تقارير

آفاق مستقبلية واعدة للاقتصاد السعودي

أظهر اقتصاد المملكة العربية السعودية مرونة قوية في مواجهة الصدمات الخارجية، مع توسع الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، واحتواء التضخم، ووصول البطالة إلى مستويات منخفضة قياسية، على الرغم من حالة عدم اليقين العالمية المتزايدة حاليًا. وقد جاءت تلك المؤشرات لتمثل تتويجًا لجهود القيادة الرشيدة، حفظها الله، والرؤية الرائدة “رؤية السعودية 2030 ” التي تمضي بخطى واثقة نحو تحقيق مستهدفاتها بمعدلات تسبق المدد الزمنية المخطط لها، حيث تواصل المملكة بنجاح مسيرة الإصلاحات الهيكلية الضرورية للحفاظ على النمو غير النفطي ودفع عجلة التنويع الاقتصادي، بغض النظر عن تطورات أسعار النفط في السوق العالمية.

وفي هذا الإطار، أكد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في ختام مشاورات المادة الرابعة مع المملكة أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي للسعودية نما بنسبة 4.5%، مدفوعًا بقطاعات التجزئة والضيافة والبناء، بينما أدت تخفيضات تحالف “أوبك+” لإنتاج النفط عند 9 ملايين برميل يوميًا، إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 4.4%، وتراجع النمو الكلي إلى 2%، بحسب بيان صادر عن الصندوق.

وظل التضخم تحت السيطرة، مع استمرار تباطؤ زيادات إيجارات المساكن.  كما بلغ معدل البطالة بين السعوديين أدنى مستوى له على الإطلاق، مع انخفاض معدلات البطالة بين الشباب والإناث إلى النصف على مدى أربع سنوات.

   توقعات إيجابية من صندوق النقد الدولي

قدم صندوق النقد الدولي، الذي يعد أهم مؤسسة مالية دولية، توقعات إيجابية بشأن اقتصاد المملكة، حيث أشار إلى أن الطلب المحلي القوي بما في ذلك المشاريع الحكومية سيواصل الحفاظ على نمو القطاع غير النفطي إلى مستوى أعلى من 3.5% على المدى المتوسط. ويعكس هذا التنفيذ المستمر لمشاريع رؤية 2030 واستضافة المملكة لأحداث دولية كبرى.

وبشكل عام، من المتوقع أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.9% بحلول عام 2026، مدعومًا باستمرار الإلغاء التدريجي لتخفيضات إنتاج “أوبك+”.

ومن شأن زيادة إنتاج النفط أو الاستثمارات الإضافية المرتبطة بمبادرات رؤية 2030 أن تدعم النمو، وقد ترتفع أسعار النفط إذا تعزز التعافي العالمي أو في حال حدوث اضطرابات في إمدادات النفط العالمية. ومن المتوقع أن يظل التضخم تحت السيطرة.

وقد أشاد المديرون التنفيذيون للصندوق بالأداء الاقتصادي القوي للسعودية على الرغم من تزايد حالة عدم اليقين العالمي والصدمات الخارجية، مشيرين إلى أن هذا الأداء تدعمه الإصلاحات الجارية في إطار رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد السعودي. فعلى الرغم من حالة عدم اليقين العالية لا تزال التوقعات إيجابية مدعومة بسياسات اقتصادية كلية مناسبة، واحتياطات مالية قوية، وزخم إصلاحي قوي.

وأشاد المديرون بالإصلاحات الهيكلية الرائعة منذ عام 2016، وشددوا على أهمية الحفاظ على زخم الإصلاح بغض النظر عن تطورات أسعار النفط. ورحبوا بشكل خاص بالتحسينات في البيئة التنظيمية وبيئة الأعمال، ورأس المال البشري، ومشاركة المرأة في سوق العمل، والحوكمة.

   استراتيجية المملكة في المجال الاقتصادي

ووفقًا لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تبرز المملكة كلاعب محوري فيما يمكن وصفه بعملية توازن دبلوماسي واقتصادي دقيقة، حيث تتمحور استراتيجية المملكة حول ثلاثة محاور وهي: تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وترسيخ مكانتها كجسر بين القوى العالمية المتنافسة، والحفاظ على دورها كمورد أساسي للطاقة.

وقد تمثل جوهر هذا التحول في رؤية 2030، وهي الخطة الطموحة التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، لتنويع الاقتصادي، إذ تُشكل الأنشطة غير النفطية الآن 52% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، مما يُمثل تحولًا تاريخيًا في اقتصاد يهيمن عليه تقليديًا عائدات الهيدروكربونات. ومع توقعات بنمو قدره 6.2% في القطاعات غير النفطية بحلول عام 2026، تُثبت المملكة أن تنويع اقتصادها ليس مجرد طموح، بل أصبح واقعًا ملموسًا.

بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على تعزيز تنمية القطاع الخاص، مع التركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة، بجانب اتخاذ تدابير متنوعة لدعم القطاع الخاص فعلى سبيل المثال تم إنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي لتمويل المشاريع الصناعية. وتُعد هذه المبادرات محورية في دفع عجلة التنويع الاقتصادي وضمان النمو المستدام.

   الاقتصاد الرقمي والابتكار التكنولوجي

ترسخ المملكة عبر خطوات مؤسسية للاقتصاد الرقمي، ودعم الابتكار التكنولوجي بالتوازي مع استراتيجية خضراء، حيث يعمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي على تعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للتكنولوجيا من خلال الاستثمار بكثافة في البنية التحتية الرقمية والتقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي.

ويتبع الصندوق استراتيجية لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط وتحفيز نمو القطاع الخاص، فمحليًا، تركز أكثر من 60% من استثمارات الصندوق على مشاريع عملاقة مثل نيوم والقدية ومشروع البحر الأحمر، بينما يمتلك عالميًا حصصًا بارزة في شركات مثل أوبر وتسلا ونادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، وفقا لمجلة “Sustainability” المعنية بالاستدامة.

وتوازن تلك الاستراتيجية بين النمو الاقتصادي والمسؤولية البيئية والابتكار التكنولوجي، فمن خلال دمج الاستدامة والذكاء الاصطناعي في صميم فلسفتها الاستثمارية، تبني المملكة اقتصادًا متنوعًا يتماشى مع الأولويات المحلية والاتجاهات العالمية. وتقدم التجربة التنموية السعودية وخطواتها ذات الصلة بالتحول الاقتصادي نموذجًا في كيفية حشد القدرات من أجل الاستثمار ليس فقط لبناء الثروة، ولكن أيضًا لتشكيل مستقبل أكثر استدامة وتقدمًا تكنولوجيًا.

وختامًا، يمكن القول إن البيانات الاقتصادية الدولية وكذلك الوطنية تظهر مسار نمو قوي لاقتصاد المملكة العربية السعودية، مدفوعًا بعدة عوامل من أبرزها زيادة الاستثمار في البنية التحتية، والقطاع الخاص المُزدهر، والتركيز الاستراتيجي على تعزيز قدرات الإنتاج، والتوجه نحو ترسيخ كل مقومات اقتصاد المستقبل، مما يضع المملكة في مكانة اقتصادية متقدمة ويضفي قدرًا كبيرًا من المرونة على اقتصادها ويعزز قدرته على تحمل ما يشهده العالم بوجه عام ومنطقة الشرق الأوسط على وجه خاص من اضطرابات وتوترات جيوسياسية تصاعدت وتيرتها خلال الأعوام الخمسة الماضية.   

زر الذهاب إلى الأعلى