تعتبر ميمات الإنترنت شكلاً من أشكال التعبير الثقافي وانتشر بسرعة عبر الشبكة العنكبوتية، وذلك غالبًا على شكل صور أو مقاطع فيديو أو عبارات أو محتوى رقمي آخر. وقد صاغ عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكينز مصطلح “ميم” عام 1976 لوصف الأفكار التي تتكرر وتتطور داخل المجتمعات.
تنقل الميمات الفكاهة والتعليقات أو الملاحظات الاجتماعية، وعادةً ما تُشارك عبر منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات والمواقع الإلكترونية. وقد أثّرت الميمات بشكل كبير على استراتيجيات التسويق، حيث استغلت الشركات قدرتها على جذب الجماهير بتكلفة زهيدة أو بدون تكلفة. وبينما تُقدم العديد من الميمات أغراضًا خفيفة الظل، إلا أنها قد تتناول أيضًا مواضيع جادة كالسياسة والقضايا الاجتماعية.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة جامعة الملك عبد العزيز للاتصال والدراسات الإعلامية في عددها الصادر في ديسمبر2024 دراسة بعنوان “المشاركة الرقمية لميمات الإنترنت بين الأجيال المختلفة في المملكة العربية السعودية”، من إعداد الدكتورة ميسون أسامة السباعي الأستاذ المشارك في كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبد العزيز، حيث هدفت الدراسة إلى استكشاف طبيعة المشاركة الرقمية لميمات الإنترنت وعلاقتها بالإشباعات المتحققة، التي تشمل الشهرة، والتعبير عن الذات، والترفيه، وتعزيز العلاقات الاجتماعية، لدى المستخدمين من مختلف الأجيال، ونستعرضها على النحو التالي:
- عينة الدراسة
اعتمدت الدراسة على منهج المسح بالعينة بشقيه الوصفي والتحليلي، باستخدام استبانة موجهة إلى عينة مكونة من 400 مفردة، حيث بلغت نسبة الذكور (24.5%) في مقابل (75.5%) للإناث. وحول العمر وفق تصنيفات الأجيال، كان أغلب المبحوثين ممن تتراوح أعمارهم بين 10 و26 عامًا، جيل زد، بنسبة (42.5%)، يليهم من تتراوح أعمارهم بين 42 وأقل من 45 عامًا، جيل إكس، بنسبة (24.08%)، وأخيرًا من تزيد أعمارهم على 58 عامًا، جيل الطفرة، بنسبة (10%). وبالنسبة للمستوى التعليمي، كان أغلب المبحوثين جامعيين بنسبة (71.3%)، ثم حصل الحاصلون على دراسات عليا على نسبة (22.3%)، وأخيرًا الحاصلون على تعليم ثانوي بنسبة (5%).
- نتائج الدراسة
أظهرت النتائج تنوع مجالات ميمات الإنترنت التي تشكل موضع اهتمام المبحوثين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتصدرها المجالات الترفيهية والإلكترونية بنسبة 70.8%، تليها المجالات الأسرية 39.5%، ثم المجالات الصحية 36.8%، وفي المرتبة الرابعة المجالات التعليمية 35%، ثم المجالات الرياضية 26.3%، يليها المجالات المهنية 19.8%، وأخيرًا المجالات الاقتصادية 18%.
أما عن أنواع الميمات التي يتعرض لها المبحوثون، فقد جاء في الصدارة الميمات العربية بنسبة 74.3%، تليها الميمات المحلية (73.3%) ثم الميمات العالمية المكتوبة باللغة العربية ( 63.3%) وأخيرًا الميمات العالمية المكتوبة باللغة الإنجليزية (36%).
أما عن طبيعة المشاركة الرقمية لميمات الإنترنت التي يقوم بها المبحوثون، فقد جاء في المقدمة “أقوم بمشاركة ميمات الإنترنت مع الآخرين بنسبة (74%)، ثم أقوم بمتابعة ميمات الإنترنت (37.6%)
كما أظهرت النتائج تنوع الإشباعات المتحققة من التعرض للميمات المرتبطة بالتعبير عن الذات من وجهة نظر المبحوثين، حيث تتصدرها “المعلومات التي تقدمها ميمات الإنترنت تتلاقى مع مشاعري” مثل الحزن والسعادة بنسبة 76%، ثم “تشعرني ميمات الإنترنت بحرية التعبير” (73.4%)، وأخيرًا “أشعر بأن ميمات الإنترنت لا تعبر عن نفسي” (56%).
وبالنسبة للإشباعات المتحققة من التعرض لميمات الإنترنت والمرتبطة بالترفيه من وجهة نظر المبحوثين، جاء في المقدمة “تشعرني ميمات الإنترنت بالتسلية” بنسبة (83.8%) ثم “تشعرني ميمات الإنترنت بالاستمتاع” (77%)، وأخيرًا “تقوم ميمات الإنترنت بشغل أوقات فراغي (66.2%).
أما عن الأفراد الذين يشارك المبحوثون ميمات الإنترنت معهم، فقد جاء في المقدمة ” الأصدقاء المقربون” بوزن نسبي 75.4%، ثم “الأهل المقربون” 69%، يليهم الأهل والأقارب غير المقربين 49.2%، ثم “مع الجميع” 46.4%، وأخيرًا الزملاء غير المقربين بنسبة 45.6%.
وفيما يتعلق بمحددات نشر الميم، جاء في الصدارة “ملاءمتها للحدث الآني” بوزن نسبي 74.6%، ثم “مناسبة فكرة المحتوى للشخص المرسل إليه” 74%، ثم “مدى ارتباطها بالأمور المشتركة بيني وبين الشخص المرسل إليه” 72.2%، وأخيرًا “أضع في اعتباري العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع” بنسبة (65.6%).
- توصيات الدراسة
قدمت الدراسة سلسلة من التوصيات التي تسهم في تعزيز الأثر الإيجابي لميمات الإنترنت بالسعودية، مع التأكيد على تطوير المحتوى الرقمي بما يعكس القيم الثقافية والاجتماعية، ويعزز من تواصل الأجيال ويشجع الابتكار الرقمي، وتمثلت التوصيات في الآتي:
- تعزيز استثمار ميمات الإنترنت في المجالات الثقافية والتعليمية: تشجيع إنتاج ميمات ذات محتوى تعليمي وتوعوي لتعزيز الاستفادة من هذه الوسيلة كأداة لنشر المعرفة بين الأجيال المختلفة.
- تطوير محتوى ميمات الإنترنت المحلي: دعم إنتاج ميمات تعكس الثقافة المحلية وتتناول القضايا الاجتماعية بأسلوب يجذب مختلف الفئات العمرية، خاصة الشباب لتعزيز الهوية الثقافية الوطنية.
- تحفيز الإبداع والإنتاج الرقمي: إقامة ورش عمل أو مسابقات تستهدف الشباب لتعليمهم تصميم ميمات مبتكرة ومؤثرة، مع التركيز على الجانب الإبداعي والتقني.
- تعزيز الاستخدام المسؤول لميمات الإنترنت: نشر الوعي حول أهمية استخدام الميمات بشكل إيجابي بعيدًا عن التنمر أو الترويج للأخبار المضللة، مع تقديم دليل أخلاقي لاستخدامها.
- استثمار ميمات الإنترنت في الحملات التسويقية والاجتماعية: استخدام الميمات في حملات ترويجية مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا في القضايا الوطنية والوعي الاجتماعي، لتحقيق انتشار واسع وتأثير إيجابي.
- دراسة التغيرات المستقبلية في أنماط استخدام الميمات: إجراء أبحاث مستقبلية تركز على تطور طبيعة المشاركة الرقمية والإشباعات المحققة، مع تحليل دور التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، في تطوير الميمات.
- التكامل بين ميمات الإنترنت والعلاقات الاجتماعية: تعزيز استخدام الميمات كوسيلة لتحفيز النقاشات الاجتماعية البناءة، مما يسهم في تعزيز التفاعل بين الأجيال المختلفة على منصات التواصل الاجتماعي.
- إطلاق مبادرات أكاديمية وبحثية: دعوة الباحثين لإجراء دراسات أعمق حول تأثير ميمات الإنترنت في تشكيل الاتجاهات الثقافية والاجتماعية، وخاصة في السياقات المحلية والإقليمية.
- التركيز على تدريب الأفراد الأكبر سنًا: تنظيم دورات تدريبية للمستخدمين الأكبر سنًا جيل الطفرة وجيل إكس) لتعليمهم الاستفادة من ميمات الإنترنت والتفاعل معها بفاعلية.
- تفعيل دور الجهات الرسمية في تنظيم المحتوى الرقمي: تشجيع الجهات الحكومية والمؤسسات الثقافية على وضع سياسات تدعم إنتاج ميمات هادفة، مع مراقبة المحتوى المسيء أو غير الملائم.