يمثل الإرجاف إحدى أدوات استهداف الشعوب والمجتمعات، ولا تقل خطورته عن الحروب التقليدية والإرهاب، فكلاهما يسعى إلى تقويض أمن المجتمع ماديًا ومعنويًا، وتتنوع الأراجيف وتتعدد أغراض مروجيها ومصدريها وناقليها، قد تكون تستهدف الدول ومؤسساتها أو المسؤولين أو الشباب أو المجتمع بوجه عام.
وقد بلغت ظاهرة الإرجاف مدى واسعًا من الانتشار، وتباينت أشكالها وأهدافها وأساليبها على نحو جعل منها ظاهرة تؤرق المسؤولين في المجتمع فضلًا عن الأفراد، ولا سيما في ضوء التطورات الحاصلة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، ومهارة المرجفين في توظيف هذه التقنيات المتقدمة والاستفادة منها في شن حرب معلوماتية مغلوطة، وتنفيذ مخططات خبيثة، وترويج أجندات مشبوهة.
وتختلف آثار الإرجاف حسب درجة تماسك المجتمع والثقافة والوعي الجماهيري، وفي كل الأحوال من الأهمية بمكان مكافحة تلك الأراجيف والتصدي لها من خلال مقاربة شاملة تستند إلى قوة القانون الرادع وشفافية الحكومات والدور التنويري للإعلام.
- مفهوم الإرجاف
يعتبر الإرجاف الوجه الآخر للكذب، ولا يصدر إلا من صاحب قلب مريض ضعيف الوعي، ويكون الإرجاف ونشر الشائعات من خلال الترويج لخبر مختلق لا أساس له في الواقع، أو لخبر مع تعمد المبالغة والتهويل، أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبر معظمه صحيح والتعليق عليه بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي أو الإقليمي أو العالمي تحقيقا لأهداف خفية، بحسب دراسة نشرتها حولية كلية الآداب بجامعة عين شمس.
وينتشر الإرجاف كالنار في الهشيم لينشر الفتن ويضخم السلبيات ويقلل من الإنجازات ويشيع الإحباط، فمن خلال منصات التواصل الاجتماعي، يتم تداول المحتوى بسرعة بلا رقيب ومع ما يحدث للمعلومة من تحوير وتكبير وتهويل أثناء الانتشار، فإنه يصعب توقع ما ستحدثه بالأبرياء من أذى نفسي ومعنوي.
- الآثار الناتجة عن الإرجاف
ووفقًا لدراسة نشرتها مجلة كلية الدراسات الإسلامية للبنين بأسوان، تتمثل الآثار الناتجة عن نشر الإرجاف في المجتمع في إيقاع الفتن وإثارة القلاقل في المجتمع، وإفساد العلاقة بين مكونات المجتمع، وإشغال المجتمع في البحث والتبين والتأكد، والحوارات والأحاديث الفردية والجماعية مما يضيع معه قيمة الوقت الذي كان من الأولى أن يستغل فيما يحقق الرخاء والتنمية الاقتصادية بدلًا من تضييع الوقت في القيل والقال.
ومن بين التداعيات أيضًا النيل من سيرة الشرفاء وتشويه الأشخاص، وكذلك التأثير الاقتصادي والأمني على المجتمع، حيث تؤدي الأراجيف إلى إحجام المستثمرين عن ضخ أموالهم والاستثمار في ظل أجواء تسيطر عليها حالة من الشك.
كما يؤثر الإرجاف بشكل سلبي على الرأي العام والنفسية المجتمعية، حيث تلعب الشائعة دورًا بارزًا في تكوين الرأي العام، فالأراجيف هي وسيلة من وسائل تدمير النفسية المجتمعية للناس في المجتمع، حيث تشوه كل جميل وتحض على الكراهية، فالشائعة المضللة تتسبب في قتل المعنويات وإثارة القلاقل المجتمعية وإحداث اضطراب في التفكير العام للأفراد. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل الإرجاف على نشر حالة من اليأس العام والتشاؤم المحبط للعزائم، وزعزعة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
- كيفية مكافحة الإرجاف.. السعودية نموذجًا
استعرضت دراسة نشرتها مجلة التربية الصادرة عن جامعة الأزهر، دور الخطط المستدامة في المملكة العربية السعودية لمواجهة الإرجاف والمرجفين، وذلك على النحو التالي:
- التأكيد على موقف الإسلام من الإرجاف والمرجفين: فقد سعت الحكومة إلى تطبيق موقف الإسلام من الإرجاف والمتمثل في تحريم الافتراء والحديث بما ليس مؤكدًا، وتحريم الحديث بالخبر الكاذب واعتبار المتحدث به كاذبًا، والدعوة إلى كتمان الشائعة حين يسمعها المسلم، وكذلك عدم التحدث في غير التخصص مع مراجعة أهل العلم، والتعظيم من خطورة إشاعة الفواحش والأراجيف.
- تطبيق تشريعات رادعة في مواجهة الإرجاف: قامت الدولة بسن التشريعات والقوانين لمكافحة الإرجاف والمرجفين ومنها المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية والتي نصت على أن “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخص يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية الآتية:
- إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.
- إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره، للاتجار في الجنس البشري، أو تسهيل التعامل به.
- إنشاء المواد والبيانات المتعلقة بالشبكات الإباحية، أو أنشطة الميسر المخلة بالآداب العامة أو نشرها أو ترويجها.
- إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره، للاتجار بالمخدرات، أو المؤثرات العقلية، أو ترويجها، أو طرق تعاطيها، أو تسهيل التعامل بها.
- عقد ندوات لبناء الوعي وتحصين المجتمع: تنظيم العديد من الندوات في مختلف مناطق المملكة تتناول الإرجاف وآثاره على المجتمع بمشاركة خبراء في مختلف المجالات الشرعية والاجتماعية والأمنية.
- تكامل الأدوار ما بين أجهزة ومؤسسات الدولة في مواجهة الإرجاف، حيث يأتي هنا دور توعوي لوسائل الإعلام ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد وهيئة كبار العلماء بتوضيح خطورة هذه الظاهرة، وكذلك الدور الأمني لجهاز رئاسة أمن الدولة في المملكة.
- رصد كل ما يخل بأمن وأمان المجتمع عبر منصات التواصل الاجتماعي من أجل تتبع المرجفين ومروجي الشائعات لاتخاذ الإجراء القانوني، وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون الجرائم المعلوماتية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تحصين المجتمع فكريا وتوعية وتثقيف أفراده هو اللبنة الأساسية التي يُبنى عليها كل جهد فاعل في التصدي للإرجاف والحفاظ على استقرار المجتمع وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.