ترجمات

محورية التقنية في العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية ضد إيران

يتطور المشهد الاستخباراتي العالمي بسرعة كبيرة استجابةً لبيئة تهديد عالمية متزايدة التعقيد بفعل التقدم التكنولوجي، الذي أتاح إمكانيات هائلة لشن هجمات إلكترونية تُعطل الأنظمة الحيوية وكذلك التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي مما يؤثر على الرأي العام في البلد أو المنطقة المستهدفة، بينما كان العمل الاستخباراتي في الماضي قاصرًا على جمع المعلومات السرية من مصادر بشرية عبر  التجسس والاستجواب والتسلل.

وبحسب الجمعية الأمريكية للأمن الصناعي، لعبت التقنيات دورًا محوريًا في العمليات الاستخباراتية خلال العقدين الماضيين لما توفره من مزايا تتمثل في التالي:

  • العمق والدقة: توفر رؤى تفصيلية حول خطط الجهات المعادية، والهياكل التنظيمية، والقدرات التشغيلية.
  • التوقيت المناسب: توفر هذه المصادر معلومات استخباراتية آنية، وهي ضرورية للاستجابة الفورية للتهديدات الناشئة، كما تُمكّن الاتصالات المُعترضة والروايات المباشرة من تطبيق إجراءات أمنية سريعة.
  • الرؤى الاستراتيجية: يمكن الكشف عن الخطط طويلة الأجل والتحولات الاستراتيجية داخل الجهات المستهدفة، مما يساعد في تطوير استراتيجيات شاملة لمجابهة أي خطر والتحرك الاستباقي.
  • أدوات الاستخبارات التقنية

مع توافر التقنيات الناشئة بكثرة، حدد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (مقره واشنطن) 5 تقنيات يُمكن أن تُفيد أنشطة الاستخبارات بشكل خاص، وهي:

 

  • الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: سيعملان على تسريع معظم الوظائف الأساسية لجهاز الأمن القومي، فالذكاء الاصطناعي قادر على معالجة مجموعات ضخمة من البيانات والتركيز على الإشارة من خلال التشويش، مما يُسهم في توجيه قرارات ضباط الاستخبارات. كما يُتيح فحصًا مُسبقًا للبيانات يُسرّع من إيصال المؤشرات والتحذيرات المهمة إلى صانعي السياسات، مما يُسرّع عملية اتخاذ القرار.

وتمكنت وكالة الأمن القومي الأمريكية، ووكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”، والوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية، ووكالة استخبارات الدفاع، من تطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف تخصصات الاستخبارات، بما في ذلك استخبارات الإشارات، واستخبارات المصادر المفتوحة، واستخبارات الصور.

  • الحوسبة الكمومية: رغم عدم توفرها تجاريًا بعد، تتطور الحوسبة الكمومية بسرعة، ويتوقع الخبراء إنشاء حواسيب كمومية أكثر سهولةً خلال السنوات العشر القادمة، حيث سيحدث الاستشعار الكمي، على وجه الخصوص،  نقلة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي وستتمكن أجهزة استشعار الجيل التالي من رصد تغيرات طفيفة في الضغط تحت الماء وتوفير نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) عالي الدقة، واستقبال إشارات الاتصالات الرادارية. وسيُمثل الكم تهديدات وفرصًا لأمن المعلومات، فمع تطور هذه التقنيات، ستصبح قادرةً على فك تشفير إجراءات الأمن الحالية. وسيُتيح الحاسوب الكمومي الوظيفي نافذةً مفتوحة على أي دولة أهملت تحديث ممارسات التشفير لديها لتتلاءم مع بيئة ما بعد الكم، وستكون هناك ميزة كبيرة لمن يتمكن من فك التشفير الكمي دون علم مالك الاتصالات.
  • التكنولوجيا الفضائية: في السنوات الأخيرة، توسعت قدرات جمع البيانات بواسطة أجهزة الاستشعار الموضوعة في مدار أرضي منخفض، وستصبح هذه الأجهزة فعالة من خلال زيادة المسافة، وخاصة إذا كانت المعالجة في المدار قادرة على تقليل كمية البيانات المرسلة إلى المحطات الأرضية.
  • البطاريات عالية الكفاءة: ستوفر البطاريات طويلة الأمد وخفيفة الوزن والقابلة لإعادة الاستخدام ميزة حاسمة في العمل الاستخباراتي، حيث ستستفيد منها المركبات البحرية طويلة المدى، والأقمار الصناعية الصغيرة، فضلًا عن أجهزة المراقبة والاتصالات السرية والخفية والروبوتات الدقيقة.
  • الهندسة الحيوية: يمكن للهندسة الحيوية ابتكار أسلحة متطورة، وعلامات لتتبع الأفراد، كما قد تُحدث أجهزة الاستشعار الحيوية نقلة نوعية في مجال المراقبة، سواءً على مستوى الأفراد أو السكان.
  • الاختراق الإسرائيلي لإيران

لعبت التقنية دورًا رئيسيًا في الاختراق الإسرائيلي الكبير لإيران عبر الهجمات التي شنتها في 13 يونيو الجاري، حيث ركزت على أربعة أنواع على الأقل من الأهداف في غضون دقائق قليلة، مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى في سلسلة القيادة، دفاعات جوية حول أهم المواقع الاستراتيجية، أجزاء من منشأتين نوويتين رئيسيتين، ومواقع إطلاق صواريخ في غرب إيران تم تحديدها كتهديدات فورية. وبهذه الطريقة تمكنت إسرائيل من تحقيق عنصر المفاجأة.

وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تفاصيل حول دور التقنيات بإشارتها إلى عمليات إسرائيلية تركز على نقل البيانات المشفرة وخوارزميات خاصة بفحص صور الأقمار الصناعية، موضحة أن أحد المديرين التنفيذيين في شركة اتصالات إسرائيلية يعمل في أوروبا تلقى العام الماضي، مكالمة من صديق قديم له في تل أبيب طب منه المساعدة في تصميم هاتف يبدو وكأنه هاتف أندرويد رخيص لكنه قادر على نقل بيانات مشفرة تحاكي حركة المرور على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي الوقت نفسه تقريبًا، تلقى جندي احتياط يعمل في شركة إسرائيلية ناشئة في مجال الصحة اتصالًا من الوحدة 9900، وهي وحدة صغيرة في الجيش الإسرائيلي مهمتها البحث في مجموعات بيانات ضخمة، حول إمكانية تعديل خوارزمية عمل عليها خلال خدمته العسكرية، بحيث يتمكن خادم مخصص من فحص صور الأقمار الصناعية لشاحنات الوقود وفصل تلك التي تحمل البنزين عن تلك التي تحمل وقود الصواريخ.

ولم يُخبَر أيٌّ منهما تحديدًا بكيفية تأثير جهودهما على انطلاقة الهجوم الجوي الإسرائيلي الدقيق في عمق إيران الأسبوع الماضي، حيث تم اغتيال أكثر من اثني عشر مسؤولًا أمنيًا وعالمًا نوويًا في وقت واحد تقريبًا؛ وتدمير منظومات دفاع جوي كاملة قبل أن تتمكن من إطلاق صاروخ اعتراض واحد، وتحديد وتدمير عدد كبير من مواقع إطلاق الصواريخ.

وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى صحيفة “فايننشال تايمز”، تلك النتائج خلاصة عملية واسعة النطاق استمرت لسنوات عديدة اعتمدت على كل الأصول الممكنة التي يمكن للمخابرات الإسرائيلية الاستفادة منها كالأقمار الصناعية التجارية والهواتف المخترقة والعملاء الذين يتم تجنيدهم محليًا، والمستودعات السرية لتجميع الطائرات بدون طيار “الدرونز”، وحتى أنظمة الأسلحة المصغرة المثبتة في السيارات.

في الفترة التي سبقت الهجوم ، حددت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” ما يُسمى بمراكز الثقل للتركيز عليها، مثل مراكز القوة النارية والبرنامج النووي. وقارنت بين آلاف المصادر الاستخباراتية، وبحلول مارس الماضي، بدأت في ملء بنك المعلومات المستهدف.

ولتتبع هذه الأهداف، تمت استشارة فريق فني في الجيش الإسرائيلي في أكتوبر الماضي بشأن كيفية رصده لحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذي اغتالته إسرائيل، حيث حدد نظامهم المتطور، شبه الآلي، موقعه بدقة شبه مؤكدة مرة كل 24 ساعة.

لقد أثار الاختراق الإسرائيلي الذعر في المؤسسة الأمنية الإيرانية، التي تعرضت لإحراجات متكررة من الموساد في الماضي، لذلك كان مقر وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ”8200″ في الضواحي الشمالية لتل أبيب هدفًا متكررًا للصواريخ الباليستية الإيرانية.

واستشعارًا لحجم الخطر والاختراق، نشرت وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري تحذيرات من أن الهواتف المحمولة لا تُستخدم للمراقبة فحسب، بل أيضًا للاغتيال. كما دعا النائب في البرلمان الإيراني حميد رسائي إلى سحب الهواتف المحمولة الخاصة للقادة والمسؤولين الكبار والعلماء النوويين وحتى عائلاتهم.

وفي مقابل هذا الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي لإيران، تُعتبر عمليات الاستخبارات الإيرانية داخل إسرائيل ضئيلةً. فقد اعتُقل عددٌ من الإسرائيليين وحوكموا بتهمة جمع معلومات لصالح طهران، في حين يبدو أن قراصنة إيرانيين اخترقوا الهاتف المحمول لأحد أفراد عائلة ديفيد برنياع، رئيس الموساد، في السنوات الأخيرة، وتبنّت إيران مسؤولية الاختراق علنًا.

وبينما اعتقلت فرق مكافحة التجسس الإيرانية عدة أشخاص واتهمتهم بالعمل لصالح إسرائيل، وأعدمت أحدهم مؤخرًا. لكن لم يُكشف عن اعتقال أي إسرائيلي، مما يُشير إلى عمليات تجنيد واسعة النطاق، إما لعملاء محليين – عن غير قصد أو مقابل المال – أو لأشخاص معارضين للنظام في طهران.

وختامًا، يمكن القول بأن الاختراق الاستخباراتي التقني الذي نفذته إسرائيل عبر التفجيرات المتزامنة لأجهزة اتصال “البيجر” و “الوكي توكي” التي كان يحملها عناصر حزب الله في 17 سبتمبر الماضي والضربة التي باغتت بها إيران في 13 يونيو الجاري، يحمل رسائل إنذار واضحة بمدى خطورة سلاح التقنية وفاعليته في التنصت وتوجيه ضربات مدمرة، وضرورة اليقظة والحرص في التعامل مع الجهات العاملة في تلك المجالات الحساسة ذات الصلة بالتقنيات والاتصالات، والاهتمام بالبحث العلمي وإعداد كوادر وطنية في تلك القطاعات الهامة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى