استعراض دراسات

دور تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي ChatGPT في تجديد الصحافة

شهدت الصحافة كأحد القطاعات الرئيسية للإعلام تطورات هائلة خلال العامين الماضيين مع ظهور تقنية “شات جي بي تي- ChatGPT” وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية الأخرى التي طورتها شركة “أوبن إيه آي” الأمريكية مما يمهد لعصر جديد يحتمل أن يغير محتوى الصحافة والإعلام.

وفي حين اعتبر البعض أن دمج “شات جي بي تي” في الصحافة عامل مهم يوفر فرصًا لزيادة كفاءة الإنتاج واستحداث أنواع جديدة من المحتوى شبه الآلي، ومع ذلك، فإن استخدام “شات جي بي تي” في الصحافة أثار أيضًا مخاوف تتعلق بالدقة، وفقدان الوظائف، وتراجع التفكير النقدي والإبداعي، وانتشار المعلومات المضللة.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث الإعلامية دراسة في عددها الصادر في يناير2025  بعنوان “دور تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي ChatGPT في تجديد الصحافة: مراجعة منهجية”، من إعداد الدكتور وليد العشري، أستاذ الصحافة المساعد بكلية التربية النوعية في جامعة طنطا، حيث قدمت الدراسة مراجعة منهجية للأدبيات الأكاديمية حول دور “شات جي بي تي” في تجديد الصحافة، حيث تمت مراجعة 47 بحثًا (6 دراسات باللغة العربية و41 دراسة باللغة الإنجليزية) نُشر ذلك بين عامي 2023 و2024 من خلال البحث في قاعدة بيانات “Google Scholar” واستندت الدراسة في بنائها النظري إلى نظرية التشكل العضوي لوسائل الإعلام.

  • التحديات الأخلاقية والمهنية

يؤدي دمج تقنية “شات جي بي تي” في الصحافة إلى ظهور العديد من التحديات الأخلاقية والمهنية، كما أشارت الدراسات والتحليلات في هذا المجال، حيث تتمثل التحديات المهنية فيما يلي:

  • عرقلة الشمولية في المؤسسات الإخبارية: يمكن أن يؤدي استخدام شات جي بي تي إلى عرقلة الشمولية داخل المؤسسات الإخبارية إذا لم تتم إدارته بشكل صحيح. قد يتم إغفال التنوع والشمولية، وهما عنصران أساسيان للحفاظ على المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الإعلامية. ويتطلب التغلب على هذا التحدي جهودًا متعمدة لتحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي وأهداف الشمولية.
  • التأثير على الأجندة التحريرية: قد تؤدي أتمتة إنشاء المحتوى إلى تحيز الأجندات التحريرية نحو أنواع محددة من المحتوى. على سبيل المثال، قد يتم التركيز على المحتوى الترفيهي على حساب الصحافة الجادة، مما يؤدي إلى تقليل التنوع في المعلومات المقدمة للجمهور وإهمال الصحافة الاستقصائية.
  • مصداقية الأخبار: تُعد المصداقية عنصرًا حيويًا في الصحافة، لكن الطبيعة التوليدية لـ “شات جي بي تي” قد تجعل من الصعب التمييز بين الحقائق المؤكدة والمعلومات المزيفة. ويمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على التقنية إلى نشر الأخبار الكاذبة أو غير الدقيقة، مما يقوض الثقة العامة في الصحافة.
  • التحيز والتمييز: قد يُنتج “شات جي بي تي” مخرجات متحيزة أو تمييزية بسبب التحيزات الموجودة في بيانات التدريب، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تقارير غير متوازنة أو تهميش وجهات نظر بديلة، مما يتعارض مع مبادئ الصحافة الموضوعية.
  • الدقة وجودة المحتوى: يُعتبر ضمان دقة المحتوى المولّد بواسطة “شات جي بي تي” أمرًا ضروريًا. وقد أشارت الدراسات إلى وجود قصور في الالتزام بالمعايير الصحفية، مثل صحة المعلومات ودقة الصياغة. لذلك، يجب أن تكون هناك رقابة دقيقة من المحررين للحفاظ على جودة ومصداقية المحتوى.
  • غياب التفكير النقدي والإبداع: تعتمد الصحافة على التفكير النقدي والتعاطف والإبداع، وهي سمات فريدة لدى الصحفيين. ورغم أن “شات جي بي تي” يمكن أن يساهم في إنتاج المحتوى، فإنه لا يستطيع الإبداع أو القدرة على السرد العميق، مما يحد من قدرته على تقديم رؤى جديدة أو معالجة القضايا المعقدة بشكل مبتكر.
  • المعلومات المضللة والخاطئة: تُعد القدرة على توليد ونشر المعلومات المضللة والخاطئة أحد أكبر التحديات المرتبطة بـ شات جي بي تي. وقد يقع الصحفيون أنفسهم ضحية لمحتوى مزيف تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، في حين يمكن للجهات السيئة استغلال التقنية كسلاح لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

أما عن التحديات الأخلاقية فيمكن استعراضها على النحو التالي:

  • حقوق الملكية الفكرية والانتحال: يساهم “شات جي بي تي” في توليد الأفكار وحتى المحتوى المكتوب، مما يثير العديد من التساؤلات حول ملكية البيانات والتداعيات الأخلاقية لاستخدامها دون إذن.

وأظهرت نتائج إحدى الدراسات أن “شات جي بي تي” يساعد الصحفيين على كتابة الأخبار بسرعة وكفاءة، مما يسهل عليهم إنتاج أعمال قد لا تكون من إنتاجهم الخاص، مما يهدد أصالة المحتوى ويزيد من احتمالية نشر المعلومات المضللة وسرقة الملكية الفكرية.

  • المسؤولية والمحاسبة: يُثير استخدام “شات جي بي تي” في الصحافة تساؤلات أخلاقية حول إنشاء المحتوى ومسؤولية الشركات الإعلامية والمؤسسات الصحفية في ضمان الدقة والالتزام بالمعايير الأخلاقية، لذلك يجب أن تقع المسؤولية الأخلاقية على الجهات المعنية بتصميم وتصنيع الذكاء الاصطناعي سواء كانوا من مطوري الذكاء الاصطناعي، أو الصحفيين الذين يستخدمون هذه الأدوات، أو المؤسسات الإخبارية نفسها.
  • سوء الاستخدام: لدى “شات جي بي تي” القدرة على نشر المعلومات المضللة والتلاعب بالرأي العام. ومن أبرز المخاوف التي يثيرها خطر انتحال الهوية وسرقة الهوية، خصوصًا في ظل نقص الإشراف البشري.
  • الشفافية: لا شك أن نقص الشفافية يؤثر على ثقة المستخدم في “شات جي بي تي” وقدرته على اتخاذ قرارات مستنيرة حول كيفية استخدام التطبيق. كما أن “شات جي بي تي” يقدم إجابات عشوائية أي إجابات مختلفة قليلاً لنفس السؤال عند طرح استفسارات مختلفة.
  • انتهاك خصوصية المستخدم: يمثل التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي سيفًا ذا حدين، حيث يوفر فوائد للمستخدم من جهة، ولكنه يشكل مخاطر على تنوع وتوازن المعلومات من جهة أخرى.
  • النتائج العامة للدراسة

توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • تكنولوجيا “شات جي بي تي” جانب من التقدم التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي أدى إلى تعزيز المعايير الأساسية لمهنة الصحافة بدلًا من تقويضها. كما أنها تمثل قيمة مضافة للصحافة، فلتلك التكنولوجيا القدرة على إحداث تأثير واسع وعميق على كيفية صنع الصحافة واستهلاكها.
  • تأثير تكنولوجيا “شات جي بي تي” على مسارات التوظيف ومستقبل الصحفيين لا يزال غير مؤكد، لكنها تعتبر أداة لا تقدر بثمن في مساعدة الصحفيين على تلبية متطلبات العصر الرقمي.
  • تكنولوجيا “شات جي بي تي” تحمل في طياتها مخاطر العديد من التحديات الأخلاقية والمهنية التي تحيط بالمشهد الصحفي ولا يمكن تجاهلها – خاصة في ظل الرقابة المحدودة.
  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة 3 توصيات تمثلت فيما يلي:

  • تطوير برامج تدريبية على المستوى المهني والأكاديمي لمعرفة كيفية تعظيم الاستفادة من تقنية “شات جي بي تي” في العمل الصحفي.
  • وضع مبادئ توجيهية من أجل ضمان الاستخدام المسؤول لتقنية “شات جي بي تي” في الصحافة بهدف تجنب التحديات المهنية والأخلاقية التي تواجهها.
  • إجراء دراسات طويلة الأمد لفحص وتقييم دور تقنية “شات جي بي تي” في الممارسات الصحفية المختلفة.

وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول، بأن مستقبل الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب الدمج المسؤول للتقنيات في مجال الصحافة من أجل الحفاظ على المعايير المهنية والأخلاقية.

زر الذهاب إلى الأعلى