تقارير

حرب التضليل على منصات التواصل الاجتماعي بين إسرائيل وإيران

في الوقت الذي تتواصل فيه الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران لليوم العاشر على التوالي، والتي تتصاعد وتيرتها وقوة تأثيرها، تدور حرب أخرى بين الطرفين لا تقل ضراوة عبر منصات التواصل الاجتماعي، سلاحها الذكاء الاصطناعي وأدواته المختلفة لنشر المعلومات المُضللة في إطار النمط الحديث للحروب النفسية المُصاحبة للعمليات العسكرية، ليجد مستخدمي منصات التواصل أنفسهم وسط دوامة رقمية من المعلومات المضللة.

وكان من اللافت أن انتشار الصور ومقاطع الفيديو الزائفة لم يكن على يد حسابات مجهولة الهوية على منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل إن جهات رسمية تمثل طرفي الصراع انخرطت أيضًا في تلك الجهود.

  • دور وسائل التواصل الاجتماعي خلال الصراعات

برزت وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الرقمي كلاعب محوري في تشكيل التصور العام والتأثير على ديناميكيات الصراعات الحديثة وذلك من خلال عدة جوانب رئيسية أبرزها:

  • نشر المعلومات: تُساعد منصات التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات بسرعة ونطاق واسع، مما يسمح للأخبار والشائعات والدعاية بالانتشار بسرعة في جميع أنحاء العالم.
  • تشكيل السرد: تُتيح وسائل التواصل مساحة لمختلف الجهات الفاعلة لتشكيل السرد والتأثير على الرأي العام من خلال الاستخدام الاستراتيجي للهاشتاقات والميمات وغيرها من أدوات الانتشار.
  • التعبئة والحشد: تُمكّن منصات التواصل الاجتماعي من تعبئة وحشد الأفراد والجماعات خلف قضية أو قضايا محددة، مما يُسهّل تنسيق الاحتجاجات والمسيرات وغيرها من أشكال العمل الجماعي.

وفي ضوء ذلك، باتت “عمليات التضليل الرقمي ” Digital disinformation operations- تُستخدم بشكل متزايد كسلاح في النزاعات المسلحة والحروب، مما يُشوّه الحقائق في ساحة المعركة وخارجها، بحسب أكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني.

ويمكن للمعلومات في زمن الحرب، بغض النظر عن كيفية تقديمها، أن تؤثر على القرارات التي يتخذها أصحاب النفوذ، وتؤثر على الرأي العام الوطني أو العالمي، كما أنها قد ترفع أو تخفض من معنويات المقاتلين والمدنيين في مناطق الصراع.

  • رواج الصور والمقاطع الزائفة

وبالنظر إلى الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران حاليًا، وجد تحليل أجراه فريق هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” لتدقيق المعلومات “BBC Verify” عددًا من مقاطع الفيديو – المُعدّة باستخدام الذكاء الاصطناعي – التي تتفاخر بالقدرات العسكرية الإيرانية، إلى جانب مقاطع مُفبركة تُظهر آثار الضربات على أهداف إسرائيلية. وقد حصدت مقاطع الفيديو الثلاثة الأكثر مشاهدة، على أكثر من 100 مليون مشاهدة عبر منصات متعددة.

كما قامت حسابات مؤيدة لإسرائيل بنشر معلومات مضللة عبر الإنترنت، وذلك بشكل رئيسي من خلال إعادة تداول مقاطع قديمة للاحتجاجات والتجمعات في إيران، مدعية أنها تظهر معارضة متزايدة للحكومة الإيرانية ودعمًا بين الإيرانيين للحملة العسكرية الإسرائيلية.

ومن بين هذه الفيديوهات مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، يزعم أنه يُظهر الإيرانيين وهم يهتفون “نحن نحب إسرائيل” في شوارع طهران.

وفي الأيام الأخيرة، ومع تزايد التكهنات بشأن ضربات أمريكية على مواقع نووية إيرانية، بدأت بعض الحسابات نشر صور مُولّدة بالذكاء الاصطناعي لقاذفات “بي-2” الأمريكية تحلق فوق طهران، وهي القاذفات الوحيدة القادرة على تنفيذ هجوم فعال على موقع فوردو النووي الإيراني الحصين تحت الأرض.

ومن جانبها، رصدت منظمة “”Geoconfirmed المتخصصة في التحقق من المعلومات والصور عبر الإنترنت، ما وصفته بالحجم المذهل من المعلومات المضللة التي يتم ترويجها على أنها أحداث حقيقية، ومن أمثلة ذلك استخدام لقطات غير ذات صلة من باكستان، ومقاطع فيديو مُعاد تدويرها من ضربات أكتوبر 2024، ومقاطع من ألعاب ومحتوى مُولد بالذكاء الاصطناعي.

ومن اللافت أن حسابات ناشرة لتلك المعلومات المُضللة، تلقت مكافأة بنمو ملحوظ في عدد متابعيها، إذ شهد حساب “Daily Iran Military” نموًا في عدد متابعيه على منصة إكس بنسبة 100% في أقل من أسبوع، حيث ارتفع عدد متابعيه من أكثر من 700 ألف متابع في 13 يونيو الجاري (يوم بدء الضربات الإسرائيلية على إيران) إلى 1.4 مليون متابع في 19 يونيو.

كما ظهرت مؤخرًا حسابات غامضة عديدة في موجزات المستخدمين، جميعها تحمل علامات زرقاء، وهي حسابات كثيفة النشر تبث معلومات مُضللة بشكل متكرر. ولأن بعضها يستخدم أسماءً تبدو رسمية، افترض البعض أنها حسابات أصلية، لكن من غير الواضح من يدير هذه الحسابات.

ولم يقتصر هذا الوضع على منصات التواصل فقط، حيث قامت جهات رسمية إيرانية وإسرائيلية أيضًا بنشر معلومات مضللة، إذ بثّ التلفزيون الرسمي الإيراني مادتين على الأقل، لا علاقة لهما بالصراع إحداهما لقطات فيديو قدمها على أنها إطلاق صواريخ إيرانية نحو إسرائيل بينما هي في الحقيقة لإطلاق روسيا صواريخ كاليبر كروز على أهداف في أوكرانيا، والثانية صورة قيل إنها لحطام مقاتلة إسرائيلية لكن تبين أنها معدلة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

كما فحص مدققو الحقائق في وكالة الصحافة الفرنسية مقطع فيديو نُشر على منصة إكس يشير إلى إسقاط طائرة إسرائيلية من قِبل إيران، ووجدوا أن اللقطات بها أوجه تشابه مذهلة مع لعبة المحاكاة العسكرية “Arma 3”.

بدوره، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي على حسابه الرسمي على منصة إكس مقطع فيديو قال إنه لبدء ضربات إيران على إسرائيل، لكنه تضمن لقطات قديمة، حيث تُبين أدوات التحقق من الفيديوهات أن الست ثواني الأولى من المقطع تعود إلى الضربات الإيرانية على إسرائيل في أكتوبر عام 2024، وفقًا لمحطة “فرانس 24” الإخبارية.

وختامًا، يمكن القول إن الحرب المعلوماتية التي تجري جنبًا إلى جنب مع الصراع العسكري تسلط الضوء على الأزمة الرقمية المتصاعدة في ظل تطور متسارع لأدوات الذكاء الاصطناعي التي طمست الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والتزييف، كما كشفت- بحسب خبراء متخصصين- عن الحاجة المُلحة لأدوات أقوى لكشف التزييف والفبركة، وبرامج لمحو الأمية الإعلامية الرقمية، بجانب ضرورة مساءلة منصات التواصل الاجتماعي لحماية نزاهة الخطاب العام، حيث عملت المنصات الكبرى على إضعاف ضمانات التحقق إلى حد كبير من خلال تقليل الاعتماد على مدققي الحقائق من البشر.

أما على صعيد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بات من الضروري التحلي بدرجة عالية من الوعي النقدي عند التعامل مع ما يُنشر على تلك الوسائل حتى ولو كانت من مصادر رسمية، مع الوضع في الاعتبار توجهات مصدر المعلومة.

فالتجارب الراهنة أثبتت أن الصور والمقاطع المنشورة قد تكون مفبركة أو مجتزأة أو مستقطعة من سياقات مكانية وزمانية مختلفة كليًا عن الحدث موضوع التناول، مما يستوجب على المتلقين ألا يكونوا مجرد مستقبلين سلبيين، كما يتوجب عليهم أيضًا الاعتماد على أكثر من مصدر موثوق في تكوين رأيهم تجاه قضية أو حدث ما، حتى لا يصبحوا ضحية للتضليل المعلوماتي الذي يُؤثر على إدراكهم للحقائق.

زر الذهاب إلى الأعلى