ربما شاهدت عناوين رئيسية تربط بين وسائل التواصل الاجتماعي والحزن والاكتئاب، حيث تشير إلى أنه عندما يزداد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تنخفض السعادة، لكن الدراسات الحديثة توضح أن المسألة قد لا تكون بهذه البساطة، فمع أن مشاعر الحسد والاكتئاب لدى الناس ترتبط بفرط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك أدلة تشير إلى أن استخدام المنصات قد لا يكون سببًا لهذه العلاقة.
وفي هذا الإطار نشر موقع “ذا كونفرزيشن” الأسترالي مقالا تحليليًا بعنوان “هل تُشعرك وسائل التواصل الاجتماعي بالحزن؟ الإجابة ليست بهذه البساطة”، لكل من ميليسا همفريز محاضرة أولى في كلية علوم الحاسوب والرياضيات بجامعة أديلايد الأسترالية، ولويس ميتشل أستاذ علوم البيانات بالجامعة ذاتها، نستعرضه على النحو التالي:
- لماذا يستخدم الأشخاص وسائل التواصل الاجتماعي؟
تغطي وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة واسعة من المنصات: الشبكات الاجتماعية، ومنتديات النقاش، وحفظ ومشاركة المحتوى، ونشر الأخبار، وتبادل الوسائط كالصور والفيديوهات، والتدوين المصغر. وتجذب هذه المنصات شريحة واسعة من المستخدمين، من الأفراد من جميع الأعمار إلى الشركات الكبرى.
ويُعدّ التواصل الاجتماعي بالنسبة للبعض وسيلة للتواصل مع أشخاص قد لا نراهم لولاه. ففي الولايات المتحدة، يُقر 39% من الناس بصداقتهم مع أشخاص لا يتفاعلون معهم إلا عبر الإنترنت. ويعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية لكبار السن لتعزيز مشاعر التواصل والرفاهية. لكن من المثير للاهتمام أن دراسة نشرتها مجلة “الحاسبات في السلوك البشري”(دورية علمية مخصصة لدراسة استخدام الحاسبات من منظور نفسي) تشير إلى أن تواصل كبار السن مع عائلاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يُعزز سعادتهم.
في المقابل، يُشير الشباب إلى زيادة سعادتهم عند تواصلهم أكثر مع أفراد عائلاتهم عبر هذه الوسائل. ويجد المراهقون، على وجه الخصوص، أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأنسب لتعميق علاقاتهم وبناء شبكاتهم الاجتماعية.
- هل تزيد وسائل التواصل الاجتماعي من سعادتنا؟
نظرًا لأن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا مهمًا في المجتمع، حاول العديد من الباحثين معرفة: هل تجعلنا أكثر سعادة أم لا؟ وفي محاولة للإجابة اتّبعت الدراسات أساليب متنوعة، منها سؤال الأشخاص مباشرة عبر استطلاعات الرأي، أو مراجعة المحتوى الذي ينشرونه، ومعرفة مدى إيجابيته أو سلبيته.
وأظهرت دراسة استقصائية أُجريت عام 2023 نشرت نتائجها المجلة الدولية للصحة النفسية والإدمان أنه مع ازدياد استخدام الأفراد لوسائل التواصل الاجتماعي، انخفض مستوى الرضا والسعادة لديهم. كما وجدت دراسة أخرى نشرتها مجلة السلوك وتكنولوجيا المعلومات أن قلة الوقت الذي يقضيه الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة الرضا الوظيفي، والمشاركة في العمل، والصحة النفسية الإيجابية، وبالتالي تحسّن الصحة النفسية والدافعية في العمل.
وبينما ترتبط مقارنة الشخص لنفسه بالآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي بمشاعر الحسد والاكتئاب، هناك أدلة تشير إلى أن الاكتئاب هو المؤشر وليس النتيجة لكل من المقارنة الاجتماعية والحسد.
إن الأشخاص الذين يرون أنفسهم يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي بدلًا من أن يكونوا “مُستغلين” من جانبها يميلون إلى الاستفادة منها دون التعرض لأضرارها.
وتشير نتائج دراسة نشرتها مجلة JMIR”” لطب الأطفال والتربية شملت مقابلات مع الشباب (15-24 عامًا) الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن الصحة النفسية الإيجابية بين هذه الفئة العمرية تأثرت بثلاث سمات: التواصل مع الأصدقاء والمجتمع العالمي، والتفاعل مع محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وقيمة منصات التواصل كمنفذ للتعبير.
- كيف يؤثر استخدام الإنترنت بشكل عام على صحتنا النفسية؟
بعض العوامل المرتبطة بتدهور الصحة النفسية لا ترتبط باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، حيث تُظهر دراسة حديثة نشرتها دورية “الاتجاهات الحالية في العلوم النفسية” أن مسار تدهور الصحة النفسية يرتبط، جزئيًا على الأقل، باستخدام الوسائط الرقمية بشكل عام (وليس باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي تحديدًا). وقد يكون هذا بسبب اضطراب النوم، أو انخفاض التفاعل الاجتماعي المباشر أو النشاط البدني، أو المقارنة الاجتماعية، أو التنمر الإلكتروني.
وتجدر الإشارة إلى أن أيا من هذه العوامل لا ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي وحدها. ومع ذلك، من المعروف أن منصات التواصل تعتمد على خوارزميات التوصية التي قد تدفعنا إلى نفس النوع من المحتوى وقد يؤدي هذا إلى رؤية مشوهة للعالم ومكانتنا فيه، لذلك من المهم الحفاظ على نظام معلومات متنوع ومتوازن عبر الإنترنت.
ومن المثير للاهتمام أن التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على حالتنا النفسية. فعلى سبيل المثال يؤثر هطول الأمطار على المحتوى العاطفي لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، سواءً للمستخدم الذي يتعرض للمطر، أو لأجزاء من شبكته الاجتماعية الممتدة (حتى لو لم يتعرض للمطر!). ويشير هذا إلى أن مشاعرنا تتأثر بالعواطف في المنشورات التي نراها.
ومن اللافت للنظر أن المنشورات السعيدة هي الأكثر تأثيرًا، حيث يشجع كل منشور سعيد على ما يقارب تحديثين سعيدين إضافيين من أصدقاء المستخدم. لذا قد لا يكمن سر السعادة على الإنترنت في “حذف حسابك” تمامًا -وهو أمر قد لا يكون فعالًا، كما وجدت دراسة نشرتها مجلة “الطبيعة والسلوك البشري”-، بل في الانتباه لما تستهلكه على الإنترنت. وإذا شعرت أن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تستغلك، فقد حان الوقت لتغييرها قليلًا.