المرأة لنفسها على الإطار الحقوقي بشكل أساسي، مع تراجع للإطارين الديني والاجتماعي، وكان من اللافت أن أنصار هذا الاتجاه تأثروا بشكل كبير بقضية المرأة التي منعها شقيقها من الزواج لمدة 57 عامًا.
ولذلك يمكن القول إن الغالبية العظمى من التفاعلات أقرّت بأهمية وجود الولاية للمرأة في زواجها، شريطة عدم التسُّلط أو القمع أو الإجبار الذي قد يُمارس عليها من جانب قِلة من أفراد المجتمع.
ومن هذا المنطق، جاءت بعض الأطروحات مجردة عن التأثر بهذه الحادثة، واعتبرت أن النظام المعمول به في المملكة الآن يحمي المرأة ويحفظ لها كامل حقوقها بما يتوافق مع تعاليم ديننا الإسلامي، مؤكدين أن الولاية هي من شروط الزواج الذي نصّ عليها الدين الإسلامي، وأن الشرع يُجيز للفتاة تزويج نفسها في بعض الحالات الاستثنائية، معتبرين أن الفتاة التي تتعرض للظلم يمكنها اللجوء إلى المحكمة التي ستنظر في شكواها بشكل سريع حسب الأنظمة المعمول بها حاليًا.
ختامًا.. تُنبه هذه الحادثة إلى مؤشر غاية في الأهمية يتمثل في أن بعض الحوادث الفردية قد تُؤثر على اتجاهات الرأي العام، ولذلك فمن الضروري التعامل الحاسم والسريع معها مثلما حدث مع القضية موضوع التحليل.
وفي هذا الصدد، نوصي بأهمية أن تقوم وسائل الإعلام بتسليط الضوء على قضية الولاية للمرأة، والتأكيد على أنها لا يجب أن تكون أداة تسلُط بل وسيلة للحفاظ على الكيان الأسري ووسيلة لحماية المرأة وحفظ حقوقها.
كما نوصي بضرورة توعية المجتمع بمتطلبات الولاية على المرأة، والحالات التي يُمكن للمرأة اللجوء فيها إلى المحكمة، وذلك من أجل الحفاظ على التماسك المجتمعي.