أدى تطور وسائل الاتصال الإلكتروني خلال العقدين الأخيرين وتحديدًا ظهور مواقع التواصل الاجتماعي إلى خلق فضاء جديد للتفاعلات بين مئات الملايين من الأشخاص حول العالم، الذين يقومون بمشاركة أفكارهم وصورهم وحياتهم مع بعضهم البعض في ظل ذلك الفضاء الافتراضي غير المتقيد بالحواجز المادية، ورغم ما يوفره ذلك من مزايا وإيجابيات تتعلق بتسهيل التواصل بين مستخدمي تلك المنصات فإنه جلب في الوقت ذاته تحديات ومخاطر تتصل بالخصوصية، وتعريض المستخدمين للتشويش الفكري والإشاعات، كما سهل أيضًا من طرق ارتكاب بعض الجرائم كنشر المعلومات المضللة والابتزاز، ما ينذر بتحويل مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي إلى ضحية محتملة لجريمة إلكترونية.
ويعتبر المجتمع السعودي واحدًا من أنشط المجتمعات في المنطقة على ساحات التواصل الاجتماعي، إذ بلغ عدد المستخدمين السعوديين لتلك المنصات 27.8 مليون شخص في يناير الماضي، بنسبة زيادة بلغت 8 % عن عام 2020، ويشكل عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة ما نسبته 79.3% من إجمالي السكان، وفقًا لموقع “Hootsuite” المتخصص في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى هذا الأساس تحظى التشريعات المتعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي ومكافحة الجرائم الإلكترونية بمكانة محورية في الحفاظ على سلامة هؤلاء المستخدمين وحمايتهم من المخاطر المحتملة، وذلك بجانب وعي المواطن بأهمية الاستخدام الرشيد والحرص في التعامل مع تلك المواقع.
طبيعة الجريمة الإلكترونية وأنماطها على مواقع التواصل الاجتماعي
يقصد بالجريمة الإلكترونية أنها فعل يتسبب بضرر جسيم للأفراد أو الجماعات والمؤسسات، بهدف ابتزاز الضحية وتشويه سمعتها من أجل تحقيق مكاسب مادية أو خدمة أهداف سياسية باستخدام الحاسوب ووسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت.
وفيما يلي الجرائم الشائعة التي يتم ارتكابها على وسائل التواصل الاجتماعي أو نتيجة لها:
– التهديدات والمطاردات والتنمر عبر الإنترنت: تعتبر من الجرائم الأكثر شيوعًا التي يتم الإبلاغ عنها على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حين أن الكثير من هذه الأنشطة يمر دون عقاب، أو لا يؤخذ على محمل الجد، فإن ضحايا هذه الأنواع من الجرائم لا يعرفون في كثير من الأحيان متى يتصلون بالشرطة، لذلك إذا شعر المستخدم بتهديد ما أو اعتقد أن التهديد موثوق به، فمن الأفضل المسارعة لإبلاغ الشرطة.
– شراء الأشياء المحظورة: ففي حين أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإجراء اتصالات تجارية أو شراء سلع أو خدمات أمر قانوني ومشروع تمامًا، فإن استخدامها لشراء عقاقير محظورة سلوك غير قانوني.
– إنشاء ملف تعريف مزيف لشخص ونشر محتوى مسيء له.
– الصداقة الوهمية على الإنترنت: تطوير صداقات عن بُعد عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام حيل للخداع في تحويل الأموال بذريعة ما مثل الظروف الصحية، أو مواجهة مشاكل قانونية.
نظام مكافحة الجريمة الإلكترونية في السعودية كأداة ردع قانونية
أولت المملكة اهتمامًا كبيرًا بالعمل على مواكبة الأنظمة للتطورات التكنولوجية والوتيرة المتسارعة لحركة المجتمع في العصر الراهن، وجاء في صدارة تلك الجهود التصدي للجريمة الإلكترونية نظرًا لما تشكله من خطر داهم وما يوفره الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي من فرصة للتخفي وارتكاب الجرائم.
وتخضع مواقع التواصل الاجتماعي مثل “تويتر” و”فيسبوك” لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية الصادر بمرسوم ملكي بناء على قرار مجلس الوزراء، والذي يعرف الموقع الإلكتروني في البند التاسع من المادة الأولى بأنه مكان إتاحة البيانات على الشبكة المعلوماتية من خلال عنوان محدد.
ويعتبر نظام مكافحة الجريمة الإلكترونية إحدى الأدوات المهمة في هذا الإطار، حيث يعاقب بموجب المادة السادسة منه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية الآتية:
• إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حُرمة الحياة الخاصة أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي .
• إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره للاتجار في الجنس البشري، أو تسهيل التعامل به.
• إنشاء المواد والبيانات المتعلقة بالشبكات الإباحية، أو أنشطة الميسر المخلة بالآداب العامة أو نشرها أو ترويجها.
• إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره، للاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية، أو ترويجها أو طرق تعاطيها أو تسهيل التعامل بها.
وقد عهد النظام إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وفقًا لاختصاصها تولي تقديم الدعم والمساندة الفنية للجهات الأمنية المختصة خلال مراحل ضبط هذه الجرائم والتحقيق فيها وأثناء المحاكمة.
ويحقق نظام مكافحة الجريمة الإلكترونية قدرًا كبيرًا من حوكمة وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن العقوبة الرادعة تمثل أداة أساسية لضبط استخدام تلك المنصات، وتجعل المستخدمين أكثر حرصًا في تداولهم المعلومات والأخبار بالاعتماد على المصادر الرسمية الموثوقة، وذلك لتلافي الوقوع في فخ التضليل ونشر الأخبار الكاذبة أو المعلومات الخاطئة، والذي قد يضع المستخدم تحت طائلة القانون.
ولم يقتصر اهتمام المملكة بالبُعد التشريعي على المستوى المحلي، بل إنها قامت بالإسهام الفاعل في المساعي الدولية الرامية لإقرار تشريعات دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية، فسلطت الضوء على وجود عقبات تعتري مكافحة استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات للأغراض الإجرامية، حيث إن ضعف تعاون شركات المنصات الرقمية مع السلطات القانونية وسلطات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم أدى بشكل كبير إلى عدم إجراء سياسات وقائية واستباقية لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأغراض الإجرامية.
كما تؤكد المملكة على أهمية تبني مقاربة دولية لرفع مستوى الوعي للمجتمعات فيما يتعلق بالاستخدام الآمن للتكنولوجيا، وإبراز الأساليب التي تستخدمها الجماعات الإجرامية والإرهابية الناشطة على الإنترنت، إضافة إلى العمل الجاد لتطوير الكفاءات والمؤهلات للعاملين في مجال أمن المعلومات من خلال برامج تدريبية مخصصة.
دور وسائل الإعلام في توعية الجمهور بمخاطر الجرائم عبر منصات التواصل
بالإضافة إلى دور التشريعات، يقع على عاتق وسائل الإعلام الإسهام في مكافحة الجرائم الإلكترونية، من خلال انتهاج استراتيجية لتوعية وتثقيف جمهور مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عبر حملات يتم من خلالها عرض الجريمة والأخطاء التي يقع بها الضحية وأسهمت في وقوع الجريمة، على نحو ينقل الرسالة واضحة للمواطن، وتضمن زيادة وعيه بهذه الأسباب لتفادي الوقوع بها مستقبلاً.
وتوجد ثمة مجموعة من الإرشادات يمكنها أن تمنح المستخدمين حماية أكبر من خطر أن يكونوا ضحايا للجرائم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن أبرزها توخي الحذر عند النقر فوق الروابط التي تتلقاها في رسائل أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك الانتقاء في قبول طلبات الصداقة لأنه قد يكون المرسل لص هوية يسعى للحصول على معلومات منك، وأيضًا وجوب محافظة المستخدم على خصوصيته في مواقع التواصل الاجتماعي، كما يجب على أولياء الأمور مراقبة نشاط أطفالهم على مواقع التواصل الاجتماعي والمواد التي يتفاعلون معها وينشرونها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية اتخذت خطوات فاعلة على صعيد مكافحة الجرائم المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، من خلال استخدام الأدوات التشريعية على الصعيد الوطني لتوفير أكبر قدر من الحماية للمستخدمين في ذلك الفضاء الرقمي، كما سعت لحشد الجهود الدولية من أجل وضع إطار تشريعي دولي في هذا المجال المهم، إيمانًا منها بأن طبيعة التحديات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية تتطلب تعاونًا دوليًّا على أعلى مستوى.