أدى تمكن المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي من جذب عدد كبير من المتابعين، إلى تحقيق هؤلاء المؤثرين لمكاسب مالية غيرت من النظرة إلى الجمهور الذي بات وكأنه سلعة، حيث يحدث ذلك التسليع عندما يقوم المستخدمون العاديون بنسخ أو مشاركة أو التعليق على صفحات أو منشورات المؤثرين الذين يسوقون للعلامات التجارية.
بعبارة أخرى لقد نتج عن شعبية وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها شكلًا جديدًا من السلع، وهي السلعة الناتجة عن تصرفات المستخدمين وتفاعلاتهم عبر الإنترنت، في تجسيد واضح لمفهوم “سلعة الجمهور” الذي اقترحها دالاس سميث عام 1981.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، في عددها الصادر في يوليو -ديسمبر 2024، دراسة بعنوان “أخلاقيات تسليع الجمهور بين استغلال المسوقين وبراجماتية المؤثرين- دراسة في إطار نظرية دالاس سميث”، من إعداد الدكتورة سمية عبد الراضي المدرس بكلية الإعلام والاتصال في جامعة جنوب الوادي.
حيث استهدفت الدراسة التعرف على آليات تسليع المؤثرين أنفسهم وجمهورهم، ومدى فهم المؤثرين لجمهورهم وتفاعلاتهم وأخلاقيات تسليعهم ومدى تطبيق المؤثرين للأصالة كمبدأ أخلاقي للتعامل مع علامتهم التجارية الشخصية وجمهورهم والمحتوى المدفوع، ومدى حرص المؤثرين على تطبيق مبدأ الشفافية والكشف عن الشراكات مع العلامة التجارية لمتابعيهم.
واستندت الدراسة إلى عينة من المؤثرين في مصر بلغ عددهم 7 مؤثرين ينشطون على منصات فيسبوك وتيك توك وإنستغرام، ويقدمون محتوى ساخراً وكوميدياً ورياضياً ومتعلقاً بفن الراب بجانب الأزياء والتجميل.
- نتائج الدراسة
وجدت الدراسة أنه في حين قد يدعي المؤثرون رغبتهم في أن يكونوا حقيقيين وصادقين فإنهم في النهاية يستخدمون المنصة لجمع عدد كبير من المتابعين أو الترويج للمنتجات أو تحقيق الدخل من نشاطهم عبر الإنترنت، وقد تم تسليط الضوء على هذا في إشارة أحد المؤثرين إلى أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يرتبطون بك زاد عدد الأشخاص الذين سيرغبون في متابعتك بعد ذلك، ومن الواضح أن هذه هي الطريقة التي يتم من خلالها الحصول على عدد أكبر من المتابعين.
ورأت الدراسة أنه مع قيام المؤثرين بشكل متزايد بتسليع محتواهم عبر الإنترنت من خلال تقديم سلع فعلية، يولد رغبة لدى المتابعين في تقليد المؤثرين أو الحصول على السلع.
كما وجدت الدراسة أن حاجة المؤثرين إلى جعل عملهم رابحًا تجبر معظم الأشخاص المؤثرين على التعامل مع المخاوف الأخلاقية بشأن العمل مع العلامات التجارية، ونظرًا لأن أخلاقيات الأصالة تتطلب من المؤثرين الحفاظ على علامتهم التجارية الشخصية، فإنهم يحلون المعضلات الأخلاقية حول العلامات التجارية التي يجب العمل معها من خلال التساؤل عما إذا كانت العلامة التجارية متوافقة مع علامتهم التجارية الشخصية وما إذا كانت هذه الشراكة ستتوافق مع توقعات الجمهور، ويمنح هذا الإطار الأخلاقي أصحاب النفوذ طريقة للتفكير في شراكات العلامات التجارية من حيث أصالتها ومصداقيتها.
وفيما يتعلق باختيار العلامات التجارية للدخول في شراكة مع المؤثرين، أكد المؤثرون على أهمية أن تكون الشراكة “ذات صلة” ومنطقية في حياتهم، حيث اعتمد المؤثرون على العمل مع العلامات التجارية التي تمثلهم وتجعلهم “حقيقيين” وتعكس ما يعتبرونه جزءًا حقيقيًا من أنفسهم.
وينظر المؤثرون عينة الدراسة إلى أن قبول صفقة لمجرد الحصول على مقابل مادي باعتباره “خطأ أخلاقياً”، مشيرين إلى رفض العديد من الشراكات لأن العلامات التجارية لم تتماش مع علاماتهم التجارية الشخصية وتوقعات الجمهور فضلًا عن تجنب التسليع.
كما كشفت النتائج أن المؤثرين أحيانًا يتحالفون مع العلامات التجارية التي لا تدفع لهم وبالتالي يشاركون في شكل من أشكال العمل غير المادي لكنه يساعد في تعزيز هوية المؤثر وزيادة عدد متابعيه، فقد أشار أحد أفراد العينة إلى أنه يقوم بالترويج لحسابات أخرى يرى أنها لم تأخذ حقها في الانتشار، ويكتفي بأن يكون المقابل زيادة التفاعلات على الصفحة والانتشار على المدى البعيد.
وفي حين ينظر للشفافية على أنها عنصر أساسي لبناء المصداقية، أشارت نتائج الدراسة إلى أن المؤثرين لا يشعرون أن عليهم التزام أخلاقي بتطبيق مبدأ الشفافية والكشف عن الشراكات مع العلامة التجارية لمتابعيهم لأنهم يرون أن المتابعين يفهمون ضمنيًا أن المحتوى مدعوم، كما أنهم يرون أن المحتوى المدعوم يكون أكثر نجاحًا وإقناعًا عندما لا ينظر إليه الجمهور على أنه إعلان، كما أكد أفراد العينة على أنهم يكونون أكثر جدارة بالثقة عندما يكون لديهم رعاية أقل للمحتوى المقدم على صفحاتهم، وبالتالي تعتبر العلامة التجارية أو الخدمة أو المنتج أكثر ثقة عندما يقدم المؤثر قصة شخصية أكثر من مجرد طرح للعديد من المراجعات لمنتجات مختلفة على التوالي.
يدعي المؤثرون أنهم يضعون الجمهور في المقام الأول بينما يستمرون في تلقي الأموال مقابل الوفاء بعقودهم، ومن المثير للدهشة أن العديد من المؤثرين ناقشوا الحذف ليس كشكل غير أخلاقي من أشكال الرقابة الذاتية بل كخدمة يتم تقديمها نيابة جمهورهم لتزويد بالمحتوى الأكثر فائدة والذي يتماشى أيضًا مع أهداف المؤثرين وبالتالي فإن الأصالة لا تبدو مريحة دائما للمؤثرين، حيث إنهم يرون أنهم معرضون للخطر عند الإفراط في الأصالة على الإنترنت.
- مقترحات الدراسة
اقترحت الدراسة تدوين وثيقة أخلاقيات حول “التسويق المؤثر” في العالم العربي باعتبارها أمرا بالغ الأهمية، فبموجبها يتم النظر للمؤثرين على أنهم محترفون في المجال الإعلامي وعلى غرار لجنة التجارة الفيدرالية التي نشرت “ميثاق أخلاقي” للتسويق المؤثر يمثل التزامًا قانونيًا على أصحاب النفوذ والمعلنين، مما يجبر الأطراف على الكشف عن علاقاتهم عند إنشاء محتوى مدعوم، يجب إعداد ميثاق أخلاقي يحكم التسويق المؤثر.
واعتبرت الدراسة أن الإطار الأخلاقي القائم على الأصالة يساعد المؤثرين على إيجاد توازن بين كسب الدخل ووضع علامتهم التجارية الشخصية وجماهيرهم، وبالتالي سوف يتخذون قرارات مالية وأخلاقية سليمة فيما يتعلق بالمحتوى المدعوم، ولن يكونوا على استعداد للتضحية بسمعتهم من خلال العمل مع العلامات التجارية غير المناسبة.
من خلال هذه الدراسة لا يمكن التكهن بآراء الجماهير ومدى فهمهم لأولئك المؤثرين الذين يلجؤون إليهم من أجل الترفيه، لذا يجب أن تسأل الأبحاث المستقبلية الجمهور عن كيفية تفسيره لأخلاقيات التسويق المؤثر، ومدى إدراكه لعملية التسليع فهو من ينسخ أو يشارك أو يعلق على صفحات أو منشورات المؤثرين ويحقق أرباحاً للمؤثرين، ويصنع القيمة المضافة لمنصات التواصل الاجتماعي، إلا أن الفهم الأعمق للجمهور هو وحده الذي يمكنه الحكم بقوة أكبر على ما إذا كان يتم التلاعب بالجماهير وتسليعهم.