استعراض دراسات

اتجاهات النخب نحو مستقبل الدبلوماسية الثقافية السعودية في ظل رؤية 2030

تعد الدبلوماسية الثقافية نوعا من الدبلوماسية العامة التي تستخدم التبادل الثقافي لبناء التفاهم والعلاقات الإيجابية بين الأمم، فهي تتضمن مشاركة جوانب ثقافة بلد ما، كالفن والموسيقى واللغة والتقاليد مع الدول الأخرى لتعزيز الاحترام المتبادل والتعاون. وعلى عكس الدبلوماسية التقليدية التي تركز على المفاوضات السياسية والاقتصادية، فإن الدبلوماسية الثقافية تركز على القوة الناعمة والتواصل بين الشعوب.

وقد سعت المملكة العربية السعودية من خلال رؤية  2030إلى تعزيز مكانة المملكة ثقافيًا على المستوى العالمي عبر برامج وفعاليات ثقافية موجهة للمجتمع الدولي.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العربية لبحوث الإعلام والاتصال دراسة بعنوان “اتجاهات النخب نحو مستقبل الدبلوماسية الثقافية للمملكة العربية السعودية في ظل رؤية 2030: دراسة استشرافية” في عددها الصادر في أبريل / يوليو 2025، من إعداد الدكتورة إسراء عبد العزيز الزايد، الأستاذ المساعد بقسم العلاقات العامة في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث نستعرض أبرز ما جاء في تلك الدراسة على النحو التالي:

  • عينة الدراسة

تكونت عينة الدراسة من النخب السعودية والعربية بلغت 36 خبيرا من النخب الإعلامية والثقافية، حيث سعت إلى الكشف عن الجهود الاتصالية للدبلوماسية الثقافية السعودية من وجهة نظر عينة الدراسة، وكذلك الكشف عن توقعات هؤلاء الخبراء نحو دور الدبلوماسية الثقافية وتعزيز مكانة المملكة دوليًا مستقبلًا، وتحديد المسارات المستقبلية للدبلوماسية الثقافية للمملكة.

  • نتائج الدراسة

خلصت الدراسة إلى أن عامل استضافة الفعاليات الدولية أكثر عامل مؤثر في الجهود الاتصالية للدبلوماسية الثقافية السعودية بنسبة 22.5%، وقد نشطت المملكة مؤخرًا في نوعية الاستضافات الدولية بكافة المجالات الثقافية والفنية والرياضية والمجالات التي استطاعت من خلالها نقل الثقافة السعودية كمشترك إنساني وثقافي بينها وبين جماهير الدول الأخرى.

وأظهرت نتائج الدراسة أن ثاني عامل مؤثر في الجهود الاتصالية للدبلوماسية الثقافية السعودية هو الاهتمام الحكومي الواضح بتلك البرامج بنسبة بلغت 21.1 %، وذلك من خلال الدعم الموجه لتنفيذها، وتوفير ميزانية ممتازة لها، وتقديم كافة التسهيلات المادية وغير المادية، وتهيئة البنى التحتية لها.

كما اختار الخبراء عينة الدراسة إنتاج الأفلام السعودية كأحد العوامل المهمة والمؤثرة في الجهود الاتصالية للدبلوماسية الثقافية السعودية بنسبة بلغت 14.7%، ونشط ذلك مؤخرًا بشكل ملحوظ في عمليات إنتاج المحتوى السينمائي بكافة مراحله بدءًا من كتابة السيناريو والتمثيل والإخراج وانتهاء بالإنتاج الفني السعودي، ولعل التجربة السابقة لبعض الدول في نقل ثقافاتها وقربها من الجماهير المختلفة عبر الأعمال الفنية خير تجربة لنجاح قطاع الأفلام في نقل صورة حية لثقافة الدول، ولعل إنتاج الأفلام السعودية عبر تطوره الأخير يستطيع تحقيق تلك المقاربة عبر اقترابه من الشعوب الأخرى من خلال نقل ثقافته عبر الأعمال السينمائية التي تشهد تطورًا في الإنتاج.

وفي المرتبة الثالثة جاء “حفظ التراث الثقافي السعودي في القطاعات المختلفة ونشره عالميًا” بنسبة 11.2% ثم “إطلاق المبادرات التي تعزز الثقافة السعودية” بنسبة 9.1%، يليها “المعارض الفنية السعودية” بنسبة 8.4 %، وفي المرتبة السادسة جاء “التركيز على برامج الابتعاث الثقافي والتدريب المهني” بنسبة 7.04%، وأخيرًا “تعزيز مبادرات التبادل الثقافي الدولي” بنسبة 5.6%.

وبحسب نتائج الدراسة، يتجه الخبراء نحو توقع استمرار العوامل السابقة في مسار الجهود الاتصالية للدبلوماسية الثقافية السعودية، خاصة وأن المملكة تسير نحو مزيد من الاستضافات، وتقديم المزيد من الدعم لتلك البرامج.

كما يتوقع غالبية الخبراء عينة الدراسة أن تشهد الجهود الاتصالية للدبلوماسية الثقافية السعودية تطورًا مستقبليًا عن الفترة الحالية، وذلك بناء على جميع المؤشرات التي تدل على اهتمام المملكة بتعزيز مكانتها الثقافية والتاريخية دوليًا عبر الأنشطة والمبادرات التي تقدمها في هذا المجال، وحجم الشراكات الثقافية والدولية بهذا الجانب، وسعيها الحثيث لاستثمار كافة الإمكانات الثقافية وترويجها دوليًا في قطاعات مختلفة.

ورأى الخبراء عينة الدراسة أن هناك وجودا رقميا متميزا لبرامج الدبلوماسية الثقافية في المنصات الرقمية المختلفة، وأكد الخبراء أن القطاعات الثقافية السعودية بالمنصات الاجتماعية تتميز بعدة جوانب إيجابية، الأمر الذي يعزز من الوصول إلى جمهور واسع ويتيح التفاعل المباشر مع الجمهور.

كما أوضح الخبراء أن القطاعات السعودية الحكومية تقدم محتوى متنوعا يشمل الفيديوهات التفاعلية، المقالات، الصور، والبودكاست، مما يجعل المحتوى أكثر جاذبية ويسهم في تعزيز الوعي الثقافي والتراثي لدى الجماهير المحلية والعالمية.

ورأى الخبراء أن حسابات القطاعات الثقافية المختلفة بالمملكة تقدم محتوى يشجع على التفاعل مع الجمهور من خلال تنظيم مسابقات ثقافية واستطلاعات للرأي وجلسات حوارية مباشرة مع شخصيات ثقافية بارزة مما يعزز التواصل مع الجمهور المستهدف.

وفيما يتعلق بتقييم الجانب الاتصالي للمنصات الرقمية لبرامج الدبلوماسية الثقافية السعودية، جاء في المرتبة الأولى الوجود الرقمي القوي لبرامج الدبلوماسية الثقافية السعودية عبر الحضور الفاعل والكثيف لكافة الأنشطة المقامة وتغطيتها كما يجب في المنصات الرقمية المختلفة.

وجاء في المرتبة التي تليها وجود محتوى متنوع وجذاب لتلك البرامج، وفي المرتبة الأخيرة التفاعل الجماهيري عبر منصات التواصل الاجتماعي مع البرامج المقدمة.

واتضح من خلال نتائج الدراسة، اعتماد برامج الدبلوماسية الثقافية السعودية على نموذج المترجم الثقافي من خلال الحرص على ترجمة ونقل الثقافة السعودية للجماهير العالمية، حيث تم استثمار جميع مقومات الثقافة السعودية، وترجمتها واعتمادها كمكون أساسي للبرامج المقدمة في القطاعات الثقافية المختلفة، وترويج التراث السعودي في مجالات متعددة مثل الأزياء والطهي، وغير ذلك، وفي صناعة محتوى البرامج الثقافية المتنوعة التي تم طرحها.

وتجدر الإشارة إلى أن الترجمة المعنية للدبلوماسية الثقافية للدول ليست ترجمة لغوية فحسب، بل ترجمة للثقافة المحلية بكل فنونها وأشكالها إلى الجماهير الخارجية، فهي تحمل خصائص فريدة مثيرة للاهتمام لدى الثقافات الأخرى لها انعكاساتها الإيجابية على كثير من المناحي، مثل ترويج السياحة، وتنشيط الاقتصاد المحلي وتعزيز السمعة الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى