تحليل

قرءاة تحليلية في تصريحات ترامب بشأن إيران

في اليوم السادس من الحرب بين إسرائيل وإيران، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاصفة من التصريحات المتناقضة وربما الخادعة بشأن تلك الحرب، في وقت تسود العالم حالة من الترقب بشأن إمكانية إعلان الولايات المتحدة الانضمام للحرب ضد طهران.

بدأت عاصفة ترامب بتصريح متناقض قال فيه نصًا: “قد أقوم بضرب المنشآت النووية الإيرانية وقد لا أقوم بذلك وكان على إيران التفاوض معنا سابقا”، وواصل التناقضات قائلا: “الأمر بات متأخرًا جدًا لكن لا يزال هناك وقت لوقف الحرب”.

وأكد أن “الأسبوع المقبل سيكون حاسما فيما يتعلق بإيران وربما يحدث ذلك قبل نهاية الأسبوع”، مشيرًا إلى أن “هناك فارقاً كبيراً بين الآن والأسبوع الماضي. لا أحد يعلم ما سأفعله”.

وشدد الرئيس الأمريكي على أن الإيرانيين يواجهون مشكلة حقيقية وقد اقترحوا القدوم إلى البيت الأبيض، مؤكدًا أن إيران تريد إبرام صفقة معنا. وتابع: “تواصل الإيرانيون معنا وقد سئمت هذا الوضع وأريد استسلامها غير المشروط”، واستدرك قائلا إنه يشعر أن “الوقت قد فات للتحدث”، وأنّ صبره مع إيران قد “نفد”.

وحول التطورات الميدانية للحرب، أكد أن إسرائيل سيطرت على أجواء إيران بشكل تام وهي تبلي بلاءً حسنًا، مشيرًا إلى أنه لم يعد لدى إيران أي دفاعات جوية، ولا أعلم إلى متى سيصمدون.

وبذلك، يُمكن القول إن ترامب يُواصل تصريحاته الغامضة والمتناقضة والخادعة أحيانًا مثلما فعل قبل بدء إسرائيل هجومها على إيران بساعات قليلة حين أوهم النظام الإيراني بأن الضربة ليست وشيكة، قائلا: “لا أريد القول إن الضربة الإسرائيلية على إيران وشيكة؛ لكنها تبدو كأمر قد يحدث بالفعل”.

ومن أجل التعرف بشكل أكبر على سمات وتطور خطاب ترامب تجاه إيران خلال حربها مع إسرائيل، تم تحليل منشوراته على منصة “تروث سوشيال” خلال الفترة من 13 إلى 17 يونيو الجاري والتي تناول فيها إيران، حيث بلغ إجماليها (15) منشورًا، وكان يوم (17 يونيو) الأكثر نشرًا بمعدل (8) منشورات، إذ شهد هذا اليوم اجتماعًا للرئيس الأمريكي مع فريقه للأمن القومي، وسبقه اتصال بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تباحثا فيه تطورات الوضع.

  • أبرز سمات الخطاب السياسي لترامب تجاه إيران

الخداع: يُعد من سمات خطاب منشورات ترامب، حيث كتب يوم 13 يونيو على حسابه بالمنصة منشورًا أكد فيه “ما زلنا ملتزمين بالحل الدبلوماسي لقضية إيران النووية! وجهت إدارتي للتفاوض مع إيران. قد يكونون دولة عظيمة، لكن عليهم أولًا التخلي تمامًا عن آمال امتلاك سلاح نووي. شكرًا على انتباهكم لهذا الأمر!”. وفي الوقت الذي تم فيه كتابة هذا المنشور كانت إسرائيل تتأهب لقصف طهران.

ومما يُعزز ترجيح سمة الخداع والتضليل – وليس التناقض – ما كتبه ترامب على حسابه مستخدمًا صيغة الجمع الذي تُوحي بالمشاركة الأمريكية غير المباشرة في الحرب، على عكس ما أكدته إدارته التي نأت بنفسها عن المشاركة الفعلية فيها، حيث قال ترامب “نحن نملك الآن سيطرة كاملة وتامة على الأجواء الإيرانية”، وكتب أيضًا “نحن نعلم جيدًا أين يختبئ ما يسمى “المرشد الأعلى”. هو هدف سهل لكنه آمن هناك، لا نلجأ إلى النيل منه “قتله” على الأقل الآن. لكننا لا نريد أن تُطلق الصواريخ على المدنيين أو الجنود الأمريكيين. بدأ صبرنا ينفذ. شكرًا على انتباهكم واعتنائكم بهذا الأمر”.

 

الطابع التصعيدي: تضمنت منشورات الرئيس الأمريكي التي نشرها يومي (13 و15) يونيو معاني صريحة وضمنية تُشير إلى إنه ما زال في الإمكان إتمام اتفاق، ولكن من الواضح أنه سيكون اتفاقا تحت النار تفقد بموجبه حكومة طهران غالبية مزايا المفاوضات السابقة للحرب، ولكنه سيحفظ بقاء إيران بنظامها الحالي.

وقد تصاعدت لغة خطاب ترامب يوم (17 يونيو) وأصبحت أكثر حدة وقوة، وغلب عليها طابع التهديد والوعيد، وتحوّلت إمكانية عقد اتفاق أو مفاوضات لتُصبح إذعانا واستسلاما غير مشروط، مع تأكيده على أن الصبر بدأ ينفد.

التعالي والزهو: عكست بعض منشورات ترامب تبنيه لغة خطاب متعالية تُبرز القوة الأمريكية وهيمنتها وقدراتها العسكرية، وقد لجأ في بعضٍ منها إلى التقليل من الآخر، ومن أمثلة ذلك قوله: “نحن نعلم جيدًا أين يختبئ ما يُسمى المرشد الأعلى“، وفي مثال آخر وصف ترامب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ “الساعي للدعاية”، وأنه “دائمًا ما يُخطئ”، وكذلك اتهامه لسلفه جو بايدن قائلًا: “أضر بايدن بالآفاق طويلة الأجل ببعض القرارات الغبية”. كما حرص الرئيس الأمريكي على إظهار حكومة طهران ضعيفة عاجزة ولا تملك رفاهية الاختيار في الوقت الحالي.

 

  • الأطروحات المركزية في خطاب منشورات ترامب:

تضمنت منشورات ترامب كثيرا من الأطروحات المركزية التي تعكس النظرة الأمريكية نحو تطورات الوضع في الشرق الأوسط، منها على سبيل المثال وليس الحصر، “إبراز قوة وتفوق إسرائيل عسكريًا”، مقابل “تأطير إيران كطرف خاسر وعاجز ولا يملك في الوقت الحالي سوى الإذعان وتقبل ما يُملى عليه”.

كما شكّل “عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي” طرحًا رئيسيًا في خطاب ترامب، مؤكدًا على أن ذلك سيقضي على النظام الإيراني نفسه، وزاد أن حتى فرص التفاوض قد انتهت، مستغلًا الهزائم العسكرية التي مُنيّت بها، والتي قد يشتد أثرها لو تدخلت الولايات المتحدة على خط المعركة.

وقدّم ترامب كذلك طرحا حول “عظمة أمريكا وقوتها” والذي يستخدمه في حملاته الانتخابية، حيث تعمّد تسليط الضوء على القدرات العسكرية الأمريكية وقدرتها على الردع والحفاظ على أمنها ومصالحها الحيوية حول العالم ضد أي مصدر تهديد محتمل.

ومن الأطروحات الضمنية التي كشف عنها خطاب ترامب أن “الولايات المتحدة تحوّلت من وسيط تفاوضي إلى شريك حرب محتمل” إذا تمادت إيران في سياساتها ورفضها للاستسلام غير المشروط.

 

  • استراتيجيات تقديم الذات:

كشف تحليل خطاب منشورات ترامب عن استخدامه لمجموعة من استراتيجيات تقديم الذات، أبرزها ما يلي:

القائد القوي: الذي يستطيع التحكم في سير الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وتغيير أنظمة الحكم التي لا تتوافق مع السياسات الأمريكية وتُشكل تهديدًا لمصالحها وأمن إسرائيل، فضلًا عن قدرته على الردع وحماية العالم من الخطر الإيراني.

وقد اعتمد في تصدير تلك الصورة على الاستمالات العاطفية المتمثلة في الفخر، وأيضًا التهديد والتخويف كقوله: “استسلام غير مشروط” و “نحن نعلم جيدًا أين يختبئ ما يسمى “المرشد الأعلى”. هو هدف سهل لكنه آمن هناك، لا نلجأ إلى النيل منه “قتله” على الأقل الآن”، وكذلك تأكيده على أنه “إذا تمت مهاجمتنا بأي شكل أو طريقة من إيران، فسترد القوات المسلحة الأمريكية بالقوة الكاملة بمستويات لم تُشاهد من قبل”.

رجل السلام: يسعى الرئيس الأمريكي إلى ترسيخ صورة ذاتية عن نفسه كصانع للسلام في العالم، مستشهدًا بدوره في الاتفاق بين الهند وباكستان، وصربيا وكوسوفو، ومصر وإثيوبيا.

الحكمة: حرص ترامب على تصوير نفسه كقائد حكيم يستطيع نزع فتيل التوترات حول العالم، وحل الأزمات بالطرق السلمية السياسية والدبلوماسية، ومن أمثلة ذلك قوله: “منذ شهرين ماضيين أعطيت إيران مهلة مدتها 60 يومًا لعقد اتفاق. كان يجب عليهم إنجازه! اليوم هو اليوم 61. أخبرتهم ماذا يفعلون، لكنهم لم يستطيعوا القيام به. الآن هم لديهم، ربما، فرصة ثانية!”، وفي سياق آخر قال: “أضر بايدن بالآفاق طويلة الأجل ببعض القرارات الغبية لكني سأعمل على إصلاحها مرة أخرى!”. وفي مثال آخر أشار ترامب إلى أن تدخله في الصراع بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة كان السبب في وجود سلام بينهما الآن.

وتأسيسًا على ذلك.. يُمكن القول إن خطاب ترامب بشأن إيران شهد تحولًا جذريًا قبل العدوان الإسرائيلي على إيران وليس بعده رغم مسارعة الإدارة الأمريكية منذ بدء الهجوم إلى التأكيد على النأي بنفسها عن المشاركة الفعلية فيه.

وفيما يتعلق بالتناقضات في خطاب ترامب، فمن المرجح أنها تناقضات ممنهجة ومتعمدة، تميل إلى الخداع والغموض الذي يدخل في سياق الحرب النفسية والخداع الاستراتيجي في جانب منها، وفي جانب آخر قد تُشير إلى التردد في المشاركة الأمريكية في الحرب، وانتظار هل ستستطيع إسرائيل حسمها منفردة؟ وهو ما سيتوقف على مدى قدرة طهران على الصمود وتطوير الصراع.

وبشكل عام، فقد أكد خطاب ترامب بما لا يدع مجالًا للشك على أنه لن يُسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ليس هذا وحسب، بل وأوضح أيضًا أن خيار التفاوض قد انتهى، وأصبح أمام حكومة طهران خياران لا ثالث لهما، إما الإذعان للشروط والإملاءات الأمريكية الإسرائيلية كاملة، أو التدخل الأمريكي الذي قد يُشكل خطورة على النظام الحاكم نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى