ترجمات

ماذا تعني حرائق لوس أنجلوس بالنسبة لقضية تغير المناخ؟

لا تزال فرق الإطفاء منذ أكثر من أسبوع تكافح لإخماد حرائق الغابات في جميع أنحاء لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، والتي تشكل جرس إنذار لخطر أكبر يحدق بالعالم يتعلق بقضية تغير المناخ الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من قبل الاقتصادات الكبرى، وهي قضية تتعاظم خطورتها دون بذل الجهد الكافي للتصدي لها.

وفي هذا الإطار، نشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي مقالًا لفارون سيفارام الباحث بالمجلس والمتخصص في مجال الطاقة والمناخ، أشار فيه إلى أن حرائق الغابات في كاليفورنيا تقدم مثالًا ملموسًا لكيفية تطبيق ما سماه بنهج “الواقعية المناخية” لفهم التهديد الذي يشكله تغير المناخ على المصالح الأمريكية وتبني موقف عملي يستجيب لهذا التهديد، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:

  • المستويات الخطيرة لتغير المناخ أمر لا مفر منه

تبدأ الواقعية المناخية بالاعتراف بالواقع الصعب المتمثل في أن العالم من المؤكد تقريبًا أنه سيفشل في تحقيق أهداف المناخ مثل الحد من الاحتباس الحراري العالمي فوق مستويات ما قبل الصناعة إلى درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن الحالي أو تحقيق صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول منتصف القرن. لذلك يجب على الولايات المتحدة الاستعداد للنتيجة الأكثر ترجيحًا، والتي تشمل حاليًا ارتفاعًا في متوسط ​​درجات الحرارة يتجاوز 3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، حيث ستستمر شدة حرائق الغابات بالولايات المتحدة في الارتفاع نتيجة لتغير المناخ جنبًا إلى جنب مع التأثيرات الأخرى من جفاف وموجات حر وأعاصير شديدة.

وقد أصبحت لوس أنجلوس، اليوم بالفعل، أكثر دفئًا بنحو 3 درجات مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة – ضعف متوسط ​​الاحتباس الحراري العالمي (1.5  درجة مئوية) – مما يزيد من خطر الظروف الحارة والجافة التي تؤدي إلى حرائق الغابات.

وبحلول منتصف القرن، يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة شدة حرائق الغابات في كاليفورنيا بنسبة تزيد على 7% وبحلول عام 2100، يمكن أن يتضاعف هذا الرقم بشكل كبير.

  • التكيف مع تغير المناخ هو الخيار السياسي الأفضل

تعتبر الطريقة الأكثر وضوحًا والأكثر قابلية للتنفيذ لتقليل مخاطر حرائق الغابات في كاليفورنيا في المستقبل ليست خفض انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة، التي تشكل جزءًا صغيرًا ومتضائلًا من الانبعاثات العالمية المستقبلية خلال القرن الحالي، ولكن هناك إجراءات عملية يمكن للحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية اتخاذها للحد من الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن حرائق الغابات، أبرزها تشديد قوانين ولوائح البناء، فمع تفاقم تغير المناخ لشدة الكوارث الطبيعية من حرائق الغابات إلى العواصف، يمكن أن تحد اللوائح الأكثر صرامة للبنية التحتية في المناطق المعرضة للخطر من الأضرار الاقتصادية والخسائر.

  • المخاطر الأمنية لتغير المناخ أعظم من قضايا السياسة الخارجية الأخرى

تنشغل السياسة الخارجية الأمريكية بالصراعات في الشرق الأوسط، والحرب الروسية الأوكرانية والتوترات بين الصين وتايوان. ويبدو أن كل شيء يركز عليه مسؤولو السياسة الخارجية الأمريكية تقريبًا -من مكافحة الإرهاب مرورًا بإدارة الصراعات الإقليمية وصولًا إلى تنويع سلسلة التوريد ــ يهم مصالح واشنطن بدرجة أقل كثيرًا من الأضرار المؤكدة التي قد يلحقها تغير المناخ العالمي بالولايات المتحدة.

من المرجح أن تكون حرائق الغابات في منطقة باسيفيك باليساديس في لوس أنجلوس – التي تجاوزت أضرارها الأولية 50 مليار دولار(أحدث التقديرات تشير إلى 150  مليارا) -هو الحريق الأكثر تكلفة في التاريخ، ولكن من المؤكد أن الكوارث المستقبلية التي تعزى إلى تغير المناخ سوف تتجاوزها في التكلفة.

  • ضرورة تخصيص ميزانية للتأثيرات المناخية المميتة

مع تصاعد تكاليف تغير المناخ، فإن قدرة الولايات المتحدة على حماية مواطنيها، وإعادة بناء البنية الأساسية والاستثمار في تدابير التكيف والمرونة سوف تعتمد على الحيز المالي المتاح للحكومة الأمريكية في العقود القادمة. وتبلغ التكاليف السنوية للتعافي من الكوارث وتعزيز البنية الأساسية حاليا عشرات المليارات من الدولارات وقد تقترب من تريليون دولار في العقود القادمة، لذلك فإن أحد أكثر الجوانب المثيرة للقلق في الإسراف المالي الأمريكي وارتفاع عجز الموازنة الأمريكية وتكاليف خدمة الدين هو فقدان الحيز المالي المستقبلي للتكيف والتعافي من تأثيرات المناخ.

ولن يترك الفشل في ترتيب الأوضاع المالية على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات وكذلك المحليات عبئًا ضريبيًا للأجيال القادمة فحسب، بل إنه يعرض المجتمع الأمريكي للخطر أيضًا في عالم يواجه التأثيرات الوحشية للاحتباس الحراري بما يتجاوز 3 درجات مئوية بحلول نهاية القرن.

  • آمال في تمكن القيادة الأمريكية من تجنب التأثيرات الأكثر كارثية لتغير المناخ

على الرغم من أن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية أو أكثر هو النتيجة الأكثر ترجيحًا في هذا القرن، فإن تجنب تغير المناخ بشكل أكثر كارثية يجب أن يظل أولوية مهمة للولايات المتحدة، لأن الفشل في القيام بذلك يعرض استمرار وجود المدن والمجتمعات الأمريكية الكبرى كما نعرفها في القرن المقبل للخطر.

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع إحداث فرق كبير في تغير المناخ العالمي من خلال خفض انبعاثاتها، لكن قد تكون قادرة على ثني منحنى الانبعاثات العالمية بشكل هادف من خلال تطوير تقنيات إزالة الكربون المبتكرة التي يمكن لبقية العالم استخدامها، ومشاركة الدروس المستفادة من السياسات المتعلقة بكيفية خفض الانبعاثات بأسعار معقولة، وتسخير قوتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية الكاملة للسياسة الخارجية لإرغام وتحفيز الدول الأخرى.

وحتى إذا فشلت الجهود الرامية إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية، فقد تحقق الولايات المتحدة المزيد من التقدم من خلال الجهود الأحادية أو الصغيرة في الهندسة الجيولوجية، مثل عكس الإشعاع الشمسي أو زيادة عزل ثاني أكسيد الكربون في المحيطات.

وختامًا، إن حرائق الغابات في جنوب كاليفورنيا تذكرنا بشكل مأساوي بأن تفاقم تغير المناخ من شأنه أن يجلب المزيد من البؤس للمجتمعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأن واشنطن لا تستطيع بسهولة تغيير مسار تغير المناخ العالمي. ومع ذلك، من خلال التركيز بشكل عملي على التكيف ورفع مستوى الحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري العالمي كأولوية قصوى للسياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة، قد تتمكن الأخيرة من تجنب النتائج الأكثر كارثية.

زر الذهاب إلى الأعلى